عبد الجبار العتابي من بغداد:في 24 / 12 / 1969 صدر العدد الاول من المجلة الخاصة بالاطفال (مجلتي)، لكنها الان ذبلت وتيبست اوراقها ولم يعد الاطفال على صلة بها، فقد توقفت عن الصدور، فيما اضحت (دار ثقافة الاطفال) التي تصدرها وغيرها من مطبوعات الاطفال عاجزة عن فعل شيء يعيد للدار رونقها ويمنح (مجلتي) مع شقيقاتها (المزمار) عمرا اطول وحياة تزهو بين يدي الاطفال.
ومن هنا.. اطلق الكاتب العراقي المعروف عبد الرزاق المطلبي صرخة حزن مؤثرة من اجل (دار ثقافة الاطفال)، التي قال انها تحتضر الان.. وهي في طريقها الى التلاشي تماما، وجاءت صرخته تعبيرا عن الاهمال والعجز الذي اصاب الدار التي لم يعد لها وجود الا بالاسم فقط، فيما هي لم تعد قادرة على طبع عدد واحد من مجلتها الشهيرة (مجلتي) التي صدر العدد الأول منها في 24/12/1969، داعيا الى الانتباه اليها، مؤكدا: ان الدار هي الخط الاساسي للثقافة المكتوبة.
والمطلبي هو احد ابرز كتاب الدار ومن مؤسسي مجلة (مجلتي)، كما انه شغل منصب مدير النشر فيها قبل ان يحال على التقاعد عام 2006، كما انه أحد كتاب القصةى والرواية في العراق.
* كيف ترى واقع حال دار ثقافة الاطفال؟
- على الرغم من كل الفعاليات والانشطة المتعددة التي تقوم بها دار ثقافة الاطفال واقامة المهرجانات والندوات والحلقات الدراسية الا اننا نحن المعنيين بثقافة الاطفال والذين نعد من مؤسسي هذه الدار والذين اعطيناها من اعمارنا اكثر من 40 سنة، نرى ان هذا الاهتمام شكلي، لايصب في اعطاء الدار القدرة على المواصلة والتطور، دار ثقافة الاطفال منذ عام 2003 والى الان في حال يرثى لها لانها المؤسسة الوحيدة في الدولة العراقية التي تعمل بدون اعتماد مالي، لم يعنى احد في الدولة من اصغر مسؤوليها الى اكبر المسؤولين فيها بالنظر الى حال دار ثقافة الاطفال، لقد استنفذت كل ابواب الوقوف امام بعض الوزارات للحصول على بعض الاموال حتى يستطيعوا طبع هذا الكتاب او ذاك او على طبع عدد من مجلة (مجلتي) او طبع عدد من (المزمار).
* هل تعني ان الدار لم تعد تطبع مجلتي ولا المزمار؟
- نعم.. الان انتهت الامور الى ان اعداد مجلة (مجلتي) و (المزمار) المعدة والجاهزة للطبع يتراكم عليها الغبار، لان.. لا قدرة مالية ولا اعتماد مالي لدى الدار من اجل طبع هذه الاعداد.
* هل سبق ان مرت الدار بمثل هذه الحال عبر اكثر من 40 عاما على تأسيسها وصدور المجلة؟
- على الرغم من قسوة الحصار الاقتصادي في عقد التسعينيات، والذي اثر على حجم المطبوعات وعلى اعداد نسخها الا انها كانت قد منحت بعض الاعتمادات المالية التي جعلتها تمضي على امل انتهاء الحصار والمعاودة للنشاط، اما ما كانت قبل الحصار فكانت هائلة الانتاج الى درجة انها وصلت الى كل منطقة في الوطن العربي والعالم، وطبعت في كل مطابع العالم من اليابان الى سويسرا الى المانيا (الديمقراطية) في وقتها وكان انتاجها يغطي المساحة العراقية كاملة.
* لماذا تشعر بالحزن على واقعها وقد تقاعدت؟
- انا احد مؤسسي هذه المجلة، وحزني.. لانها الان مشروع النشر الوحيد في العالم الذي يجهد فيه ويعد المطبوعات للطبع ولا يجد المال اللازم لتنفيذ طباعته، علما ان الكثيرين من الكتاب والرسامين يشتغلون تبرعا، وهذا خطأ، لانه ينبغي مكافأة العاملين ولكن مع هذا يشتغلون تبرعا غير انهم يصطدمون بحاجز القدرة المالية فلا يستطيع اي احد ان يقوم بطباعة عدد او عددين من المجلة.
* اي مراحل اخيرة مرت بها المجلة لتتوقف عن الصدور؟
- اولا اختزلت من اسبوعية الى شهرية، ثانيا حتى هذه الشهرية عجزت الدار عن طباعتها وهي متراكمة الان الاعداد المعدة للنشر ولا تجد من ينفق على طباعتها، اخر عدد من مجلة (مجلتي) صدر قبل نحو ستة اشهر وتوقفت الى غاية الان.
* ولكن الدار اقامت مهرجانا دوليا مؤخرا وتعقد ندوات، فماذا تقول؟
- اقول: انها تحتضر، نعم.. لان ثقافة الاطفال الاساس فيها ليس المهرجان وليس الندوة، فالندوة بكل افكارها تبقى معلقة ان لم يكن الاساس في الانتاج الثقافي للاطفال موجودا، ما فائدة ان نتكلم بالكلام النظري الكثير ونقيم الندوات ومفردات الثقافة التي تنتجها هذه الدار متوقفة، ما الفائدة؟، انها تحتضر.. الان، واذا ما طالت حالة العجز عليها فأنها ستحرم من اصدار اي كتاب او مجلة مهما جاءت وتوالت السنون وسوف تنتهي.
* ولكنك حضرت المهرجان على مدى ايامه، لماذا؟
- نحن نستغل المهرجانات لنطلق صرختنا واطلقنا صيحتنا وتساءلنا وطلبنا، ولعل هناك من يسمع هذه الصرخة وهذا النداء ويلتفت الى دار ثقافة الاطفال ويناقش عجزها المالي، نريد احدا لايناقش الافكار بل نريده ان ينظر الى حالها المالية العاجزة المتوقفة والتي بالتأكيد ستكون النهاية النهائية لها مؤسفة اذا ما استمرت الحال.
* وماذا تعمل الدار حاليا ان كانت بلا طبع ولا نشر لمطبوعاتها؟
- الكتاب والرسامون مثلما قلت لك يكتبون ويرسمون ويعدون الاعداد وهي جاهزة للطبع ولكن لا مال ولا انفاق على نشرها، الدار قائمة حسب كونها مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة، مؤسسة حكومية، المعنيون ومنهم وزارة المالية يخصصون رواتب للموظفين ويخصصون ابوابا لانفاقات ثانوية ولكن لم يجري في بال احد ان هذه المؤسسة هي دار نشر اولا، والانشطة الاخرى هي انشطة على هامش النشر والطباعة والثقافة المكتوبة،ولم يسألوا انفسهم: هل اعطاء رواتب للموظفين ينفع في طباعة الكتب والمجلات؟، هل ان النثريات البسيطة لاقامة المهرجانات والندوات والمسرحيات وغيرها من الانشطة الاخرى هل تفيد في طبع كتاب او مجلة؟، في الثانينيات حين وصلت الى كل مكان في العالم كانت ميزانيتها 9 ملايين دولار، اي 3 ملايين دينار عراقي في ذلك الزمان، وكانت طاقتها على الانتاج هائلة جدا واصبحت مدرسة وحاضنة لكل كتاب الاطفال في الوطن العربي وعمل فيها كل كتاب ورسامي الوطن العربي، اما الان فهي تعجز عجزا كليا عن طباعة مجلة او كتاب.
* هل تعتقد ان الدار لها اهمية في عصر الفضائيات والصورة والتطور التكنولوجي؟
- نعم.. بالتأكيد، الدار هي الخط الاساسي للثقافة المكتوبة،في العهد الجديد وضعنا تصورا لانتاج برامج ثقافية، مثل اطلاق قناة فضائية للاطفال واعددنا العدة لاطلاقها، وكذلك وضعنا تصورات كثيرة وخططنا لانتاج افلام رسوم متحركة (افلام كارتون) وانتاج مسرحي حقيقي مستمر، وغير ذلك من الخطوط العديدة التي تنطلق من فكرة ثقافة الاطفال، لكنها ان كانت لاتستطيع ان تطبع كتابا او مجلة، هل تستطيع ان تنجز هذا؟.
* لمن اطلقت صرختك هذه؟
- الصرخة اولا لكل من يملك مفتاح الحل، سواء رئاسة الوزراء او وزارة الثقافة او وزارة المالية في الاساس، انا راجعت وزارة المالية عام 2006 وتوصلنا الى اتفاق واقتنعوا بأن يضعوا اعتمادا للدار للنشر والطبع، وليس رواتب، ولكن تقاعدت في عام 2006 ويبدو ان كتاب وزارة المالية الذي وجه الى دار ثقافة الاطفال من اجل فتح اعتماد لم يلق الاهتمام من قبل المدير العام ولا مدير الحسابات انذاك، فأهملت القضية وبقيت الدار عاجزة وهي الان عاجزة تنتظر من ينتبه اليها ويزيل الغبار عن انتاجها الثقافي.
التعليقات