عبدالجبار العتابي من بغداد: محزن جدا.. هو واقع دور العرض السينمائية في العراق، وثمة انقراضات متتالية لها، حتى بات من الصعب ان تجد دارًا صالحة للعرض او تمتلك مواصفات الدار التي كانت قبل عقدين من الزمن على الاقل، بعدما تأكلت بفعل الظروف العراقية التي ابتدأت منذ عام 1980 حيث الحرب العراقية الايرانية التي رسمت شحوبها على واقعها لتأتي سنوات الحصار الاقتصادي لتفتك بها تمامًا، بعدما تعطلت تمامًا مسألة استيراد الافلام.

وما عادت تلك الدور تستقطب الجمهور الا شرائح قليلة جدا من المراهقين الذين اصبحتمعظم الدور تغريهم بأفلامها على مدار الساعة ببطاقة واحدة، والاكثرطرافةان هذه الدور اصبح بعضها بمثابة (فندق) حيث يستغل الجمهور (التبريد) في هذه الدور لنوم (قيلولة) الظهيرة!!.

بالتأكيد لا يمكن المقارنة بين احوال الدور السينمائية في عقود سابقة، ويكفي ان نشير الى ما قاله مؤرخ السينما الكبير جورج سادول صاحب كتاب quot;تاريخ السينما في العالمquot; من (ان في بغداد وحدها اكثر من ثمانين دارا للعرض)، وهذا وحده يشير الى حقيقة العلاقة بين البغداديين بشكل خاص والسينما التي اصبحت الان لا تربطها اية وشائج، ويمكن مشاهدة حالة التردي من خلال اختراق شارع السعدون او شارع الرشيد، وهما اللذان كانا يزخران بدور العرض الجميلة والمميزة بعمرانها.

ويمكن بسهولة ان ترتد نظرات الناظر محملة بالاسى الذي يقطر أسفا وتلوثا بصريا، بل ان العديد من هذه الدور تحولت الى خرائب وتغيرت ملامحها، بل ان اكثر هذه الشوارع والامكنة التي غابت عنها دور العرض اصبحت بلا طعم ولا لون ولا زينة، لان تلك الدور بعمرانها والوانها وبوستراتها تزهو معبّرة عن نشاط حياتي متجدد.

يمكن ايضا قراءة واقع حال دور العرض السينمائية في بغداد بالحديث مع الناقد السينمائي مهدي عباس الذي يمتلك ارشيفا ومعلومات عن كل ما يخص السينما العراقية وتوابعها.

* كيف بدأت دور السينما في العراق تنتشر واين كانت بداياتها؟
- تم انشاء اول دار للعرض في بغداد عام 1911 وهي سينما quot;البلوكيquot; في منطقة ساحة الميدان..ثم استمر انشاء دور العرض بعد ذلك لتتوسع من الميدان الى حافظ القاضي وباب الشرقي والسعدون، ووصل العدد في الستينيات الى 86 دار عرض في عموم العراق، ومن اوائل دور السينما رويال ومترو والرشيد والوطني والسنترال والزوراء، وكان من ضمن دور العرض التي انشأت دور عرض صيفية تعرض افلامًا في الهواء الطلق، مثل الاحرار وريكس والحمراء وغيرها اختفت اليوم تماما.

* لماذا اهتم العراقيون بالسينما وبدورها؟
- المعروف ان السينما دخلت العراق في عام 1909 من خلال عروض أفلام قصيرة جذبت الناس وجعلتهم في انبهار امام صور متحركة يرونها للمرة الاولى في حياتهم..مع بناء دور عرض خاصة ابتداءا من العام 1911 اتسع اهتمام الناس بالذهاب الى السينما، وازداد الاهتمام بعدما نطقت السينما، وبعدما دخلت الافلام العربية الى العراق في الثلاثينيات.

* يقال ان دور السينما كانت تشيد على اجمل الطرز المعمارية لماذا؟
- بالفعل وكانت واجهات دور السينما تحوي اشكالا معمارية متميزة وجميلة، وحتى داخل دور العرض، فالكل يتذكر صور اللوحات الجميلة التي كانت مطرزة على جدران سينما الخيام، هذه الطرز المعمارية كانت ايضا احدى وسائل الجذب للجمهور، كما تعطي انطباعا للمشاهد انه يدخل الى بناية ثقافية فنية، وليس بناية اعتيادية.

* في اي السنوات ازدهرت الدور هذه ولماذا؟
- في الثلاثينيات والاربعينيات ازدهرت بشكل كبير، واصبح لكل دار طقوسها الخاصة ونوعية الافلام التي تعرضها والجيل الذي عاصر مثلا سينما الملك غازي التي كان مكانها في نهاية ساحة التحرير من جهة ساحة الطيران كان يعرف ان هذه الدار لاتسمح بدخول من لا يلبس الملابس الرسمية، وان حفلات السواريه كانت تحتاج من المشاهد ان يرتدي (بدلة وكرفتة /رباط عنق) كي يسمح له بالدخول.

* متى بدأ التدهور بالتحديد؟
- بدأ التدهور بالتحديد في بداية الثمانينات، ومع بداية الحرب العراقية الايرانية، حيث توقف استيراد الافلام الجيدة والحديثة، مما ادى الى ابتعاد الجمهور، وخصوصا العائلة، عن ارتياد دور السينما، وفي الوقتنفسه،أغلقت دور سينما عدة،وتحول بعضها الى مسارح ومتاجر ومخازن خردة.

* ما السر في عدم اهتمام الدولة بدور السينما؟
- علاقة الدولة بالسينما تأتي من خلال دائرة السينما والمسرح، وهذه الدائرة اهملت السينما ودور العرض لسببين اساسيين، الاول قلة التخصيصات المالية لهذه الدائرة الفقيرة جدا جدا، والثاني ان اهتمام هذه الدائرة ينصب على المسرح اكثر منه على السينما، لانه الاسهل والاقل كلفة والاكثر ايرادا..انا لا الوم الدائرة لانني اعرف المشكلة عن قرب، واعرف ان القضية لاتتعلق فيها فقط.

* هل لديك معلومات عن عدد دور السينما في بغداد والمحافظات؟
- كما سبق وان قلت فأن دور السينما في العراق وصلت ايام العز الى اكثر من 86، من ضمنها حوالي ثلاثون دارا في بغداد، وتأتي الموصل في الدرجة الثانية، حيث كان فيها حوالي خمسة عشر دار سينما.

* ما الذي تبقى من هذه الدور الان؟
- في بغداد اليوم خمسة دور مهترئة تقدم افلامًا (تعبانة) للمراهقين، والذين لديهم ساعة زمن لايعرفون اين يقضوها والدور هي (سمير اميس / اطلس / الخيام /السعدون / النجاح)، كما إن محافظات مثل الموصل التي كانت في يوم ما تحوي اكثر من 15 دار عرض اغلقت كلها، والبصرة التي كان فيها خمسة دور عرض اغلقت كلها، ومعظم المحافظات العراقية اليوم لا توجد فيها دور سينما، باستثناء محافظات اقليم كردستان العراق.

* هل ثمة دار تحزنك اكثر من غيرها؟
- سينما زبيدة في منطقة الكرخ (في الفحامة) مقابل مستشفى الكرامة، فمنها عشقت فن السينما، فيها استمتعت بمغامرات برت لانكستر في القرصان الاحمر والشعلة والسهم، وفيها ضحكت إلى حد القهقهة مع نورمان وزدم، وبكيت لحد الدموع مع ام الهند وكنكما وجمنا وسنكام وفي يوم من ايام عام 1980 مررت من ذلك المكان فوجدت زبيدة، وقد تحولت الى مخزن للسكراب، فأنهمرت دموعي، واخذني الحنين الى ايام زبيدة الزاهية.

* كيف يمكن ان نعيد لهذه الدور رونقها؟
- للاسف ليس هناك مستثمر واحد يفكر في هذا الموضوع، لذا فالامل هو في الدولة..العالم اليوم يبني مجمعات سينمائية، والمجمع قد يحوي على ست شاشات او اكثر، وكل شاشة تعرض فيلمًا وتتسع لمئة او مئتي كرسي..لابد للدولة ان تفكر بانشاء هذه المجمعات او اعمار السينمات الموجودة، فالعراقيون متشوقون للمشاهدة السينمائية، خاصة وان الكثير من التقنيات دخلت لدور السينما كالدولبي ستيريو والثري دي وغيرها.