الجزة الذهبيّة
ضائعٌ
في سراديب ألغازكِ المتعرّجة
لم يُجدِني بريقُ الأمل الخادع،
لم ألتق طائر الفرح
في عينيك؛
لا ضوءَ
لا صوتَ
لا هواء
في سراديبٍ
لا دراية لي بمجاهلها،
أخوضُ بكلّ يأسي
وحنقي
غير آبهٍ بشيء؛
ولا شيء ورائي
لا شيء أمامي
عبقٌ غامضٌ، يُرشد خطوي :
ربما زهرة صبّار، وفيّة
أو سرير أمومة، كاذبة
روحي بلا أجنحة
لم تك ميديا، دليلي؛
بلا خرافة همتُ :
كانت الجزة الذهبيّة ضوءَ روحي
فقدتها
أضعتها
وهيَ بين يديّ، الفارغتيْن
عليّ كان أن أهيم ثانية
في سراديب عزلتكِ،
ولم تكُ ثمة زهرة صبّار
ولا زوجة مخدوع ـ
مُرشدي
كلّ ما يُحيطني عتمٌ
ما أوحشَ روحي
بلا خرافة تهيمُ؛
بلا ضوء :
فهذا الأملُ بريقٌ خادع
( كم نجمة تساقطت في كفيْكَ،
بعثرتها أرضاً )
والآن
ليسَ ثمّ ضوءٌ واحد :
فقدتُ برجكِ
هل عبَرَ أحدٌ من قبل؛
هل كان ذلك؟
مثل حشرجة كابوس
تصرخ : لا!!
أيتها الأشباح
لتكن النار مأواكم
بلا دليل سأمضي؛
بلا خرافة :
بكلّ يأسي
حنقي
شكي
نحسي
وجنوني
بكلّ شيء؛
ولا شيء ورائي
لا شيء أمامي!
غيرَ أني
في مواجهة الألغاز تلك
( حين يُحسبُ لها حساباً )
سأجعل هذه السراديب الملعونة،
بلا ضوءٍ
أبداً
*
نرجس أيضاً
خلل الليل
عيناه تجولان بلا هدفٍ ـ
كوعل بريّ، يسرح بعيدا
أضواءٌ مزدحمة
متألقة وباهتة في آن
ليلٌ بائسٌ
قلبٌ صقيعٌ
نظرة متجهّمة، ليسَ إلا
ما أبشعَ
ألا يكون وحيدا
لم تعشقه سوى الأجمل
ولم تكُ خطيئته :
quot; إمنح التفاحة الذهبيّة للأجمل! quot;؛
بل
تلك اللا مبالاة، القاتلة
ما أبشع
ألا يكون وحيدا
مينرفا
في حدائقها السماويّة بعد
( كم هيَ عذبة! )
لم تسأمَ اللعبة تلك
وذنبه أن يكونَ الأجملَ؛
أن يكون لا مبالياً :
كيما تجعل من قلبها
تابوتاً لقلبه
هوَ ذا
كما خافته اللعبة؛
عبثا يشيحُ وجهه
فلن يُبصر في المرآة
سوى الأجملَ :
وجهه!
ما أبشعَ
ألا يكون وحيدا
*
ميديّون

من عتبات السهوبِ
إلى سقفِ الكون،
لن ترى أيْ رسولُ أهورا
سوى راية الشمس
ثمة، على قمّة جبلنا
تداعب أجنحتها ريحُ جهاتِ الأرض
التي فتحناها
أممٌ تدين بالولاء لها؛
أممٌ لا نعرف حتى أسماءها
أممٌ تعرفنا جميعاً، بالمقابل
مذ زوبعة النسور
المغطيَة الأفق
في إنقضاضها على بقايا آشور، المندثرة
ولسنا نقولُ، أيْ رسول الإله المُبجّل
سوى خضوعنا لمن تمثل
ولن يثقل علينا
إشعال الليل
فوق الأولمب،
أو سكب جرار الخمرة
على قيثارة الجمال، الإغريقيّ
بإسمه إلهنا
تنحني كاهنات دلفي؛
بيْدَ أننا قرباناً لغضبته
لن نرضى بأقل من سبع أحرار
( ذوي شرف، فوق ذلك )
كيما تزهر كرومهم اللعينة
رحلة المجد، هيَ ذي!
ممالكٌ مذعورة؛
نسوة مرتمية تحت أقدام فحولتنا؛
أوان ذهبيّة من كنوز المعابد، المنهوبة؛
عذارى يكللن بالغار
هاماتٍ منتصرة :
وما أروع خرافة آلهتهم، الهلعة!
الآلهة المتهاوية تمثالاً بعد الآخر
بضربات فؤوسنا؛
ضربات ترنّ بصدى مجدنا الأرضيّ
متناهية لأذن السماء؛
أين الآلهة الغريبة، المضطربة بدورها
ما تلبث أن تفتح بوابات أسرارها
لمركبة الشمس؛
مرغمة ً على الإنحناء بخضوع لربّ الرعاع
ورايته الوحيدة،
المحلّقة كالنسر فوق جبلنا
*
برج الصّمت
1
النار الملتهبة
لن تخدَعَها بالزيت المقدّس
ولا بقرابين الورد، البشريّ
الإله الراعي ثمة
أطفأ قرصَ الشمس وغابَ
لم يبق في العتمة سوى الذئاب وأشلاء
القطعان؛
( لم تركتَ عبادكَ في الريح؟ )
سوى النائحات في أسواق الرقيق
أنتَ الهائمُ في كهوفِ السماء
بلا أيّ صديق
غير طيف إلهٍ أضحى سرابا
2
فجراً
سحبوا الجثة إلى برج الصمت
كلابٌ تنبحُ
كيما تطرد روحَ الشرّ
أيامٌ ثلاثة
على الأثر،
ولم تقربَكَ الوحوشُ أو الجوارح
ما فتأت عيناكَ
( مستغرقا في الموت )
مفتوحتيْن على ليل ميديا،
اللا متناهي
3
داريوس!
لن تمسحَ وجهكَ بخمرة سوما، المقدّسة
( ثمة، في معبد ميترا )
كيما تبارك إبنتك؛
وهبتها كلَّ عناصر الطبيعة
المكوّنة إبنكَ الآتي ـ كنيروز
داريوس
لتغسلنّ وجهكَ ببول البقر
للعار المجلجل في يوم الماراثون؛
( دعنا من صرختكَ يومئذٍ : quot; صارَ رجالي
نساءً؛ ونسوتي صرنَ رجالاً quot; )
ما أطوله
يومٌ
ممتدّ
حتى
الأبد
4
وطنٌ مبعثر ـ
كذاكرة مجنون؛
لوحٌ من المرمر، دوّن عليه
الفاتحون حكاية جرح لم يتخثرَ بعدُ
بين نهبٍ وسبي
تاريخنا كان مسيّجاً بالغار :
بكارة روكسانا
أمْ سيف الإسكندر؟
*
إسكندرون
بعيداً
عن المدن الفخورة بقصورها وأسوارها
وحدكِ،
أيتها المدينة الفقيرة
إختارتكِ خطى قدَمَيْه؛
ولكِ وحدكِ،
أن تشمخي دوماً
بإسمكِ القديم ـ إسمِهِ
*
عين دارا
الشفقُ غلالة هفهافة، قانيَة
منحسرة عن صفحة الفجر الأكثر نصاعة ـ
كجيدٍ بكر
دغلٌ كثيفٌ
تحرسه أشباحٌ مرئية لظلال الزيتون، الغافيَة
خميلة مزهرة
يعتنقها اللبلابُ والتوتُ البريّ :
جميعها جذلة، ساكنة نوعاً
إلا من إهتزاز خفيّ
لأثر صورها على صفحة ماء النبع
هنا
ليسَ للغريب وحشة؛
جميعها تلكَ المهاد المعشوشبة،
( المظللة بالعارشات والكروم )
يتوسّدها أيكاً
سماءٌ خضراءُ، وارفة
منارة بكواكب الرمّان
الكرى سلسٌ
أيّها الغريبُ!
الكرى تنفحه عبقُ
الخميلة تلك، الدانيَة
وكلّ زهَيْرةٍ فيها
متقمّصة روحاً هوريّة
*
الشام الشريف
1
لو قدّر لي أن أكونَ المينوتور
سألملمُ رممَ الأسلاف؛
سأحَضّر أرواحهم من الجحيم!
لتكن جسارة ٌـ
كتلك التي نفحَت الأساطيرَ
عبق الخلود؛
التي أشعلتْ ذكرى أوائل الرجال
على الضفاف الخضر للمقابر
لتكن جسارة ٌ
بحجم تلك التفاصيل :
ظلامُ القرون المتآكلة؛
تلالُ الجثث المتكلّسَة؛
سماءٌ نسيَت الأزرقَ
2
بلا زادٍ ربما
لم يحملوا متاعاً ما؛
اللهمّ إلا أطفالهم وهمومهم
كلّ شيء
أضحى خصماً
والسماءُ
( لطالما توسّلوها بالقرابين، فإمتنعتْ )
تنهمر مدراراً فوق أسمالهم
كانت الحرائق فيما مضى
تسليتهم الكبرى؛
الرؤوس المدلاة فوق الرماح،
كانت راياتهم الداميَة
صرخاتُ سباياهم
ضيّعتها دوماً
ما كان من غموض أجسادهنّ العاريَة، المستباحَة ـ
كتلك المباحَة جميعاً، المشرّعة فرماناً
أصيلٌ قاتمٌ، هو ذا :
نجمُ سعدِهِم هوى، فجأة
يا للخيبَة الغادرة!
جميعُ الآمال ضاعت؛
غدَتْ هباءً
أقدامٌ ثقيلة
إعتادتْ دوسَ اليابس والأخضر
من آرارات حتى مقدونيا
منتصرة ً لإله الشرّ
كانت تؤوب مطمئنة ً
( كما البواشق )
لصخرتها الأولى
أما الآن، اللعنة!
المدرّجات المشجّرة بالكبرياء؛
الكهوف الصديقة؛
مضاجع العشق النرجسيّة؛
الينابيع اليتيمة؛
الصلبان الذهبيّة، المنهوبة؛
تربَة الآمال، المجبولة بالدّم واليانسون :
ستشهدُ جميعاً
تلكَ الأقدام الثقيلة،
المغادرة أبداً
3
تلك التفاصيل المذهّبة، كنزي الوحيد
ورثته عن أسلافي
( ولكنّ هذا، ليسَ كلّ شيء أملكه! )
الحقيقة، هيَ ذي؛ مثل العذراء
( لا تتجرّد دفعة واحدة! )
ليبق ليلنا، إذاً، سرمديّا
بلا مصابيح؛
الموتى لا تخيفهم العتمة،
كما لم تنفعهم من قبل
أيّ بلاغةٍ، خرقاء
وما أعلمه أنّ الجنونَ، ليسَ وحده من قادَ
أقدامهم الثقيلة، من بوابات آسيا
حتى الشام الشريف :
quot; هل يرقد صلاح الدين، هنا؛ أحقا ما زعمه
شيخنا الثمل من أنّ هذه القباب البيضاء
( ما أكثرها من حماقات )
تحتضن تجاليدَ أقربائنا؟
هنا جبل
وهذا هوَ المهمّ؛ على الرغم من قفره
( ماذا يُدعى، أيضاً! )
سيكون مأوانا، على أيّ حال
ولنقلها صريحة ً:
لقد نجَونا! quot;
*
القربان الأخير
1
لكَ أيّها الراعي،
لك تستنفر الولاءتُ
تبارك إستهتاركَ الممضّ، حين تدنو
شمسُ أنوارك أن تمّحي،
حين يعوي الرعاعُ
لكَ ألا تلحظ من برجك العاجيّ
تفاهات عالمنا السفليّ
كونكَ للدسائس على يقظةٍ، أن يُنجّدَ
تختَ إستكَ أفاقٌ مغامر
ألف ألف يهوذا
تلوّح لهم بثلاثين فضّة
وراء البحار / أو داخل الأسوار :
تتربّص بكَ الدوائر!
هلا أبقيتَ للحاضرَة عذاراً
وقد تبدّتْ لشبق الغزاة،
مجرّدة من غلالة غوطتها الخضراء
تستجليها عيونهم البغيضة
ولكنّ طلعتكَ البشوشة، الباذخة
تهلّ من عل على قطيع الطوائف
المتآلفة في سلام إجتماعيّ
ظلنا الذي خانَ
منذ أمدٍ بعيد؛
( بإشتهاء إمرأة القريب )
وحدَه يركع الآنَ
مًنتهكاً بصخبه صمتَ حدادنا، اليوميّ
هوَ ذعرُنا؛
هوَ إنفصامُنا الذي ترجوه
وتخشاه أيضاً!
لكَ جوقة مباخر، تنشرُ الضبابَ
تذرو الحقيقة في مهبّها
كي تجثمَ بوطيء ظلكَ
فوقَ الرقابِ
بأمركَ، أيّها الحاكم بأمره!
تبدأ الوليمة وتنتهي؛
إذ تتكشف هيَ عن سرابٍ،
تجلو نفسكَ دونما عناءٍ
بحثا عن طريدةٍ اخرى
متأكداً دوماً،
أنّ من تتعقبه يرجو لنفسه العقابَ!
طرائدكَ من الكثرَة
حتى تكاد تعجز سهامكَ، الثمينة
كذلك نحنُ، ننتظر دورَنا
قبلَ أن تلوذ بعزلتك، الأخيرة
بينَ أزاهيرنا الذاويَة وعشبنا المتيبّس
توحّدْ بنضارتكَ، مثل النرجس
توّج نفسكَ على اليباب
2
أيّ عرش متهافتٍ
تأتمنكَ المقاديرُ، أيها الأمين!
خارجيّون أمويّون وزنادقة؛
باطنيّون مزديّون وهراطقة :
quot; متأمرون جميعاً!
وكلّ بريء مُدان، حتى تثبتَ بيعته quot;
ليسَ للدعاء صدىً،
والسماءُ ـ كما الأرضُ
متراكمة طبقات
أعرنا السمعَ، إذا
قبلَ أن ينصرمَ موسمُ الحقيقة؛
قبلَ أن تذبل زهرة الجسَدِ
لم تكُ مخلّصاً قط
كيما نتدبّر أمرنا، سوية ً
دربُ الخطر والإقدام، يُفضي
إلى مَرْبَض الهولة؛
دربٌ تجنبته قدماكَ، عن عَمَدٍ
مهملاً واجباتكَ الجسام
أيّ تضحيةٍ، إذا
نجزيها لقدمَيْن مهزومَتيْن
إلى الجحيم
صحائف التاريخ، الصفراء؛
إلى نار تطهّرها!
غيرَ مبالين إذ نشتمّ بغريزة الجوارح
رائحة المذبحة
هوَ الحصارُ
لا بأسَ علينا؛
هوَ الطاعونُ أسوَدُ
مردودة قرابيننا،
ترتعُ ذاويَة ورودُ المَعبدِ
3
أقدارنا إذاً
نتدبّرها بمفردنا
هل تفهمَ
أنتَ المغلّف بالبسمات، الطليّة؛
أيّها الكلّ ـ الواحدُ الأحد!
من بعد
لن تظهرَ ثيابنا الخلِقة،
في كرنفالات تأليهكَ المنافقة؛
لن تنطقَ: quot;صباح الخيرquot;
أفواهنا، الجائعة، في صباحكَ الجهم!
لتحجبَ سحُبُ غضبنا
أشعتكَ المزيّفة
لتكن ليلة الطغاة، هذه
موحشة كسيفة وميّتة :
لأنها الليلة الأخيرة!
*
أنشودة مغامر
هيَ ذي الشواطيء اللازورديّة
تلوحُ لعينيكَ، الضبابيتيْن
كم من أعوام، إنتظرتَ
كيما يكحّل رموشهما هذا السِحرُ
غابة البتولا، هيَ ذي
بفخذيْن صخرييْن ينتهكُ ما بينهما البحرُ
مرطباً جنونها ببرودة موجه، الشبق
عبقُ الليل، المغادر توّا
يختلط بأريج الشفق
المنتثر من مداعبات النوارس للّيلك
طبْ نفسْا، أيّها الغريب!
لكَ صحو الفجر هذا؛
فإلق نظرة الخبير، بما حولكَ
ثمّ إنتق فسحَة ظليلة، تخبئكَ
لا تنصت لإغواء حوريّة البحر؛
تحسرُ لكَ صدرَها، المكلوم
المغسول بدموع الفجر
وحسرَة الصخر
دعكَ من الفتنة، العارضة
سهامك، تفحّصها جيّدا
وقوسك
لتجزمنّ أمركَ؛
هيَ ذي ساعة الصفر!
كمينك ـ إن أوقعَ هدفه
سيربحكَ الخلود؛
أبديّة أعجزتِ الهائمين قبلكَ
من كلكاميش إلى تيسوس
أراكَ متراجعاً
هل تدبر؟
إذا، لا
فلتصحُ في هذا الصباح المُشرق؛
هذا الصباح،
الذي يَعُِكَ أيضاً بالهلاك
لتصحُ مرة واحدة، على الأقل!
لتتذكّر بشكل خاص،
أنكَ لو تخطيء الحساب هذه المرة
فلن يكون ثمة مرة اخرى
النوارسُ تجفل محلّقة؛
البتولا تهمدُ مستسلمة للصمت؛
حوريّتكَ ترقب الضفاف، بقلق المحبّ
هيَ ذي، أخيراً، خطى الوعل الناريّ
تمحي أثرَ البزاق الليليّ،
متجهة نحوَ قمم الصخور؛
أين النبع المُفترش الحصى
تظلله الكرومُ وهامتك
أنتَ ذا هنا
تنهضُ في حضور الحيوان، البهيّ
مسحوراً
تهمل قوسَكَ وسهامَكَ
مندفعاً بجنون الأفاق المغامر للإنتحار
تعانق جيدَ الوعل
بطعنة سيفكَ،
التي وقتّ ضربتها كيلا تخطيء
آه!
في بهجة الفوز، تفقدُ حذرَك
فتطيح بآمالكَ القرونُ القاتلة
[email protected]