كامـل الشيـرازي: على مبعدة 71 يومًا عن بدء الاحتفالات الرسمية في الجزائر بخمسينية الاستقلال (1962 ndash; 2012)، يُثير هزال استعدادات الجزائر للاحتفال بالموعد في الخامس من تموز/يوليو القادم، نقاط ظلّ واستفهامات وسط المثقفين والفنانين، وتبدي فعاليات محلية تحدثت لــإيلاف صدمتها إزاء التعاطي الرسمي مع ذكرى تعني الكثير لاسيما مع حلولها بالتزامن مع مرحلة استراتيجية حساسة.

الجزائر: في مقابل تواجد وزارة الثقافة الجزائرية خارج مجال التغطية، وعدم كشف اللجنة الحكومية المختصة عن أي برنامج إلى حد الآن، لم يخفِ الروائي الشاب quot;كمال قرورquot; صدمته حيال ما يحدث، فعدا الفيلم السينمائي التاريخي quot;أحمد زباناquot; الذي سيُفرج عنه قريبًا، وبضعة أعمال وإصدارات متناثرة، لم يتسنَ التعرّف على معالمها في ظلّ التعتيم الحاصل، في وقت مضت فرنسا في تعاطيها مع ذكرى تسميها quot;حرب الجزائرquot;.

في هذا الشأن، يأسف قرور لواقع الأشياء، ويعلّق: quot;ليس هذا مستوى الثقافة الذي نبحث عنهquot;، ويعتقد محدثنا أنّ الأمر ناجم عن quot;صمت وتواطؤ وتغييب نقاشquot;، بما سيحول دون تحويل الاحتفال بالمناسبة إلى وقفة تقييمية للمنجز الثقافي في الجزائر منذ استقلالها.

ويضمّ حبيب بوخليفة صوته إلى قرور، ملاحظًا:quot; تفاجأنا ولا نزال كون الذكرى لا حدثquot;، في حين يرى قرور أنّ الأنشطة محتكرة من الوزارة والمؤسسات الرسمية، وجرى انتزاع المبادرة من المجتمع المدني، كما يتساءل قرور عن دور وزارة المجاهدين القدامى في مسألة يُفترض أنها تعني الجميع.

وكشفت مراجع مطلعة لــإيلاف، عن تقديم تعاونيات وجمعيات ومؤسسات ما لا يقلّ عن تسعين مشروعًا سينمائيًا ومسرحيًا، وهي ملفات تلقتها الجهات المعنية وينتظر المعنيون تزكيتها ودعمها ماليًا، لكن عجلة الزمن قد لا تسعف هؤلاء خصوصًا وأنّ إعداد أفاريز بحجم الخمسينية رهان صعب المنال.

بدوره، ينتقد المخرج والممثل المسرحي الشاب quot;محمد عباسquot; سقوط بلاده مجددًا في فخ quot;المناسباتيةquot;، معلّقًا بشأن ما يتردد عن ترخيص وزارتي الثقافة والمجاهدين القدامى لبعض النتاجات، أنّ أي مشروع يروم الاحترافية والعمق، يفترض إعداده منذ فترة زمنية معتبرة، ويقوم على احترام أصحاب الاختصاص ولا يسقط في عقلية السرعة ومحذور التسرّع، وهي معايير ثلاثة غير متوفرة البتة بحسبه، في وقت تسابق الجزائر الزمن لإحياء الخمسينية، ما قد يفسد ودّ القضية.

ويؤيد قرور ما ذهب إليه عباس، معتبرًا أنّه من الخطأ والغرابة، شروع دوائر القرار في إنجاز أعمال قبل ثلاثة أشهر عن مناسبة سيستمر إحياؤها إلى غاية تموز/يوليو 2013، مع أنّ القضية تقتضي عامًا على الأقل من التحضير الشاق، ما جعل قرور يقول بلهجة أسى:quot; نحن متسللون، وأنا فعلاً مصدومquot;، كاشفًا عن سعيه إلى تنظيم ندوة حول ثقافة المواطنة في مدينة العلمة (330 كلم شرق) في خطوة لتدارك الفداحة المسجّلة.

على المنوال ذاته، لا يخفي الفنان quot;عبد الغني شنتوفquot; استياءه مما يحدث، فلا يُعقل بتصوره أن ترسل وزارتا الثقافة والمجاهدين القدامى نداءات للمبدعين كي ينجزوا مشاريع على مبعدة أشهر قليلة عن مناسبة هامة بهذا الوزن، وينتقد شنتوف أيضًا استثناء السلطات للأفلام الروائية التاريخية واقتصارها على الأشرطة الوثائقية والأعمال التلفزيونية، وطبعًا هذا الاستثناء مبرر بضيق الوقت وقيمة الكلفة في بلد تعود على إنفاق المليارات في احتفاليات سابقة.

نحو نشوب حرب تاريخية مجددًا بين الجزائر وفرنسا

في ظل إصرار فرنسا على الاحتفال لكن على طريقتها الخاصة لتكريس نظرة المحتل القديم، يلاحظ الباحث والإعلامي الجزائري البارز quot;سعيد جاب الخيرquot; أنّ الإعلام الفرنسي المكتوب والمسموع والمرئي فتح مجموعة من الملفات التاريخية، مثلما هناك نقاش فرنسي حول quot;التاريخ المشتركquot; بين الضفتين، ما يجعل هذه المرحلة مرشحة لأن تشهد حربًا كبيرة على مستوى الكتابة والصورة حتى في ظل عدم تكافؤ الموازين، اعتبارًا لتمتع الجانب الفرنسي بإمكانيات مادية هائلة في مقابل ما هو موجود في الجزائر، ما يجعل المتابعين يفهمون الاختلال الموجود في المعادلة الإعلامية بين الضفتين.

وبينما يرفض جاب الخير إصدار حكم حول شكل ومضمون احتفالات الجزائر بخمسينية الاستقلال، يحيل محدثنا إلى استمرار خطاب إعلامي مكثف وبمستوى تقني عالٍ منطلق من فرنسا نحو الجزائر في ما يخص التاريخ الجزائري بشكل عام وتاريخ الثورة التحريرية (1954-1962) بشكل خاص، لكن لا يكاد يوجد شيء في المقابل، إذ لا يوجد ndash; بمنظوره - خطاب إعلامي أو إنتاج إعلامي ينطلق في الاتجاه المعاكس حتى لو لم يكن بالمستوى التقني نفسه، الكلام ذاته ينسحب على الكتاب في هذا المجال، حيث نجد الأرشيف الفرنسي كله مفتوحًا للباحثين هناك، بينما الأرشيف الوطني الخاص بالثورة التحريريةلا يزال مغلقًا أمام الباحثين في الجزائر ولأسبابلا تزال غير واضحة.

وعليه، ينبّه جاب الخير إلى وجود ما يشبه حوار الطرشان بين الضفتين، فالجزائر تتهم فرنسا بالتستر على جرائمها ضد الشعب الجزائري طيلة مدة الاحتلال أي 132 سنة، وفرنسا تتهم الجزائريين بتقديس التاريخ والمبالغة في تعديد جرائم الاحتلال دون الالتفات إلى quot;التجاوزاتquot; التي حدثت في الثورة من طرف الجزائريين.

وكان الوزير الأول الجزائري quot;أحمد أويحيىquot; صرح مؤخرًا للإذاعة الرسمية، بأنه يتعين على بلاده الخروج من دائرة تقديس التاريخ والاعتراف بكل ما حدث كما حدث ودون الشعور بأي عقدة، لأنه لا توجد ثورة تلبس القفازات البيضاء (..)، كما دعا إلى فتح الأرشيف المحلي أمام مواطنيه الباحثين حتى يكتب التاريخ الوطني على أسس علمية أكاديمية بعيدًا عن كل ضغط أيديولوجي أو سياسي.

وإلى أن يتحقق ذلك، يبقى الخطاب الإعلامي والإنتاج الأكاديمي، المنطلقان من الضفة الشمالية للمتوسط أي من فرنسا،رائدين في هذا المجال، وهما الأكثر تأثيرًا على الأجيال الجديدة في فرنسا والجزائر.