ألآن أجلس في صمتٍ وأرقبُهُ
ألآن ذاك الفتى
ندّاهةٌ هتفت
إليه، أطرقَ خوفاً، حينما صعَدَتْ
به الغيومُ بعيداً، وهي تمطرهُ
ألآن أذكرهُ
ملأى حقيبتُهُ
كراسةٌ وسؤالٌ، حيرةٌ، صخبُ
تردّدٌ، رؤيةٌ أولى، ومرتقبُ
ألآن أذكرهُ
لا يرتضي سفراً
إلاّ وحيداً، عنيداً، هائماً، وجلاً
من ناظريه لظىً تصّاعدُ الشهبُ
ألآن أذكرهُ
كانت تعاتبه
وكان يضحكُ، يهذي، وهو ينتحبُ
مجنونةٌ يدُهُ
يلملم الدمعَ رفقاً ملؤُهُ الغضبُ
خوفَ الزمانِ الذي في الأرضِ يسبقهُ
خوف الندى من خيال الروح ينسكبُ
ألآن أجلسُ في صمتٍ وأنتسبُ
أي البلادِ نمت في تربها النّوبُ
وأينعت شجراً مرّاً
ومقبرةً
وضنكةً يستحي من ضيقها العتبُ
أيّ البلاد خيال الوقتِ مسكنُها
وهي التي في رباها تولدُ الحقبُ
أيّ البلاد أنين الصخر منبعُها
حتى تساوى لديها النوحُ والطربُ
أي البلاد فراتٌ
نخلةً
ذهبُ
أي البلادِ - عصوراً - جوعُها نسبُ
ألآن أجلسُ وحدي
لا أرى شبحاً
على الطريقِ ولا إيماءةٌ تثبُ
خمسٌ وعشرون
لا أرضٌ، ولا قفصٌ
ولا فضاءٌ ولا بئرٌ ولا حطبُ
أطوي النهارَ على صدري مكابرةً
أخاف يهربُ مني المولعُ العتِبُ
وأفرشُ الجمر في ليل النوى سمراً
حتى يجفّ نبيدُ الصبرِ..
واللهبُ
في كل أرضٍ أقضّي شطر أزمنةٍ
كعابرٍ ليس لي من عيشها سببُ
خمسٌ وعشرون ميتٌ، موحشٌ
أرقٌ
خطاي يرسمها همٌّ ومضطربُ
خمس وعشرون، جسمي صار لي وطني
حدودُهُ اللهثُ والتجريحُ والتعبُ
لي فيه بيتٌ وساحاتٌ وذاكرةٌ
وموعدٌ وارتحالاتٌ ومنقلبُ
لي فيه متكأٌ خالٍ وأغنيةٌ
بعيدةٌ
وحضورٌ غائبٌ رحبُ..
خمس وعشرون لاجنيةٌ فتحت
أبوابها لغريبٍ زادُهُ السغبُ
أرى السنين
أرى قاماتِها قصرتْ
أرى الأماني
وقد جفّت بها السحبُ
كأنني وسواقي الأرض عامرةٌ لا أرتوي غير ما يندى به العطبُ
أرى المسافات أحلاماً
أطوف بها...
على المدائن حتى يتعبَ التعبُ
موزعٌ بين أمسٍ لست أدركهُ
وبين وعدٍ بعيدٍ دونه الحجبُ
ألآن أجلس
لاذاك الفتى اللّجبُ
ولا حقيبتُهُ ملأى
ولا القِرَبُ...
- آخر تحديث :
التعليقات