تفاقمت أزمة الحليب في الجزائر، إلى حد صار معه الحصول على كيس أو اثنين أمرا بعيد المنال، في مشهد ناجم عن القبضة الحديدية المشتدّة بين السلطات والمنتجين وحوار الطرشان الدائر بين الطرفين.quot;إيلافquot; سألت مسؤولين ومنتجين ومستهلكين في موضوع الساعة بالجزائر حاليا.


الجزائر: على الرغم من كون إنتاج الحليب في الجزائر قفز هذا العام إلى 410 مليون لتر، بعدما كان بحدود ثلاثمائة لتر خلال السنة المنقضية، بجانب استيعاب الجزائر لـ20 ألف مربي للأبقار، وثمانمائة ألف بقرة حلوب، إلاّ أنّه بات من المألوف هذه الأيام رؤية طوابير طويلة تتشكّل قبيل الفجر، وتتجدد مع آخر المساء بفعل التذبذب والشح اللذين يطبعان السوق منذ أسابيع. وفي مفارقة غريبة أعادت إلى الأذهان مطبّات الزيت والسكر والبيض والبطاطا والقمح بنوعيه، أضحى من النادر رؤية حليب الأكياس متوفرا على مستوى المتاجر بفعل النقص الحاد في هذه المادة، وما زاد الطين بلّة، إقدام بعض التجار على الاستثمار في الأزمة من خلال رفعهم أسعار أنواع الحليب الأخرى، كحليب البقر الطازج وكذا الحليب المجفف.

وأبدى ياسين الموظف بمشفى مملوك للحكومة، الذي وجدناه في إحدى الطوابير بمنطقة بوزريعة (ضواحي العاصمة) تبرّما من الوضع:quot;لست أفهم مسلسل الندرة الذي يمس المواد الأكثر استهلاكا، البارحة أزمة حبوب، واليوم مشكلة حليب، وغدا لسنا ندريquot;.من جانبه، يعلّق الوردي وهو رب أسرة بحسرة:quot;الحصول على كيس من الحليب أصبح من الأمور العسيرة، كيف لي أن أوفّر مادة حيوية كهذه لأطفالي الخمسة؟quot;، وتنتقد الحاجة بهية غياب الحكومة أمام ممارسات الباعة:quot;أين هي الرقابة، البقّالون يفرضون علينا quot;الشراء المتلازمquot;، فإذا أردت اقتناء كيس حليب، لا بدّ أن تشتري شيئا آخر، يحدث هذا رغم أنّ القوانين تحظر مثل هذه الممارساتquot;.

وحول أزمة الحليب، يشير quot;محمد عليويquot; الأمين العام لاتحاد المزارعين الجزائريين، إلى أنّ المسألة لها صلة بما سماها quot;أسباب بيروقراطية بحتةquot;، أسهمت بحسبه في تعميق الخلاف الناشب بين الديوان المهني للحليب (مملوك للحكومة)، وعموم المتعاملين.ويكشف عليوي أنّ مسحوق الحليب متوفر بكميات هائلة على مستوى مرفأ الجزائر العاصمة، لكنّ الإجراءات الجمركية هي من أخرّت إيصال هذه المادة الأولية إلى جمهور المنتجين، علما أنّ قيمة واردات مسحوق الحليب وصلت إلى 1.2 مليار دولار جرى إنفاقها على قرابة ربع مليون طن من المسحوق المذكور هذه السنة.بالمقابل، ينفي quot;محمد شاقورquot; المدير العام لديوان مهنيي الحليب، وجود quot;أزمةquot;، ويقول أنّ مصالحه قدمت حجما معتبرا من مسحوق الحليب إلى المحوّلين، بما يكفي حاجيات الطلب المحلي.ويرى شاقور أنّ المشكلة لا تكمن إطلاقا في انتفاء المسحوق، بل في استخدام الأخير من لدن المحوّلين في إنتاج الأجبان وتوابعها، على حساب الوظيفة الأساس وهي إنتاج حليب الأكياس، ما يستدعي بمنظاره معاقبة المتورطين.

على طرف نقيض، يشدّد quot;عبد الوهاب زيانيquot; رئيس اتحادية منتجي الصناعات الغذائية، على أنّ الأزمة أعمق وأبعد مما يذهب إليه المسؤولون، حيث يؤكد أنّ انقطاع المنتجين مردّه نقص المادة الأولية، وهو أمر ينضاف إلى ما يعانيه هؤلاء من تهميش وعدم تشجيع، وغض دوائر القرار للطرف عن مطالبات مزمنة بحل إشكال التسعيرة التي تبقى بحسب المنتجين بعيدة عن حقيقة السوق.في هذا الشأن، يؤكد مسيرا مصنعي quot;بطوشquot; وquot;ميرامارquot; أنّ كلفة اللتر الواحد من الحليب هي 48 دينارا، غير أنّ الحكومة الجزائرية تحدد السعر بخمسة وعشرين دينارا (ما يعادل ربع يورو) أي بفارق يقدر بـ23 دينارا للتر الواحد، ما يعني quot;إنتاج بالخسارةquot; بحسب المنتجين الذين يطالبون أيضا بوضع آليات عادلة للتوزيع والتعويضات.

ويتوقع quot;مصطفى بن بادةquot; وزير التجارة الجزائري، أن تنتهي أزمة الحليب في غضون الأيام القادمة، ويقلل بن بادة من مفعول الأزمة، واصفا إياها بـquot;العارضةquot;، متعهّدا بحلها نهائيا أواخر الشهر الحالي.ويقارب المسؤول الأول عن قطاع التجارة القضية من زاوية وجود عدم تكافؤ في ميزان العرض والطلب، حتى وإن أقرّ صراحة بوجود اختلالات على صعيد التموين بمسحوق الحليب، لكنه ربطه أيضا برغبة بعض المحوّلين عرقلة خطة السلطات الباحثة عن إيقاف الاستيراد المفرط لمسحوق الحليب.وسبق لوزارة الزراعة والتنمية الريفية، أن اتهمت بعض المتعاملين باتخاذ المستهلكين كـquot;رهائنquot;، مثلما شدّدت على عقلنة استعمال مسحوق الحليب في سائر عمليات التحويل بغرض تعزيز طاقات الإنتاج المحلية.