نبيلة رزايق من الجزائر: quot;أنا مثل الشمس اخترق الحواجز وادخل في أغوار التماثيلquot;، بهذه المقولة الشهيرة لجلال الدين الرومي انطلق المخرج الأفغاني برماك أكرم في رواية أحداث فيلمه السينمائي الأول quot;طفل كابولquot; المنتج سنة 2007، والذي يتغلغل في نفسية كل من يشاهده كطير جريح أو كطيف قوس قزح استبدل ألوانه الزاهية بأخرى قاتمة اتخذت من الظلمة والألوان الترابية مصدرا لها.في هذه الأجواء السينمائية تدور أحداث هذا الفيلم حول شخصية بطله خالد الذي تشاء الأقدار أن تركب سيارة أجرته امرأة لتنزل بسرعة تاركة طفلها الرضيع وتبدأ المشاكل و رحلة المتاعب للبحث عن الأم التي تخلت عن ابنها. يجسد المخرج برماك أكرم من خلال هذا العمل السينمائي الواقع المرير للمرأة والطفل بالمجتمع الأفغاني من بعد الحرب الأهلية التي عاشها هذا البلد ومدينة كابول تحديدا خلال ساعة ونصف من زمن من عمر هذا الفيلم الذي أبدع مخرجه في ملامسة الواقع الأفغاني المرير الأليم.
جاءت أحداث الفيلم في حبكة درامية سينمائية بسيطة لكنها مشغولة بطريقة فنية وتقنية راقية قريبة جدا من عوالم الأشرطة الوثائقية المشوقة والحابسة للأنفاس والمليئة بالمفاجئات، متناسقة مترابطة في تسلسل أحداثها وأول مميزاتها واقعيتها لأنها كانت لصيقة بالهموم اليومية للمجتمع الأفغاني ونلتمس ذلك من أول لقطة بالفيلم حيث تأخذنا كاميرا المخرج التي كانت كالطير المحلق في جولة بانورامية من حول مدينة كابول لتغوص بعدها في قلب المدينة البائس المنهك بالحرب والفوضى المدنية لتستقر بعد عناء التجوال بأحد الشوارع المكتظة بالمارة وتحديدا بداخل سيارة سائق التاكسي خالد الذي ينتقد كل شيء من حوله ليجد نفسه واقعا بمشكل الطفل المجهول الذي تركته أمه التي لا يعرف عنها شيء إلا أنها ترتدي quot;التشادورquot; كآلاف النساء بأفغانستان مما يعقد عملية البحث.
ومن خلال رحلة بحثه عن الأم تتجول بنا الكاميرا مستعرضة القدرات التقنية للمخرج في التنويع في مشاهده وزواياه ولقطاته المقربة والبعيدة، على خلفية موسيقاه التصويرية الأفغانية الأصيلة مع انتقاده بالصورة وحركة الكاميرا للراهن السياسي والاجتماعي للمجتمع الأفغاني من خلال حديثه عن القوى الأجنبية العابثة بمصير هذا البلد. وانتقاده لعقلية المجتمع الأفغاني الذي برغم تراجع حكم الطالبان لا زال يعاني من عقلية التخلف التي تسير يومياته وتجعل من المرأة والطفل أول ضحايا هذا المجتمع.
يتواصل عرض هذا الفيلم بقاعة الموقار بالعاصمة الجزائرية إلى غاية نهاية شهر تموز/جوان الجاري بمعدل حصتين في اليوم وهو الفيلم الذي عرض بحضور مخرجه علما أنه تحصل على جائزة حقوق الإنسان 2008 في مهرجان quot;الموستراquot; بالبندقية في ايطاليا وتم تقديمه في المهرجان الحادي عشر للفيلم الآسيوي في مدينة دوفيل الفرنسية مؤخرا 2008، كما حاز على 5 جوائز في مهرجان طهران السينمائي الدولي. وعرض مؤخرا بالجزائر بحضور مخرجه برماك أكرم.