محمد الحمامصي: شكلت أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها 24 مصريا وأصيب فيها العشرات بعضهم لا يزال يعالج في حالة حرجة، صدمة مروعة أدمت قلوب المصريين أقباطا ومسلمين، وشهدت القاهرة خاصة حالة من الحزن والألم والفزع والخوف من تصاعد الأمور، وامتنع الآباء والأمهات في الأيام التالية عن اصطحاب أبنائهم للمدارس وأغلقت الكثير من المحال، فهذه هي المرة الأولى التي يتصادم فيها المصريون مع قوات الجيش المصري، حيث التزمت هذه القوات بعدم التعرض للمتظاهرين والمعتصمين والمضربين المطالبين بحقوقهم المشروعة منذ تنحي الرئيس السابق، على الرغم من الاعتصامات والإضرابات والمليونيات التي هتفت بسقوط المجلس العسكري واتهمته بالتآمر على الثورة وأهدافها ومطالبها، ونددت بما يسوق إليه مصر من انفلات أمني وعدم استقرار وانهيار اقتصادي، لكن خلال كل هذه الشهور لم يحدث أن تصادم أو رفع سلاحه في وجه متهميه.
الجميع في مصر يعلمون أن للأقباط حقوقا تمت المماطلة فيها كثيرا على مدار عقود، وأن هذه الحقوق كانت جزءا لا يتجزأ من مطالب ثورة 25 يناير، لكن استمرار المماطلة في ظل مناخ مشتعل أدى إلى ما حدث، وتكبدت مصر خسارة فادحة بفقد 24 من أبنائها.
كيف يرى مثقفون مصريون ما جرى والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه، هذا هو محور تحقيقنا وسطورنا التالية.

حديث المؤامرة
يقول الكاتب والمحلل السياسي في جريدة الأهرام محمد الشاذلي: أميل هذه المرة إلى حديث المؤامرة وهو حديث دائما ينقصه الدليل الدامغ، ولكن قراءة الأحداث أحيانا تصلح دليلا ويبدو أننا كنا نعاني في ظل النظام السابق من نقص المعلومات وضحالة تدفق الأخبار والآن نحن نعاني من عكس ذلك، ولأننا نريد المعاناة دائما فإننا نعاني الآن من غياب التحليل الدقيق، وانعدام القراءة الصحيحة وعدم الكفاءة في ربط الأخبار والمعلومات ببعضها، لنتوصل إلى نتيجة قريبة من الصحة. وإذا ما اعتبرنا المؤامرة خارجية فهي صريحة وواضحة لأنني في حدود المعلومات المتاحة وقد تكون خاطئة لم تقدم أي دولة أوروبية أو أمريكية معونة لمصر لمواجهة تداعيات ما بعد الثورة، وكأنها تعاقب مصر على ثورتها، وربما يكون الموقف من إسرائيل الموقف، الثوري في مصر هو الدافع. وربما لا يريد الكثير من المسيحيين إتمام انتخابات لن يحصلوا للأسف فيها علي مقعد واحد والتصعيد الطائفي في تصور هؤلاء يؤدي إلي تعطيل هذه الانتخابات التي تقول كل المؤشرات إنها ستصل بالإخوان المسلمين إلى صدارة الحكم في البلاد. ربما أيضا إذا ما كان إصرار على الانتخابات أن يحققوا مكاسب على الأرض مثل قانون دور العبادة، الذي سيسري على دور العبادة الإسلامية والمسيحية معا وما سينص عليه من امتيازات للمساجد ستطال الكنائس وما ستحرم منه المساجد الكنائس محرومة منه عرفيا ومن دون قانون. ربما يرى بعض المسيحيين أن التصعيد يؤدي إلى كوتة في البرلمان أو المناصب أو إلى تدخل غربي لحمايتهم وقد يراها مسيحيون آخرون أوهاما ولكن البعض يراها حتمية تاريخية. كل هذه الهلوسات تبحث عن مؤلف لصنع مؤامرة من الداخل وبدعم الخارج الهلامي الذي قد يكون الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية.
ويضيف الشاذلي : لكن لا بد أن احترم من يرفض حديث المؤامرة رغم أنها موجودة وقرأت في كتاب اسطنبول المدينة والذكريات لأورهان باموق أن تفجير المنزل الذي ولد فيه أتاتورك في مدينة سالونيك اليونانية تم بتخطيط المخابرات التركية لتجرى بعده وعلى مدار يومين، كاملين في مدن تركية عدة عمليات واسعة ضد اليونانيين وممتلكاتهم، ذلك كان في الخمسينات ولكن المؤامرة فعل تاريخي تقوم به مخابرات الدول والأفراد قديما ولا تزال ويصنعه التحريض الذي قد يأتي من فضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي او صحف وغيرها من وسائل النشر وتكون التغذية والإمداد من جهات غير معروفة.


المصريون ليسوا أنبياء
ويؤكد الشاذلي : مرة أخرى احترم من رفض حديث المؤامرة وأؤيد من يقول لو كانت هناك مؤامرة لماذا لا نفوّتها على أصحابها بالتصرف السليم والصحيح في التوقيت الدقيق والحاسم. كنا نغضب كثيرا في عهد النظام السابق من وسائل الإعلام الغربية التي تصور أكوام القمامة في القاهرة وكأنهم صنعوها ليصوروها بينما إزالتها هو التصرف الأفضل. والآن لماذا لا نتفادى المؤامرة ولماذا نقع في الشرك؟ القضية أن حكام مصر في الفترة الانتقالية يعملون تحت ضغوط هائلة ويمارسون رياضة مفضلة في الجيش وهي شد الحبل والمشكلة أن أي حبل له طرفان ولكن في الحالة المصرية له عشرة أطراف، وبالتالي لن تجد بسهولة منتصراً ومهزوماً، ولكن ستجد كل طرف معنياً بالفوز على حساب كل الأطراف الأخرى والحكام الحاليون يحاولون التوازن في هذه الحالة الرهيبة من الشد والجذب.. لا يريدون أن يروا أنفسهم في معركة جمل جديدة أو قتل متظاهرين ويشعرون بأن عليهم مسؤولية تاريخية لتسليم السلطة إلى إدارة مدنية ولكن الحصيلة متواضعة والخبرة ضحلة والتصرف محدود والمصريون ليسوا أنبياء إنما سيطر على أغلبهم لعنة الحصول الآن على كل شيء لأنهم بعد ذلك لن يحصلوا على شيء أبدا. لا أعرف من الذي قال إن المصريين يصرون على حلب بقرة جف ضرعها ولكن حتى ذلك لا يقنع أحدا بالتوقف إلى حين تصطلح الأحوال. القضية ليست سهلة بطبيعة الحال خصوصا بعد أن رأيت احتقانا حقيقيا وجماعيا من مسيحيين ومسلمين ربما لغياب حقيقة السبب وراء الأحداث الأخيرة وتضارب الأقوال والحديث الكنسي عن مندسين ما يعني شعور الكنيسة بالمسوؤلية ولكنها أزاحتها خجلا على قلة مندسة ولا أرى في ذلك عيبا ربما استشعار المسؤولية ولو بين السطور أفضل بكثير من المكابرة أو التبجح.
ويرى الشاذلي أنه ليست هناك حلول جاهزة وحتى الاعتراف بحديث المؤامرة المريح، ولكن أظن أن صدور مرسوم بقانون دور العبادة بعد نقاش مشترك في بيت العائلة الذي يتبناه الأزهر أمر لا يصح أن ينتظر انعقاد مجلس الشعب في يناير إذا انعقد. ولا أرى صوابا في مناقشة مشاكل الأقباط جملة واحدة لأنها وسيلة ضارة بكل الأطراف، إنما لو بحثنا في كل الأزمات ما بعد الثورة سنجد أنها مركزة على بناء أو إصلاح كنائس وتغيير الديانة عند بعض الكنائس يحلها قانون دور العبادة أما تغيير الديانة فيحلها التسامح الذي يمكن أن يقع بعد قانون دور العبادة.

الأحد الدامي
يبدو أن المجلس العسكري الحاكم في مصر للفترة الانتقالية، يستكثر على شعبه أن يصنع التاريخ، ويتناسى كل يوم أنه ظل مقموعا طيلة عقود حكم الرئيس مبارك المخلوع، وأنه مثلما حمى ثورة 25 يناير في مهدها، استمد منها أيضا شرعيته واستعادها بقوة الشعب.
في يوم الأحد الدامي الذي تظاهر فيه مواطنون أقباط مصريون، يطالبون بحقوقهم المشروعة في وطنهم، وبرفع الظلم والتعسف والتمييز الذي طوق أعناقهم على مدى سنين طويلة، تخلى المجلس العسكري الموقر عن نظرية الحمل الوديع التي يبدل كل يوم في مسوحها وظلالها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وبدلا من أن يحتوي المجلس الموقر لهيب الغضب المشروع، تحول إلى مصدر لصناعة العنف والتخويف والفوضى، لتصبح التظاهرة السلمية مسرحا للقتل والبطش والفتك، في مشهد لا يزال يروع المصريين، ويقض مضاجعهم، مشهد سيبقى في ذاكرة الوطن شاهدا على دماء ضحايا أبرياء، طالبوا بالعدل والحق، في ظل ثورة رفعت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
أخطر ما في هذا المشهد برأيي، ليس فقدان الثقة في نيات المجلس العسكري وتسليمه السلطة للشعب، وإنما المشهد برمته، كان بمثابة بروفة لحرب أهلية، تنذر البلاد بالخطر الجسيم.
لقد كان بوسع المجلس العسكري أن يئد الفتنة في مهدها، ويحوّل خطيب الجامع الذي حرّض المسلمين على هدم مبنى يستخدم ككنيسة في قرية quot;ما رنابquot; في اقصى صعيد مصر، إلى المحاكمة، ويزج به في السجن، بتهمة إشعال الفتنة والتمييز بين المواطنين، لكنه لم يفعل، ما شجع المسؤولين على التراخي في معالجة المشكلة بحسم، واتباع سياسة الترقيع والتسكين، وأنصاف الحقائق والحلول التي أصبحت عنوانا لافتا لسياسة المجلس في إدارة البلاد.
لقد كان بوسع المجلس ان يقدم حلولا جذرية لمشكلة الفتنة الطائفية منذ أحداث كنيسة quot; إطفحيح quot;، ويفعّل قانون دور العبادة الموحّد، والذي ظل قابعا في الأدراج طيلة نحو 40 عاما. لأنه أيضا لا يريد حلولا جذرية للمشاكل، حتى يظل قابعا في ظلالها، يتبادل الأدوار مع قوى سياسية، حولت الثورة إلى متجر، وكل يوم ترصد على بابه حسابات الربح والخسارة،بحسب مصالحها الخاصة.

دور أمن الدولة
ويضع الروائي ولواء الشرطة السابق حمدي البطران رؤية متميزة حول الأحداث يجمع فيها بين اللحظة الراهنة والماضي، يقول: لا شك أن الأمر لم يكن يستدعي كل هذا، فالتعبير عن الرأي في المرحلة الجديدة : اعتصام، اضراب، قطع طرق، ولو أن هذا الإجراء الأخير يجب ألا يمر دون عقاب، لأجل هذا نجح المتهورون والمندسون بين صفوف أصحاب القضية في الإساءة إلى وسيلة التعبير عن الرأي.
ويضيف: قضية الأقباط معروفة ومزمنة ومتقرّحة، وتحتاج إلى شجاعة نادرة لحلها، وهو ما شعرنا به بعد قيام ثورة 25 يناير، فقد أصبحت كل القضايا المزمنة في طريقها إلى الحل، ولعل أشهر الأزمات والقضايا المشابهة هي قضية العدالة الاجتماعية وقضية المهمشين وقضية الفساد وقضية الحد الأدنى للأجور وقضية التعبير عن الرأي، وكلها قضايا تطوع المجلس العسكري وقدم لها الحلول، صحيح أنها حلول جزئية ولكنها بداية.
وقضية الأقباط في العصر السابق كانت من اختصاص الأمن وكانيحململفهاوزير الداخلية وينوب عنه جهاز أمن الدولة، وللحق فقد نجح جهاز مباحث أمن الدولة على مدى عشرين عامافي عزل الأقباط عن إخوانهم المسلمين، كانت تحدث مشاجرة بين مسلم وقبطي ويُقاد القبطي إلى قسم الشرطة وهناك يتدخل السياسيون ويتم الصلح وكان القبطييذهب إلى بيته، ويذهب المسلم إلى أمن الدولة وهناك يتم تهذيبه وتعليمه. كان هذا يحدث في السابق.
ويرى البطران : هكذا حدثت الفجوة الهائلة بين المسلمين والأقباط بسبب أمن الدولة، والغريب أن جهازأمن الدولة كان يتغاضى عن تدخل الأهالي للحيلولة دون تشييد أي بناء يخص المجتمع القبطي. وعندها تقوم أمن الدولة باستدعاء قيادات الأقباط وفي نفس الوقت توعز إلى بعض الشباب من الأهالي لمهاجمة المبنى ومحاولة هدمه كوسيلة للضغط على قيادات الأقباط لتصوير الأمر أمامهم أن الشعب هو الذي يرفض إنشاء المباني الاجتماعية.
استمر هذا الأمر مدة طويلة، ووجد فيه بعض ضعاف النفوس وسيلة للتقرب من أمن الدولة من ناحية والتنفيس عن الكبت الداخلي من ناحية أخرى.. إلى أن أصبح الأمر عقيدة، ولا يمكن اقناع الأهالي والمجاورات الملاصقة لتلك المباني بأن الأمر عادي إلا من خلال ثلاثة محاور رئيسية:
أولا أن يتم إقناع خطباء المساجد بخطورة هذا الأمر، وخطورة اندفاع الأهالي وأن يتم التركيز على ذلك.
ثانيا: تهدئة الخطاب الانفعالي لبعض الأحزاب الدينية والتيارات الدينية الجديدة التي ظهرت على السطح مؤخرا.
ثالثا: وهذا هو الأهم نقل ملف التعامل مع القضايا القبطية من الأمن إلى رئاسة الوزراء أو لجنة تكون من وزير الخارجية ووزير الأوقاف والحكم المحلي والمحافظ المختص.

مؤامرة بكل المقاييس
ويؤكد الشاعر والناقد أحمد فضل شبلول أن ما حدث مؤامرة بكل المقاييس، ويقول : الدليل أن الإخوة المسيحيين كانوا يقودون تظاهرة سلمية كما قيل، ثم فجأة حدث إطلاق رصاص من عناصر دخيلة أو مندسة، وكما قيل أيضا أن الجنود لم يكونوا مسلحين، وأنا اعتقد أن هناك من له مصلحة في عدم استقرار البلد وجرها إلى الفوضى والخراب، ويجب على الشعب المصري تفويت هذه الفرصة وعدم استخدام بعضهم أداة لتطبيق اجندات معينة، والا سنجر إلى حروب يومية واغتيالات مستمرة كما يحدث في العراق وافغانستان. وقد سمعت أحد المراسلين في التلفزيون يذكر ان أهالي بولاق شاهدوا أشخاصا يقودون التظاهرات من سياراتهم الخاصة، فقام الأهالي بحرق هذه السيارات وكان ينبغي القبض على هؤلاء لنعرف لصالح من يعملون؟ انا لا أستبعد أبدا أن أتباع العادلي يخططون وينفذون وأن اتباع مبارك واتباع رجال الأعمال الكبار الذين أضيروا من الثورة ما زالوا يتحركون ويدفعون لإحداث الذعر والفوضى والبلبلة والخوف في الشارع المصري. كما لا استبعد دولا بعينها تخطط لذلك، وتمول وتهندس، فكلما مر يوم بسلام على مصر فإذا باليوم التالي نجد احداثا واحتجاجات وتظاهرات. مرة في ملعب كرة قدم ومرة في الميادين العامة ومرة امام ماسبيرو، ومرة امام كنيسة، وخاصة كلما حدث تقدم ما باتجاه الانتخابات والديمقراطية والحرية المنشودة. وأرى أيضا أنه ليس هذا وقت المطالب الفئوية للمعلمين والأطباء وغيرهم، فلنطلب هذا بعد استقرار البلد والانتهاء من الانتخابات وإرساء الدستور الجديد. وكفاية جدا ما يحدث من خراب اقتصادي يومي. وكفاية للتظاهرات وكفاية للاحتجاجات والاعتصامات، وكفاية نبرة الخطاب الحادة التي يتحدث بها بعض الكتاب والإعلاميين في برامج التوك شو والتسخين والتصعيد غير المبررين، وليعمل الجميع من اجل انتشال البلد مما هو فيه والا لن يقوم له قائمة وهذا ما يتمناه كثيرون في الداخل والخارج. وكان الله في عون المجلس العسكري وحكومة د. عصام شرف.

الأحداث ترتبط بما سبقها
ويقول الشاعر والكاتب حمدي عابدين: لا يمكن فصل أحداث ماسبيرو وكل ما سبقها بالطبع من أحداث مشابهة أو ترتبط بها عن سياقها العام والذي يمتد بحبل سري في استراتيجية الذراع الأمنية التي أوكل لها مهمة تسيير كل شئ، تمهيدا لتوريث مصر، هنا فقط على ما أعتقد يمكن البحث عن قراءة موضوعية لتلك الخيبات التي يصاب بها الوطن وتلحق بأحلام وطموحات الثورة الكثير من الذبول.
الطريق إذن بدأ بنظام انتهازي استفاد من سابقه كان قد قتل رأسه بذراع اسلامية، نظام مقتنع أن حكم الفرد هو الأمثل لبلادنا، وأن اليد الحديدية هي الوحيدة القادرة على تسيير الامور فيها، وأن الجهل هو البساط الذي يجب أن يمشي عليه أهلها، الذين يتم إفسادهم سياسيا وأخلاقيا وتدمير كل قيمهم التي ورثوها على مر السنين، والتي في القلب منها روح التجاور بين الناس في أي منطقة واي بيئة مهما كانت طبيعتها، دعك من ديانة المتجاورين أو مناصبهم أو الطبقات التي ينتمون إليها، هذا التجاور المبني على التنوع والاختلاف كان ينظر اليه على أنه يخلق نوعا من الثراء والغنى للمشهد الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي المصري، قبل الثورة الناصرية التي حلمت كثيرا لمصر لكن لم يتح لها، بسبب ما تعرضت له من مؤامرات أن تنجز طموحاتها، فأصيبت بالكثير من الخيبات والمخيبات أحداثا ورجالا.
المهم أن النظام المباركي اقتنع والحال هكذا بضرورة تأمين نفسه، ورأى أن أمانه في القوة الغاشمة، وضمان المستقبل عن طريق تسليم السلطة لأحد أبنائه، حتى لا يفقد مكتسباته مثل سابقيه، مع نفي تهميش وإلغاء كل القى الحية في المجتمع، على اختلاف رؤاها السياسية وطبقاتها وثقافاتها ودياناتها، فضلا عن استخدامهم بلا ضميرquot; اساسه أن لا قيمة لهم ولا ينظر اليهم على انهم بشر آدميون لحياتهم وأرواحهم حرمةquot; للوصول الى ما يصبو إليه من أهداف سابقة، وقد كان من بين هذه القوى، أقباط مصر الذين تعرضوا على مدى سنوات طويلة لنوع من التمييز لا مبرر له ولا أساس، كما استخدمهم النظام عبر جهازه الأمني المريض في ارسال أنذارات إلى الضامن والحامي الأوروبي والأميركي أنهم سوف يتعرضون للإبادة في حال قفز على السلطة أي طرف غير مقتنع بشراكتهم في البلاد وحقهم فيه بوصفهم مواطنين. هذا الموقف الانتهازي الفاسد جعل أقباط مصر مادة للقتل والتنكيل مثلهم في ذلك مثل باقي المصريين، لكن هذا السلوك تجاههم كان له بسبب كونهم مسيحيينأتاح لهم النظام فرصه للظهور التعبير عن نفسهم ليستخدمهم بعد ذلك ضمن مخططه الجهنمي الشيطاني في الوصول لمآربه، عبر سلسلة لا يمكن فصلها عن بعضها يفضي كل واحد منها إلى الآخر، فشعب جاهل مقهور، أفراده واقعون تحت معول الإفساد المنظم لا يتلقون أي نوع من الثقافة الحقيقية حين يتعرضون لمثل هذا الخطاب الديني العنصري الذي يرى أن المسحيين كفارا، هؤلاء الأفراد يمكن استخدامهم بسهولة في انجاز العمليات القذرة التي يخطط لها النظام لتوصيل رسائله بأن هؤلاء سوف يتم اضطهادهم لو انه ترك السلطة.
علاقة ما قلته بأحداث ماسبيرو تبدأ بمسؤولين يميلون دائما للكذب والنفي للتعامل مع المشكلات، تهوينا من اطرافها وانسانيتهم خاصة لو كان أطرافها مضطهدون على مدى اربعين عاما، فلا ضير إذن من امتداد ذلك عددا آخر من السنوات، هذا النوع من المسؤولين تربوا في أحضان النظام السابق ويرون ما كان يراه، مدعوما بأمراضه وانتهازيته وغبائه السياسي والإنساني. ولا تنتهي أبدا بأفراد مجتمع شربوا عبر قنواته الدينية التي استخدمها بوصفها عنصراًً من عناصر خطته في الشحن الديني والعنصري ضد الأقباط النظرة نفسها في النفي والتكفير وإنكار الحق في الاعتقاد والتفكير والاختلاف، وهؤلاء يأتي منهم طبعا أفراد الجيش والشرطة والوزراء والقادة الذين شربوا النظرة نفسها النافية لحق الغير في التمتع بوجود وماهية وإنسانية مصونة. كل هذا لو لم يكن هناك وعي في التعامل معه سوف يؤدي بالتأكيد خاصة مع تغذية الواقع بروح انتهازية مقيتة إلى إشعال الكثير من الحرائق الصغيرة والكبيرة التي سوف تهدد ليس فقط مكتسبات الثورة أو تعوق انجاز ما يطمح اليه صناعها، لكنه سوف يؤدي إلى تفتيت مجتمع بالكامل كان قائما في ما سبق على روح التسامح واحترام الاختلاف. وهو ما تم نفيه تماما خلال حكم العسكر الذين لا يرون وجودا آخر غير وجودهم قادرا على العمل والحكم وإرسال الأوامر الحاملة للحقيقة المطلقة. من هنا لا بد من الانتباه إلى حقيقة ما يدور وخطورة ما يمكن أن يؤدي له التعامل الأمني مع قضية حقوق كل المصريين مسلميه ومسيحييه، فهذا السعي الذي يستمر المجلس العسكري فيه من حبس وتقتيل وعقد صفقات في سبيل الاستيلاء على الحكم لن يفضي بنا سوى إلى كارثة محققه لن يتسامح التاريخ فيها مع اطماع وفشل وقصر نظر ما كان يجب أن يكون لو أن هؤلاء تحلوا بروح ثورة 25 يناير وأحلام وطموحات شهدائها وجرحاها في الكرامة والعدالة والحرية. ولا عزاء للعسكر في ذلك.

راسمين صليب وهلال
المترجم وشاعر العامية عبد الوهاب الشيخ جاء رده شعرا:
موعودة بالشهدا
موعودة بالمجاريح
ما حصلش مرة كده
وجت معاكي الريح
يا مصر يا حبلة
من ميت سنة عدت
عدلوكي ع القبلة
وكفوفهم اتمدت
لما العضا بانت
للجاي والرايح
ولا شدة يوم هانت
ولا الفرج لايح
لسه اليهود ع الحدود
وجرحنا منا
العسكر المرصود
باعتنَّا ع الجنة
راسمين صليب وهلال
ع الأرض لون الدم
يا صرخة الأبطال
ولا حد بيها اهتم
ولا حد قال يا كفا
ولا حد قال منّا
وازاي تشوفي الشفا
والجرح مآلمْنَا
مرات ورا مرات
وانت بتتشاهدي
عتبك علي اللي مات
خلِّي الحساب عندي
تسليم الحكم للمدنيين
وعلى موقعه الرسمي علق الفنان خالد الصاوي على الأحداث قائلا quot;لو كنا تشددنا عقب خلع مبارك في تسليم الحكم للمدنيين، وتصفية قوة وثروة الطبقة الحاكمة الفاسدة، وسرعة القصاص للشهداء، ومحاسبة جميع رموز النظام القديم مع تطهير كافة المواقع منهم، ووأد الفتنة في مهدها بحزم، واستمعنا بعمق لشكاوى ومطالب جميع الفئات والقطاعات المظلومة... لما وصلنا لهذا الوضع الخطير! رجال مبارك الان اخطر من مبارك القديم، اما سيقودوننا لفوضى عارمة او لحرب أهلية او لنظام اكثر قمعا واستغلالا وإفقارا ورجعية، المجد للشهداء، الحرية لمصر الثورة، والموت لأعداء الحرية quot;