إيلاف ndash; بيروت: في إطار خطّتها لتقديم المشهد الأدبي السوداني المميّز، أصدرت quot;دار الغاوونquot; البيروتية كتابَين جديدَين: الأول ديوان quot;بعنا الأرض وفرحنا بالغبارquot; للشاعر طارق الطيّب، والثاني رواية quot;زمن الموانع وجوزيف مُلاح البناتquot; للروائية شامة ميرغني التي فازت بالجائزة التقديرية لمسابقة الطيّب صالح سنة 2008.

بعنا الأرض وفرحنا بالغبار
الديوان الجديد للشاعر والروائي السوداني البارز طارق الطيّب، يشكّل خطوة واسعة في مسيرة هذه التجربة المميّزة التي استطاعت صنع بصمتها الخاصة من خلال جملة متأنّية، وفكرة رائقة، وصورة نقيّة.
يبرع طارق الطيّب في توجيه القصيدة نحو مطارح تعبق بروائح الأمكنة، ممهداً الطريق للذكريات التي في وسعها البروز من أكثر من نافذة وخرم. quot;إيلافquot; علمت أن لطارق الطيّب أيضاً رواية بعنوان quot;بيت النخيلquot; ستصدر خلال الأيام المقبلة لدى quot;دار الغاوونquot; أيضاً. يقول طارق الطيب في إحدى قصائد الديوان الجديد:
quot;وُلِدتُ
وأوهامُ النساءِ حياة
وحياة الرجالِ وهمٌ
هبطتُ في يد جدّتي خفيفاً
بحسٍّ صغيرٍ
ولفّةْ
ظلَّ الحالُ هكذا وأنا أحبو، إلى أن صرتُ على اثنَين. لمّا صرتُ على اثنَين، صرتُ أيضاً اثنَين؛ واحداً لي جعلتُه اثنَين، وواحداً لهم جعلوهُ اثنَين. ظللتُ أتناسل دهراً، وفي يومٍ دون سببٍ أُدركه أردتُ أن أجمع نثري.
وهذه سيرةٌ أخرىquot;.

ومما اختاره الناشر على الغلاف الخلفي نقرأ هذه القطعة الجميلة:
laquo;يصطاد السمكاتِ بعَرَقٍ غزيرٍ
ثم يرميها في مائها
بعد أن تموت
يُعيدها إلى تابوتها المفتوح
أسأله: laquo;لمَ تفعل ما تفعل؟raquo;
يردّ: laquo;أنا لا آكل الأسماك!raquo;
.
.
.
يطفُو صيدُه الميّت
يتير
مع التيّارِ
مع العَرَقِ الذي يفوح
مع السُّؤَالِ الذي رميتَهُquot;.

جدير بالذكر أن طارق الطيّب من مواليد القاهرة العام 1959 لأبوَين سودانيَّين. انتقل إلى فيينّا العام 1984 حيث ما يزال يُقيم إلى اليوم. حائز دكتوراه في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية العام 1997 من جامعة الاقتصاد في فيينّا - النمسا. صدر له في الشعر والرواية والمسرح تسعة أعمال باللغة العربية منها: laquo;مدن بلا نخيلraquo; (1992)، laquo;بعض الظنraquo; (2007). إضافة إلى أربعة أعمال أخرى باللغة الألمانية منها: laquo;حقيبة مملوءة بحمام وهديلraquo; (1999)، laquo;Das Palmenhausraquo; (2007).

زمن الموانع وجوزيف ملاح البنات
رواية شامة ميرغني، وهي الأولى لها، كانت قد فازت قبل عامَين بأرفع جائزة أدبية في السودان وهي جائزة quot;الطيّب صالحquot;.
تخوض الرواية في مسألة شائكة وهي علاقة شمال السودان بجنوبه، من خلال قصة عائلة الحاج قسم السيّد، الذي جاء بشاب سوداني جنوبي اسمه جوزيف ادّعى أنه ابن أخيه، وأسكنه عنده وسط بناته الثلاث، ما أثار حفيظة زوجته الحاجة علوية، كما أثار ألسنة الناس التي لم ترحم جوزيف من خلال نعتها إياه بـquot;العبدquot;. تخوض الرواية في تفاصيل وحيثيات شائقة تقدّم الواقع الاجتماعي السوداني بصورة أدبية متقنة، إلى أن تكتمل الحبكة باكتشاف أن جوزيف هذا ليس سوى ابن الحاج قسم السيد.
تبرع شامة ميرغني (مواليد ناوا شماليّ السودان 1951) في نسج الحكايات الموازية للحكاية الأصلية، مقدِّمةً شخصيات غنية ومتنوعة حد التناقض تماماً كالتنوّع الكبير الذي يتمتّع به أهالي السودان تبعاً لمناطقهم وانتماءاتهم.
عالم غني ومفاجئ بعض الشيء للقارئ العربي، حيث نقع على مفهوم متعدّد الأوجه للعنصرية، وأحياناً زئبقي. وأثناء ذلك تفتح شامة ميرغني النقاش على وسعه بين شخصياتها في مختلف المواضيع دون أن تستثني حتى المواضيع الفقهية:

laquo;لا ما قاصدة حاجة بس عشان هم زمان كانوا في بلاد الخواجات بقوا زيهم! رندة كمان لابسة البنطلون زي الأولادraquo;!
laquo;مالو البنطلون يا مراraquo;؟
laquo;لبس البنطلون حرام يا حجة السرةraquo;!
laquo;اجي كمان دخلتِ في الفتاوى يا سعديةraquo;!
laquo;والله يا حجة السرة البنطلون حرام... لبس الرجال. والرسول عليه الصلاة والسلام قال الحريم لا يلبسوا لبس الرجال ولا الرجال يلبسوا لبس الحريمraquo;؟
laquo;يا يمة الغباء لفهمك. في زمن الرسول كان الرجال لابسين بناطلين؟ ما كان الرجال بعمايمهم وجلاليبهم والحريم هن الكانن لابسات البناطلين. إنتِ ما سمعتِ بالمرا الوقعت من الحمار والرسول غطّى وشّو منها قايلها مكشفة الصحابة قالوا له ماها مكشفة دي لابسة ليها سروال قال ليهم: رحم الله المتسرولاتraquo;؟

تقدّم شامة ميرغني في عملها هذا شهادة أدبية ثرية عن تعقيدات المجتمع السوداني، التي لها ما يميّزها عن تعقيدات بقية البلدان العربية، وخصوصاً مسالة العلاقة بين الشماليين والجنوبيين:
laquo;تمشّى الحاج صامتاً، ثم عاد يوضح حدود أرضه، وجوزيف يحدّثه عن حسن استغلال الأرض وزراعة البرسيم والخضروات بين أشجار النخيل والموالح، وقارن بين نشاط الإنسان في الشمال ونشاطه في الجنوب، وعدم استغلال الأرض و تلك المساحات الهائلة التي يرويهاالمطر. تحدّث عن الذين يتخرّجون من كليات الزراعة ويبقون بلا عمل. إنه عدم التخطيط و الإدارة السيّئة للبلد. تحدّث عن عدم الأمن وعدم الوعي وعدم... و قسم السيد يستمع مبهوراً بثقافة الشاب. اقترب جوزيف من حافّة النهر وانتابه إحساس من يطلّ من سطح عمارة شاهقة بلا سور. نظر إلى النهر المشاغب الذي يركض بين الضفَّتَين يعلو وينخفض ويضرب الشاطئ بذراعَيه العابثتَين، إنه نهر عجيب ينحت الأرض نحتاً ثم يحمل الطمي ويهرب به شمالاً شمالاً! laquo;حتى أنت يا بروتوسraquo;!


لزيارة موقع quot;الغاوونquot; على الشبكة
www.alghaoon.com

لمراسلة quot;دار الغاوونquot;
[email protected]