في مشهد لم يختلف عما عايشه الجزائريون على مدار السنوات الماضية، شهدت سوق المواشي مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى، ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار في بلد يمتلك 22.5 مليون رأس من الغنم، وبرزت نجومية من نوع خاص أبطالها فصيل من المضاربين بتلاعباتهم اللاهثة وراء تحقيق أرباح طائلة وفي ظرف قياسي.


الجزائر: في منطقتي تيبازة وشرشال أقصى غرب العاصمة الجزائر، إلى قورصو وبودواو في الجهة الشرقية المقابلة، لم تختلف حيثيات أسواق المواشي كثيرًا، وبدا جليًا أنّ أضحية العيد ليست متاحة بأقلّ من 22 ألف دينار (بحدود 260 دولاراً)، وقد تصل قيمتها إلى 40 ألف دينار بالنسبة إلى الكبش الضخم (ما يعادل 480 دولارًا).

وبين هذا وذاك، هناك ثمة استثناءات نزلت بسعر الأضحية إلى 17 ألف دينار ndash; يتعلق الأمر هنا بكباش هزيلة -، مثلما قفزت بأخرى عملاقة إلى قمة 80 ألف دينار (960 دولارًا)، ويتعلق الأمر هنا بكباش يقتنيها الأثرياء للتباهي، كما يتهافت عليها شباب وكهول بغرض استخدامها في حلبات المبارزة ضمن ما يُعرف بـquot;مسابقات التحريش بين الكباشquot;.

وإذا كان الموّال أحميدة الذي التقيناه بنقطة بيع quot;عشوائيةquot; في حي بوسماحة (ضواحي العاصمة) يحمّل مسؤولية الارتفاعات الحاصلة إلى فئة quot;الوسطاءquot;، ويجزم أنّ هؤلاء يتلاعبون بالأسعار مثلما يحلو لهم في غياب أي حسيب أو رقيب على حد تعبيره، يرمي التاجر حسان بالكرة في مرمى الموّالين، إذ يشدد على أنّهم اقترحوا مواشيهم بأسعار عالية رغم توافر الأعلاف والظروف المناخية الجيدة في مناطق بسكرة، وحاسي بحبح، وعين وسارة، والجلفة وقصر البخارين التي تتميزّ بماشيتها الجيدة والمتاحة هناك بأسعار منخفضة إلى قرابة نصف ما هو مقترح في المدن الكبرى.

ويقرّ فوزي الذي حجز لنفسه أحد المستودعات في أحد أزقة باب الوادي، بالتهاب الأسعار ما يجعلها في متناول الكثيرين من مواطنيه البسطاء، بيد أنّ فوزي شأنه في ذلك سليم، عبد الحق ورضوان وهم من محترفي تجارة المواشي ndash; مناسباتيا ndash; يرفضون تحميل المسؤولية للباعة، ويدرجون عاملاً إضافيًا تسبّب في الغلاء، ويرتبط رأسًا باضطرار عديد التجار إلى استئجار مستودعات بأثمان مرتفعة، تراوحت قيمة ايجارها بين 40 و70 ألف دينار (ما بين 480 و840 دولارًا) وذلك بحسب المنطقة ومدى استراتيجية موقعها ولفترة لا تتجاوز الأسبوعين.

وهو معطى أجبر الباعة على رفع سعر المواشي لتعويض ما خسروه جرّاء الإيجار. ويقف أرباب الأسر ndash; لا سيما من ذوي الرواتب الزهيدة ndash; في حيرة كبيرة إزاء وضع كهذا، حيث يتساءل الجيلالي العامل في شركة مملوكة للحكومة quot;كيف لنا أن ننسجم مع هذه الأسعارquot;، وتشاطره الأرملة زهرة التي تعول أسرة من ستة أفراد quot;قيمة الكباش مبالغ فيها كثيرًا، الناس هنا صاروا يتحينون الفرص لاستنزاف الكادحينquot;، وتضيف بعد تنهيدة طويلة quot;أين هي الحكومة وفرق الرقابة التي يتحدثون عنها؟quot;.

ويستغرب زهير، وهو صاحب متجر للعطور، كيف لأسعار الماشية أن تلتهب كل هذا الحدّ، في بلد يتوافر على ثروة هائلة من المواشي تفوق حاجات مواطنيه من الأضاحي، على المنوال عينه يتساءل توفيق صاحب محل للمجوهرات quot;لست أفهم كيف تتحكم مجموعة من المضاربين الانتهازيين في عملية كهذه، ما محلّ السلطات واتحاد التجار من الإعراب؟quot;، في وقت يقول العمّ نقازي الذي يتقاضى أجرًا شهريًا لا يتجاوز الـ16 ألف دينار (190 دولارًا) بلهجة أسى، إنّه بات عاجزًا تماًما عن اقتناء أضحية، ويمنّي نفسه بهبوط الأسعار في الساعات الأخيرة قبيل يوم النحر، ليبهج أولاده بكبش صار بعيد المنال، مثلما قال.

من جانبه، يشير كل من عبد القادر (مستخدم في شركة لسكك الحديد)، وإسماعيل (موظف في بنك خاص)، وعمار (أستاذ في الإعدادي) إنّهم اشتروا كباشًا تراوحت أثمانها بين 25 و29 ألف دينار، وأنفقوا مالاً إضافًيا لجلب العلف الذي صار ثمنه باهظًا هو الآخر، لا لشيء سوى لرسم البسمات على شفاه أطفالهم، حتى وإن كان ذلك يقتضي حرقًا لجيوبهم واستنزافًا لميزانياتهم المُنهكة.

ولا يتحرج فريد المتزوج حديثًا، وسليمان الموظف في وحدة للتعليب، فضلاً عن صديقهما عاشور الذي يشتغل إسكافيًا، أنهم اضطروا إلى الاقتراض من أجل جمع قيمة أضاحيهم التي اشتروها من مركز جواري اقترح كباشا بـ24 ألف دينار (300 دولار)، وهو ما عُدّ فرصة أغرت الكثيرين، رغم أنّ السعر المذكور لا يقلّ ارتفاعًا عن نظرائه.

المثير في الأمر، أنّ ما تشهده سوق الأضاحي يتم وسط (استقالة) حكومية غير معلنة، فالسلطات لم تكلّف نفسها عناء التدخل، بل إنّ quot;صالح صويلحquot; الأمين العام لاتحاد التجار، ورغم إقراره بوجود مضاربات، إلاّ أنّه أكّد للإذاعة الحكومية أنّ التجار أحرار في وضع الأسعار التي تناسبهم، طالما أنّ السوق حرّة.

فيما اكتفى كريم بوغانم المسؤول المركزي على مستوى وزارة الزراعة والتنمية الريفية، بتأكيد توافر بلاده على 22.5 مليون رأس من الأغنام في صحة جيدة يتم نحر خمسة ملايين منها كل عام. وإلى حد كتابة هذه السطور، لم تنجح الدعاية المضادة في إسقاط أسهم الكباش، غداة ما أثير بشأن معاناة بعض المواشي من داء quot;الحمى القلاعيةquot;، وكذا ما راج عن تداول مشبوهة لأوراق مالية مزيفة جرى استخدامها في شراء أغنام، حيث لم يسهم ذلك في حمل بورصة الأضاحي على تسجيل تراجعات.