عدم الإستقرار يدفع الأجانب إلى التراجع عن الإستثمار في تونس |
دفعت الأزمة السياسية والاجتماعية التي عاشتها تونس إبّان ثورة 14 يناير بالعديد من المؤسسات الأجنبية إلى غلق أبوابها وتسريح عمّالها وسحب ثقتها بالتوجه إلى دول أخرى على غرار المغرب وموريتانيا والجزائر.
تونس: شهدت الاستثمارات الأجنبية في تونس إبّان ثورة 14 يناير تقلصاً وتراجعاً مثّل منعطفاً خطيراً في تاريخ الاقتصاد التونسي وغيّر المناخ الاستثماري نحو الأسوأ وجعل الحكومة التونسية تبحث في أسس وأساليب لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب والخروج من عنق الزجاجة، ويرجع انخفاض حجم الاستثمار الأجنبي إلى عدم وضوح الرؤيا والضبابية التي تميّز المحيط العام للاستثمار في ظلّ المتغيّرات السياسية الجديدة.
ولعل تغيير شركة quot;بومباردييquot; الكندية لصناعة مكوّنات الطائرات وجهتها في الاستثمار نحو المغرب بعد أن أعدّت عدّتها للإستقرار في تونس حيث شكّل ذلك حدثاً ومفاجأة قلبت الموازين وأشعلت الضوء الأحمر أمام المستثمرين الأجانب وقد خسرت تونس إثر سحب ثقة المستثمر الكندي إستثماراً فاق الـ200 مليون دولار وما يزيد عن 600 موطن عمل من مختلف الاختصاصات.
وفي سياق متصل، أكد محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي مؤخراً في مؤتمر مصرفي عقد في بيروت أنّ نمو الاقتصاد في تونس لن يزيد نهاية هذا العام عن صفر من النقاط بسبب العديد من العوامل أبرزها تراجع الاستثمار وتراجع نسق الصادرات والإنتاج، إضافة إلى الإضرابات والاعتصامات العشوائية وتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة هذا الشهر بنسبة 20 بالمائة.
ضغوطات كبيرة
يرى رجل الأعمال نجيب بن عياد أنّ نمو الاقتصاد التونسي سيواجه ضغوطات كبيرة في الفترة المقبلة، خاصة إذا ما ألقت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو بظلالها على تونس، التي تعتبر الاتحاد الأوروبي شريكها الاستراتيجي الأول ومعه تتم 80 بالمائة من مبادلاتها التجارية، وأنّ أي انكماش في اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلباًفي الصادرات التونسية وعلى الإنتاج المحلي وعلى العمالة والأرباح.
كما من شأن تراجع نمو الاستثمار الأجنبي وتقلص عائدات قطاع السياحة أن تزيد من متاعب البلاد، هذا بالإضافة إلى القطاع السياحي، الذي يعيش أسوأ مراحله نتيجة التوتر الأمني الذي تزامن مع الاضطرابات الاجتماعية بعد سقوط النظام السابق، حيث أصبح وكلاء الأسفار العالميون يعتبرون تونس وجهة سياحية خطرة بسبب الإنفلات الأمني المتكرر والصراعات العقائدية في دولة شقها علماني والشق الآخر متطرف.
ومن جهة أخرى، يرى المستثمر التونسي بن عياد أن النهوض بالاقتصاد التونسي يقتضيالتحرك بجدية لإنقاذه من خلال تحرير الدينار التونسي وانفتاحه على الخارج ورفع كل القيود الإدارية، ومساعدة المستثمرين على إقامة المشاريع، هذا إلى جانب ضرورة إعادة مراجعة مجلة الصرف، وإلغاء كل القرارات التي لا تتلاءم وتحرير الدينار التونسي وتمكين المؤسسة المصدرة من المحافظة على كامل مواردها من العملة الأجنبية بما يضفي مزيداً من المرونة على معاملاتها الخارجية ويقيها من مخاطر الصرف وتطوير القوانين التجارية وإصلاحها وجعلها مواكبة للتغيرات بقصد توفير أكثر ما يمكن من حصانة للإقتصاد التونسي.
وبخصوص عودة المستثمرين التونسيين المقيمين خارج حدود الوطن أفاد بن عياد أنه ولكي يتسنى لهؤلاء المستثمرين العودة الآمنة لبلادهم يتعيّن على تونس توفير مناخ اقتصادي ملائم من خلال تحقيق معدلات نموّ مرتفعة والمحافظة على التوازنات العامة والتحكّم في نسبة التداين وإرساء جهاز مالي صلب لبلوغ التحرير الكامل للدينار وزيادة التفكير في تحصين الاقتصاد بقوانين عصرية تتلاءم مع مصالح مختلف الأطراف المعنية من حكومة ورجال أعمال.
ومن جهته لم ينكر السيد نور الدين زكري مدير عام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التراجع الذي شهدته الاستثمارات الخارجية المباشرة خلال هذا العام والذي بلغ نسبة 28.8% بالإضافة إلى تضرر بعض المؤسسات الأجنبية الناشطة في تونس إبان ثورة 14 يناير والتي إضطرت بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلى تسريح عمّالها وغلق أبوابها وهو ما شكّل منعطفاً خطيراً في تاريخ الاقتصاد التونسي، إضافة إلى تواصل الإعتصامات والإضرابات التي تخيف المستثمر وتجعله يقرر التوجه إلى دول أخرى أكثر إستقراراً كما حدث مع شركة quot;بومباردييه الكنديةquot;.
وفي المقابل أكد مدير عام الوكالة أن هذا الوضع هو مجرد ظرف إستثنائي وعابر لأن تونس لن تعيش دائما حالة الفوضى والثورات ولن يكون إقتصادها ضعيفاً إلى درجة تجعله يتراجع إلى الصفر ومن منطلق مراقبته الدقيقة لواقع الاستثمار الخارجي يرى محدّثنا أن الواقع الاستثماري في تونس جيد شريطة أن تلغى العراقيل والإعتصامات وقال إن نوايا الاستثمار المستقبلية تتعلق بالأساس بقطاعات جديدة وذات قيمة عالية على غرار البيئة والطاقات المتجددة والسياحة الصحية.
ورغم الاضطراب الذي طرأ على المناخ الاستثماري في تونس فإن الإحصائيات الرسمية تفيد بأنه تمت إقامة 252 مشروعاً جديداً تتوزع إلى 116 مؤسسة جديدة دخلت طور الإنتاج و136 عملية توسعة ساهمت جميعها في خلق 8797 فرصة عمل خلال السنة الحالية.
التعليقات