لقد بدأت السينما العربية بمصر منذ زمن بعيد، وكانت انطلاقتها ممتازة، بتوفر عناصر حسب مواصفات ذلك الوقت، وقد استمرت بلا انقطاع رفقة انجازات مهمة محلية اغلبها، وقد مرّت عليها مراحل عانت فيها من الترهل والضعف والتردي، إذ أنها لم تنجح ولو لمرة واحدة في أن تفرض نفسها عالميا.. صحيح أن ممثلا مصريا مثل الفنان عمر الشريف كان قد وصل درجة العالمية، ولكن ليس من خلال المنتج الفني المصري،بل من خلال إبداعاته العالمية لقصص غير مصرية. وهو نفسه قد تراجع اليوم ليعود ممثلا محليا.. وصحيح أن مؤلفا روائيا مبدعا، مثل نجيب محفوظ قد حصل على جائزة نوبل، ولكن لم يصلها من خلال السينما العربية التي مثّلت أمهات أعماله، بل من خلال الرواية بعد ترجماتها إلى الانكليزية.. إن السينما العربية كلها تعاني اليوم من الضعف والتأخر، مثلما تعاني كل الإبداعات العربية من ضعف وهزال، بل وتصل بعض الأفلام إلى درجة الإسفاف!
دعونا نتساءل عن أسباب هذا التردي، وإخفاقات هذا الفن السابع للوصول إلى درجة العالمية بأي فلم من الأفلام التي باستطاعتها أن تدير اهتمام الناس في أرجاء الأرض.. ربما كانت هناك روايات عربية ممتازة، ولكنها عموما غير منفتحة على المناخ العالمي، ولم تعرف كيف يكون باستطاعتها توظيف الإبداع العربي في أن يشارك على قدم المساواة الآخرين في معالجة قضايا تعاني منها الشعوب كلها. لقد بقيت الاهتمامات مختزلة نفسها في شباك تذاكر يتدافع الشباب عليه عربيا ليعيش تفاهة هزلية، أو مشاهد خليعة، أو تمثيلية يقال عنها رومانسية، أو فيلما ومسلسلا تافها.. لقد أساء المخرجون العرب القدماء والجدد في دغدغة مشاعر الشباب المكبوتة بصور ومواضع وأغاني لا تمت بصلة إلى الفن السابع! وغدا هذا الفن ينتجه أناس لا تهمهم إلا جيوبهم! وأصبح كل من هب ودب يكتب ويمثّل ويخرج وينتج على هواه من دون أي دراسة، أو تجربة، أو أية اعتبارات وخبرات.. كان من المؤمل أن يكون الفن السابع واحدا من أهم الوسائل العربية للتعبير عن قضايا وطنية وإنسانية، وعن مآس اجتماعية ومعيشية.. بدل كل هذا الذي أنتج منذ خمسين سنة! ولعل دخول التلفزيون، منافسا للسينما في الحياة العربية قد اثر تأثيرا سيئا على الفن السابع، ووقف بالضد منه منافسا على المستوى المحلي الذي ليس من مهامه إلا المحافظة على الانغلاق! نعم، لقد كان التلفزيون سببا في الضعف الذي حاق بالسينما ودورها، وخصوصا عندما غزت المسلسلات التلفزيونية كل البيوت، وغدت لها تقاليدها، عندما يمر شهر رمضان في كل سنة.. تكون المسلسلات عديدة وحافلة، بعد أن اخذ إعدادها زمنا طويلا، وتفّرغ لها الممثلون والكوادر الفنية.. ناهيكم عمّا ينفق ماليا عليها..
إن الفن السابع الذي قدم عربيا بعض الروائع السينمائية المعبرة عن واقع، أو المترجمة لتاريخ، أو الحافلة بالتكنيك الخصب، غدا اليوم فنا ضعيفا جدا بمادته الروائية، او بإخراجه الفني أو بعناصره التمثيلية، أو بمستلزمات الإنتاج الناجح.. انه لا يمكن أن ينقذ بسهولة بعد كل هذا الهجين الذي طفا على سطحه.. فهو بحاجة إلى ثورة فنية يقودها فنانون حقيقيون.. فضلا عن توفير مناخ غير مكبل بالقيود والتقاليد البالية.. إن أي تفكير بالتغيير من اجل تطوير الفن السابع، أو بقية الفنون الأخرى التي تعاني هي الأخرى من انحدارات كبيرة.. ينبغي أن يجد مجتمعاتنا، وقد انفتحت على مصراعيها نحو تجارب العالم.. ينبغي أن يتبلور مناخ جديد، وفضاء جديد، وتفكير جديد في الحياة العربية.. تتوفر فيه الحريات والمعرفة، ويتمتع فيها الإنسان بشخصيته وإرادته ويعمل في إطار حر مبتعدا عن كل ما يكبل مجتمعه وتفكيره وإبداعه.. فهل سيحصل ذلك؟ إنني اشك في ذلك!
www.sayyaraljamil.com