كامل الشيرازي من الجزائر: لا تزال رائعة quot;نجمةquot; التي أبدعها الكاتب الجزائري الراحل quot;كاتب ياسينquot; (1929 ndash; 1989)، تلهم قرائها، وتحرك المساجلات بعد أكثر من نصف قرن عن صدور هذا العمل الفريد من نوعه.
في بادرة مميّزة، اعتنى النقاد الفرنسيون الثلاثة: quot;آن ايفون جوليانquot;، quot;كوليت كاملانquot;، quot;فرانسوا جان أوتييquot; رفقة عشرة المحللين الأدبيين الآخرين، بالغوص مجددا في أعماق العمل الشعري/الروائي/ المسرحي quot;نجمةquot; المكتوب سنة 1956، والمعبّر عن أصالة كينونة الجزائر وشموخ هويتها ورفضها الخنوع والانمحاء رغم كل الذي فعله المحتل الفرنسي القديم على مدار أزيد من قرن ونيف.
وفي كتاب quot;كاتب ياسين ونجومية العملquot; الصادر حديثا عن منشورات (لا ليكورن)، جاء أنّ نص نجمة شهاب ثاقب في تألق منذ أمد بعيد، بحكم تموقعها كوحدة متحركة مستمرة تستوقف من يرصد حيثيات وأبعاد تلك الوحدة المضيئة والنشطة في الوقت نفسه.
ويقرّ quot;شارل بونquot; المختص في الأدب الجزائري المعاصر، أنّ quot;نجمةquot; كعمل جداري غني من نوع أدبي متفرد، وضع النمط الروائي الأوروبي في حرج، لذا يدعو بون لاستنهاض بعد إبداعي نقدي متجدد انطلاقا من رائعة quot;كاتب ياسينquot; التي تطرق فيها الأخير إلى قصة شعب ومعاناته من خلال سيرة quot;نجمةquot; (زوليخة ابنة عمه).
وتشاطر quot;آن ايفون جوليانquot; الأستاذة بجامعة بوتيي الفرنسية، رأي بون، وتزيد على حكمه بتصورها أنّه من المناسب اقتراح تقديم قراءة أخرى لهذا العمل، عبر الاعتماد على أدوات نقدية متنوعة مثل (فن السرد والنقد الاجتماعي والشعرية العامة) وكذا الاهتمام بالطريقة التي انتهجها ياسين في كتاباته وأبان من خلالها عن قدرة استثنائية في التجديد الدائم.
كما يشير الدكتور quot;دنيس براهيميquot; إلى انطواء نجمة على جوانب معقدة، ما يصعّب مهمة الناقد للولوج إلى الشخصيات، في حين يرى الناقد quot;فرانسوا جان أوتييquot; أنّ نجمة تختزل في خطها العام، حراكا صارخا من التناقضات، معتبرا أنّ هذا العمل غني بجميع الصور المتدفقة من عنف الفن.
من جانبها، تلاحظ الباحثة quot;ميراي كال غروبرquot; أنّ نجمة quot;لغز كبيرquot; خصوصا حينما يكون صاحبها كاتب ياسين، وتتصور أنّ العمل يمثل صورة جزائر الأرض والوطن، فيما تلفت كل من الأستاذتين quot;نجاة خدةquot; وquot;كاترين برونquot; أنّ هذه الرواية المرجعية بمثابة نص نموذجي للرواية الواقعية التي تميل إلى المسرح.
ومن خلال استقراءات ومقارنات، يذهب quot;دومينيك كومبquot; الأستاذ بجامعة السوربون، إلى أنّ نجمة تؤشر على إعادة بروز التراجيديا، بينما تقدّر الناقدة quot;فرانسواز دوبورquot; أنّ quot;تراجيديا كاتب ياسينquot; انتصرت لعالم نسوي فرض وجوده وسط المنظومة الرجالية، محيلة على أنّ ياسين جسّد المرأة ككائن قوي واع، وهي صورة يفسرها quot;بن اعمر مدينquot; أستاذ تاريخ الفن وأحد مقرّبي الراحل، بأنّ كاتب ياسين يعتبر النساء بمثابة نبع ماء حار يتدفق منه الحنان.
وأوردت الناقدة quot;مارتين ماتيو جوبquot; أنّ نجمة تتضمن العلاقة الدياليكتية بين القدم والعصرنة، وهو ما تربطه الأستاذة quot;خديجة خلاديquot; بالعلاقة بين الخرافة والقصة في منظور المؤلف، ما ترك العمل جديدا دائما، موضحة أنّ كاتب ياسين لطالما اعتمد على الخرافات كمصادر لفعله الإبداعي.
وينقل مخضرمون عن الراحل ياسين قوله سنة 1967:quot;أعتقد فعلا أنني صاحب مؤلف واحد هو quot;نجمةquot; التي كانت في البداية منمنمة شعرية، وتحولت تدريجيا إلى رواية، وبعدها ارتسمت كنص مسرحي، إلاّ أنني أجزم أنّ العمل نفسه بقي على الدوام أنقاضا وورشةquot;.
وعلى الرغم من أنّ كاتب ياسين خلّف ورائه نتاجا غزيرا من الابداعات الأدبية، بيد أنّه ظلّ يعتبر نفسه quot;مؤلفا لكتاب واحدquot;، وهي نجمة التي يصفها جمهور النقاد بـquot;العمل الممتد والمستمرquot;.
ويشيد مختصون بكاتب ياسين الذي لا يزال حاضرا بقوة رغم رحيله قبل 21 عاما، وينوّه نقاد بالحس الإبداعي الرفيع لياسين الذي كان رجل مسرح وروائيا وشاعرا وصحافيا موهوبا، وقلمه السيّال الذي أبدع بحسه الوطني الجياش في التغني ببلاده ونقل معاناة مواطنيه على مدار ثلاث عشريات، من خلال أعمال عديدة أبرزها: quot;دائرة الطباشير القوقازيةquot; (1959) التي قام بتأليفها وتجسيدها على المسرح بفرنسا في أواخر خمسينيات القرن الماضي، المضلّع الكوكبي (1966)، ذو النعل المطاطي (1970) وغيرها، علما أنّ أعمال ياسين لم تكتشف بشكل كامل، ما يفرض مواصلة العمل وتعميق التفكير حول فكر الراحل، لا سيما وأنّ ثلث كتابات هذا المؤلف الكبير فقط كانت محل تحليل، وهو قليل قياسا بقيمة أحد أكبر الأسماء اللامعة في مجال الأدب المعاصر باللغة الفرنسية.