عبدالله السمطي من الرياض: لا تنهمك الفنانة التشكيلية السعودية اعتدال عطيوي في البحث عن مضمون ما أحادي للوحتها. إنها تنهمك في البحث عن دلالة لاستضافة الكائن لونيا. إذ يحيا الكائن عبر خليته أو تفتحه الدال في رؤية الفن له، في امتداده وانسيابه، في سجيته وتلقائيته دون أن يفكر في طريقة حضوره أمام المتلقي.
تنبثق دلالة اللوحة ndash; جماليا- لدى اعتدال عطيوي عبر التركيز على الكينونة الصغيرة للكائن. لوحاتها التجريدية مزيج من الحوار بين الجزئي، الصغير، المتناهي في الصغير حد النقطة والنواة والذرة، وبين الكلي في صيغته الإشارية والرمزية. اعتدال عطيوي تذهب في هذا السياق لتحدق فيما هو باطني أكثر لتشف به ndash; كمعادل موضوعي إليوتي- عما في مكنونات الروح، وخبايا النفس. في ظل هذا التجريد تنتج اعتدال عطيوي كثافة لوحتها. من هنا تجيء اللوحة بوصفها صيغة للباطن، للغياب الظاهر في الوعي، الغياب الذي يتجلى في أفق لوني كأنه أبجديته أو حروفه المتشابكة المتعانقة التي تنتج لغة لونية خلال لغة بتعبير بول فاليري الشعري.
إن قسمات لوحة الفنانة هنا تحيل إلى الوعي. كي نفهم أو نشعر بلوحتها علينا أن نتأمل في سؤال الوعي. ومن هنا سيروق لنا أن نلتحم بهذه الجزئيات البمتداخلة بشكل فيه من النمنمة والتوشية والبسط والطي والرقش والنقش ما يمكن لسياق أن يتشكل، ومن مهاد دلالي أن يرى، ومن فكرة أن تطل.
ولذا حين نبصر على غرة لوحة ما لاعتدال عطيوي في تجربتها التشكيلية الأخيرة قد نشيح بأذواقنا قليلا كمشاهدين لأول مرة، قد نفترض أسئلة أولية ما : عن هذه الدوائر الصغرى، عن هذه الأشكال النووية، أو عن هذه النقاط الصغيرة والخطوط المستقيمة أو المتعرجة المتداخلة، عن هذا البساط اللوني البسيط الذي تأتلف أو لا تأتلف فيه هذه الأشكال؟
قد نسائل لوحة اعتدال عطيوي على أرض التجريد؟ واللادلالة؟ وهل الوعي التجريدي أو اللا- دلالي لا يعطي يقينا فنيا؟
إن دهشات لوحة العطيوي تنبثق من هذه الأرضية. إنها أعمال ليست سهلة بالضرورة، ولا تجري في مجال البساطة قدر ما تجري في نطاق الخيال أوليا كان أم ثانويا ndash; بتعبير صامويل تيلور كولريدج- أو حتى شاطحا بالتعبير الصوفي أو مشطوفا ومختزلا بتعبير أرباب فن النحت.
ستكون القراءة المثلى للوحات اعتدال العطيوي أنها تعبر عن الباطن، عن جوانية الأشياء ومكنونات الكائن، ستكون النظرة هنا نظرة ملتبسة غامضة عميقة معا، ولا ندري هنا في هذه اللحظة أيهما نتاج الآخر: العمق نتاج الغموض أم الغموض نتاج العمق. وهنا يكون مكمن الإجابة أو مكمن السؤال.
في لوحة لها نجد أن الإنسان ينبثق عن خلية. في دائرة سوداء. كأنه ابن اللحظة المعتمة أو ابن الوجود الآخر الساكن في عدم ما تنيره لحظة انبثاق أو لحظة انفجار. الإنسان محاط بمئات الخلايا، أو بمئات الكائنات. وانبثاقه هو وليد للدهشة. تأتي اللوحة على شكل عمل لوني كثيف الخلايا أو خلايا كثيفة اللون. وفي لوحة أخرى تنشطر الخلية بحثا عن كينونتها بالأبيض والأسود. وفي لوحة ثالثة نحن حيال هارمونية الخلية وشكلها اللولبي الذي يعانق لحظة الوجود كأنها جرم صغير متفجر متماسك معا، ويشكل السواد جزءا أصيرا من لوحة اعتدال عطيوي، كأنه يشير إلى العتمة التي كانت عليها الخلية أو كان عليها الكائن قبل انبثاقه وتوهجه.
اعتدال عطيوي تأخذنا إلى فضاء لوحتها لنقرأ فضاء آخر، يعيد الكلي إلى جزئه، ويعيد الكائن إلى لونه ليكتشف انبثاقه الحقيقي هناك.. خلف الدلالة والرمز، وخلف جوانية الأشياء وصبوة الكائن للانعتاق في لحظة المكاشفة.