أ. د. عبد الرضا عليّ:بعث لي الصديق الدكتور مجيد رشيد ملفا ً حوارياً أجرته فضائية quot;الآنquot; مع الشاعرة المبدعة لميعة عباس عمارة، وكان هذا اللقاء حافلاً بمواقف نضالية مشرّفة إبان انقلاب 8 شباط 1963، وما بعده، وروت الشاعرة أنّ نظام الانقلابيين كان قد قرر إعدامها، وذكرت كذلك أن إحدى الفتيات اللواتي كنّ موقوفات قد تم تنفيذ حكم الإعدام بها ظناً من الجلادين أنها لميعة عباس عمارة، لكونها تحمل كما يبدو الاسم عينه (لميعة).
لست هنا في معرض الحديث عن اللقاء الحواري المثير، إنما اردتُ الاشارة إلى قصيدة quot;بغدادquot; التي اختتمت بها الشاعرة عمارة لقاءها الجميل ذاك.
كانت القصيدة رائعة، استخدمت الشاعرة تكنيك المنولوج الدرامي لإيصال ما كان في أعماق الذات الشاعرة من بوح حزين، لكنّ الجمال الذي أشاعته القصيدة سرعان ما تم قطعه عن المتلقي بسبب صدمة الخلل العروضي الذي وقعت فيه الشاعرة مرتين، فأربك هذا الخلل انتشاء المتلقي، وجعله ينفصل عن المتابعة الإيقاعية راغباً في فحصها تطبيقياً، فقد يكون مافيها يدخل ضمن جوازات الزحاف المستحب، لكنّ الأمر بعد فحص المقطوعة لم يمل إلى ما كان مستحباً، إنما مال إلى الاختلال أو الكسر العروضي الواضح. وبغية إشراك القارئ الجاد في هذا الفحص نعرض المقطوعة كما قرأتها الشاعرة:
بغداد، تائهة ٌ أنا حيرا
من بعدِ صدركِ لم أجدْ صدرا

حتى بأحلامي أ دوّرُ لا أرى
بيتاً لأهلي فيكِ أو قبرا

لا أمسي، لا تاريخَ لي فأنا
ممحوّة ٌ من عالمي قسرا

لا جارَ لي كلّ ُ البيوتِ خلتْ
مَن ماتَ مقتولاً، ومَنْ فرّا

والشعرُ، حتى الشعرُ ينكرني
إني أُجاهدُ: لا أرى شعرا

بغدادُ يا أمي أجيبي دمعتي
كيف الأمومة ُ بُدّلتْ غدرا؟

لكنّ القارئ الجاد، أو الذي يمتلك أذناً موسيقيةً سرعان ما يكتشف خللاً واضحاً في صدري البيتين الثاني والسادس، فقد ورد البيت الثاني هكذا:

حتى بأحلامي أدوّرُ لا أرى
مستفعلن مستفعلن متفاعلن
بيتا ً لأهلي فيك ِ أو قبرا
مستفعلن مستفلن فعْلن
وهو خلل في الصدر، إذ انتقلت فيه من العروض الأحَذّ (فعِلن) إلى العروض الصحيحة (متفاعلن) وكان يجب الالتزام بالعروض الأحذ ّ. . ويستقيم الصدر لو قلنا:
حتى بضغثِ الحلم ِ لستُ أرى
مستفعلن مستفعلن فعِلن
بيتا ً لأهلي فيك ِ أو قبرا
مستفعلن مستفعلن فعْلن
كما ورد البيت السادس هكذا:
بغدادُ يا أمي أجيبي دمعتي
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
كيف الأمومة ُ بدّلتْ غدرا؟
مستفعلن متفاعلن فعْلن
وهو خلل في الصدر كذلك،إذ انتقلت فيه من العروض الأحذّ (فعِلن) إلى العروض الصحيحة المضمرة(مستفعلن) وكان يجب الالتزام بالعروض الحذّاء. . . ، ويستقيم الصدر إيقاعياً لو قلنا:
بغداد يا أمي أجيبيني
مستفعلن مستفعلن فعْلن
كيفَ الامومة ُ بُدّلتْ غدرا؟
مستفعلن متفاعلن فعْلن
ولا مانع من جعلها حذّاء مضمرة.