سفيان سي يوسفمنالجزائر /من لم يقرا أو من لم يطّلع على ارث الروائي الجزائري الطاهر وطار أو عمي الطاهر كما يحلو للعديد مناداته، لا يمكن أن يتصور لحظة الحزن والأسى التي تلقاها الجزائريون أدباء كانوا أو كتابا وفنانين، شعبا وحكومة، بمجرد الإعلان عن وفاة صاحب مقولة quot;أصل الأزمة في العالم العربي والإسلامي ثقافية أولا قبل أن تكون سياسية وهي أزمة الضمير وأزمة الهوية، فرأينا يجب التركيز على العمل الثقافي بدون تعصبquot;.
فبمجرد خروج الروح من جسد عمي الطاهر بعد معاناة طويلة مع مرض خبيث، انتشر الخبر كالصاعقة في الجزائر من أقصى شرقها إلى أقصى غربها، وهذا إن دل على شيءفعلى أنصاحب رواية ''اللاز'' إنسان جميل، قبل أن يكون بحد ذاته التراث بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، يرى ما لا نراه، في الحياة والسياسة وحتى في الناس، ويعبر عن كل هذه الأمور بلغة وكأنها وجدت ليكتبها، كيف لا وهو الذي عاش حصارا قذرا، أيام الفتنة في الجزائر، إلا انه وقف شامخا كأحد أهرام الإبداع والتضحية، وكان شعاره خلال هذه الفترة quot;الموت لا يخيفني، لأنني أؤمن به منذ صباي، وأنتظره كل يوم كحق وواجب''.
أسس عمي الطاهر منذ عشرين سنة، و في شارع مكتظ بالباعة وعلى مقربة من سوق شعبية شهيرة، بزقاق صغير متفرع من شارع (فيكتور هيغو) في العاصمة الجزائرية، جمعية الجاحظية التي قضى بها معظم جدالاته وحراكه الثقافي والفكري والسياسي، التي تعد الأكبر من نوعها في الجزائر أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى (أبي عثمان الجاحظ) ملقن العلم والأدب، وهي تعرف بالمنارة الثقافية والفكرية التي ينتمي معظم روادها إلى أزقة الجزائر العميقة بكل ما تعنيه المفردة من تفاصيل ومعانٍ.. شقت طريقها منذ أكثر من ربع قرن لتبقى أحد أهم الفواعل الثقافية والفكرية دون أن ينازعها أحد في تلك المكانة، عدا رئيسها quot;عمي الطاهرquot; الذي تعدت شهرته وكتاباته شهرة ومكانة الجمعية كفاعل ثقافي..
ويعرف عن quot;عمي الطاهرquot; ارتكازه على العقل وفي الآن نفسه تشبثه بالقيم الإسلامية وبتاريخه كعربي أصيل واختار quot;عمي الطاهرquot; (لا إكراه في الرأي) شعارا لحياته الشخصية وحياة جمعيته الجاحظية، وهو شعار قديم من وجدان الثقافة الإسلامية والعربية.
و كانت بدايات أعماله تشير إلى ميوله للتيار اليساري، وقد أنشا مع استقلال الجزائر أسبوعية سياسية أسماها quot;الأحرارquot; سريعا ما حظرت، أتبعها العام الموالي بأسبوعية quot;الجماهيرquot; التي حظرت أيضا، ثم بعدها أسبوعية الشعب الثقافي التي لقيت المصير نفسه، ليتفرغ للعمل الروائي حيث نشر عشرات المؤلفات بينها روايات ترجم بعضها إلى عشر لغات ونالت شهرة عربية وعالمية، إلى جانب اعتماد عدد من أعماله في الأبحاث الأكاديمية في عدد من الجامعات العالمية ومن ابرز أعماله نذكر quot;الشمعة والدهاليزquot; وquot;اللاّزquot; وquot;الزلزالquot; وquot;الحوّات والقصرquot; وquot;رمانةquot; وquot;تجربة في العشقquot; وquot;عرس بغلquot; وquot;العشق والموت في الزمن الحراشيquot; وquot;الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكيquot; وquot;الشهداء يعودون هذا الأسبوعquot; التي أخرجت مسرحية نالت نجاحا كبيرا.
وكانت أعماله حاضرة بقوة ليس في المشهد الروائي العربي فقط، بل في المشهد الثقافي السياسي العربي عموماً. وغالباً ما تثير آراؤه ردود أفعال متباينة، ومغالية أحياناً وخاصة في ما يتعلق بالوضع في بلاده، وموقفه من السلطة والجماعات الإسلامية.
ويصف عمي الطاهر نفسه بالعروبي، وهو من أشد المدافعين عن اللغة العربية والمؤمنين بوجود quot;قطب فرانكوفيليquot; (يتحدث الفرنسية ويدين بالولاء لفرنسا) أدام سيطرة فرنسا على الجزائر حسب قوله حتى بعد استقلالها. وقد أعلن عن مواقفه بلغة قوية خاصة ضد من يصفه بلوبي فرانكوفيلي استبد بالبلد حسب قوله وأوصله إلى أزمته التي كلفت الجزائر غاليا.
واتى الموت بغتة ليخطف منا وبدون رجعة الأديب، الأب الروحي للأدب العربي في الجزائر، في الوقت الذي عرفت فيه الجزائر قمة الصراع الإيديولوجي بين الكتاب المعربين والكتاب المفرنسين، والذي كان لهم quot;عمي الطاهرquot; بالمرصاد، حيث لم يسلم رحمه الله من الانتقادات اللاذعة التي ما فتئ هؤلاء يطلقونها عليه في كل مناسبة، إلا انه تمكن من مقاومتهم بفضل تجربته المتشعبة بالروح العربية والإسلامية، فبعد وفاته وانطفاء شمعة الأدب العربي في الجزائر وزعيمه الروحي - كما يصفه العديد من الكتاب والروائيين - ، فأي مستقبل للرواية العربية خصوصا والمشهد الثقافي في الجزائر عموما ، وهل سينجح الفرانكفونيون في ما فشلوا فيه عندما كان عمي الطاهر حيًا يرزق؟؟؟