سيسقط النظام في اليمن حتماً، إن لم يكن بفعل الشارع، فبفعل الانهيار في القطاعات الاقتصادية، حيث تشهد صنعاء إنتكاسة في مناحي الحياة الاقتصادية كافة.


صنعاء:يشهد اليمن حالة من الشلل شبه التام في معظم القطاعات الاقتصادية، وذلك منذ قرابة شهرين، حين نزل المعتصمون إلى الشارع واعتصموا في الميادين، خصوصًا في أكبر أربع مدن يمنية، وهي صنعاء، وتعز، وعدن، والحديدة، إضافة إلى مدن أخرى، كالمكلا وذمار وغيرها.

اليوم يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الريال، حيث وصل إلى أعلى مستوى له، وذلك عند حاجز الـ 240 ريالاً مقابل الدولار، بعدما ظل لفترة طويلة يتراوح بين الـ 200 والـ 219 ريال.

وترفض محال وشركات الصرافة بيع الدولارللمواطنين منذ ما يقارب الشهرين، مرجعين ذلك إلى عدم توافره لديهم.

البنك المركزي كان أقرّ في بداية الأزمة فتح نوافذ بيع للدولار في البنوك الرسمية للحدّ من تلاعب محال الصرافة بسعره، لكن الخطوة لم تتم.

العجز 4 مليارات دولار

على المستوى الاقتصادي الرسمي، تقول بعض المصادر الاقتصادية إن عجز الموازنة العامة لليمن قد يرتفع إلى أربعة مليارات دولار بنهاية العام الجاري، وإنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات العامة، سواء الضريبية أو الجمركية، نتيجة تباطؤ حركة التجارة والاستثمار خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

يقول وزير المالية اليمني السابق الدكتور سيف العسلي quot;كلنا يعلم الصعوبات التي يعيشها الاقتصاد اليمني، حيث تراجعت نسبة النمو في 2010 إلى أقل من 3 %، وهي النسبة التي لم تكن متوقعة، بعدما ارتفع النمو في 2009 إلى 5.5 %، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من المشكلة يعود إلى الأزمة السياسية التي تعصف باليمن.

إلى ذلك، يقول اقتصاديون إن خسائر الاقتصاد اليمني الخاص والحكومي والمختلط قد تصل إلى نحو 1.3 مليار دولار خلال شهرين منذ بدء الاحتجاجات، وفقًا لما قاله محمد صلاح نائب الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة.

ويتهم المعارضون نظام الرئيس علي عبدالله صالح بصرف مليارات الريالات لشراء الولاءات لإبقائه على سدة الحكم، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي كلي.

وفي القطاع المصرفي، قال مصدرمصرفي لـ quot;إيلافquot; إن كثيرًا من المودعين قاموا بسحب ودائعهم، مشيرًا إلى أن أكثر من 50% في البنك الذي يعمل فيه -وهو أحد أهم البنوك الخاصة- قاموا بسحب ودائعهم منذ بداية الأزمة السياسية في البلاد.

وحسب مسؤولين في الغرفة التجارية، فإن الاحتجاجات تسببت في ما يشبه الشلل في القطاع المصرفي، وتسببت في تعثر قد يصل إلى 40 %، حسب التقديرات الأولية، في حين ازدادت نسب البطالة نتيجة توقف المشاريع الحكومية والتابعة للقطاع الخاص، كما توقف القطاع السياحي بشكل تام، وتراجع ضخّ النفط، بسبب توقف عمل بعض العمال الأجانب.

ويقول رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية اليمنية محمد سعيد إن القطاع المصرفي اليمني والصناعي والتجاري والسياحي والعقاري هم الأكثر تضررًا.

في قطاع المقاولات،أوضح رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد المقاولين اليمنيين أمين صالح مهدي أن هناك تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على قطاع المقاولات، مشيرًا إلى أن الشلل الحاصل في المؤسسات الحكومية أثر تاثيرًا مباشرًا على قطاع المقاولات.

قطاع الاستثمارات متوقف

في القطاع الاستثماري، قال رئيس مجلس الأعمال السعودي - اليمني عبدالله مرعي بن محفوظ إن نشاط الاستثمارات السعودية في اليمن التي يتجاوز حجمها أربعة مليارات دولار انخفض بنسبة تصل إلى 80% في بعض القطاعات منذ اندلاع التظاهرات المطالبة بتنحّي الرئيس اليمني على عبدالله صالح في فبراير/ شباط.

وأضاف بن مرعي لرويترز إن الأصول السعودية في اليمن لم تتضرر، إلا أن العمليات التشغيلية تراجعت بنسب مختلفة وصلت في القطاع السياحي إلى 80 %، والخسائر لم تحسب بعدquot;.

ويشكو رجال الأعمال الخليجيين من المعوقات والبيئة الاستثمارية، برغم أن اليمن يملك مقومات استثمارية جاذبة، حيث قال بن محفوظ إن هناك مشاريع عقارية خليجية في اليمن بقيمة 800 مليون دولار، لكنها متعثرة، على الرغم من الانتهاء من 70 % من مراحل بنائها، بسبب تدخلات من شخصيات عسكرية وأطراف نافذة، لم تستطع الحكومة ردعهاquot;.

وتستورد السعودية ما قيمته 150 مليون دولار سلعًا غذائية من اليمن، معظمها منتجات زراعية، إلى جانب الأسماك، فيما تبلغ قيمة الصادرات السعودية للبلاد 600 مليون دولار، وهو ما يمثل 10 % من حجم الواردات اليمنية.

إلى ذلك، توقفت مشاريع أخرى منذ بدء الاحتجاجات في اليمن قبل شهرين، حيث توقف مشروع quot;تلال الريانquot;، وهو اكبر مشروع عقاري في اليمن، والممول من الحكومة القطرية، والذي تصل تكلفته إلى نحو 600 مليون دولار.

وغادر اليمن عدد من الخبراء والعاملين الأجانب في عد من القطاعات النفطية والقطاعات الاستثمارية الأخرى، أهمها عمال الشركة النفطية النرويجية quot;دي إن أوquot;.

وتراجع تسجيل الاستثمارات لدى الهيئة العامة للاستثمار، حيث لم يتم تسجيل سوى ثلاثة مشاريع استثمارية فقط منذ بداية العام الحالي 2011 وحتى الآن، وهي مشاريع في مجال الإنتاج النباتي والحيواني، في مقابل 56 مشروعاً استثماريًا سجلت في الربع الأول من عام 2010.

وبلغت تكلفة هذه المشاريع 142 مليون و878 ألف ريال، مقابل تكلفة استثمارية بلغت 12 مليار و572 مليون و943 ألف ريال خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، موفرة 43 فرصة عمل، في حين وفرت الفترة عينها من العام الماضي ألف و230 فرصة عمل.

ارتفاع في الأسعار

يتخوف المجتمع الدولي من بقاء الوضع الحالي في اليمن لكونه سيؤثر بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي العالميبماأناليمن تطل على مركز ملاحي يمر من خلاله ثلاثة ملايين برميل نفط يوميًا.

الوضع في الشارع لم يعد اعتياديًا، حيث يجد المواطنون صعوبة في الحصول على مادة الغاز المنزلي، التي تحتكر الحكومة بيعه إلى الأسواق المحلية، وقد بلغ سعره أكثر من 300%، في ظل انعدام حاد، خصوصًا في وسط العاصمة صنعاء.

كما تشهد السلع الغذائية ارتفاعًا ملحوظًا، حيث وصل سعر كيس السكر زنة (50 كيلو) الذي كان يباع قبل الاحتجاجات بنحو (9000) ريال يمني إلى أكثر من (12000 ريال).

أما كيس القمح، فقد شهد ارتفاعات تصل إلى (800) ريال على الكيس، إضافة إلى عدد من السلع كزيوت الطبخ والحليب وغيرها.

وحذر الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية في اليمن - في بيان له - من التدهور الأمني الخطر وتأثيره على النشاط الاقتصادي وانعكاساته السلبية على حياة المواطنين.

وأعرب بيان الاتحاد عنquot; قلق القطاع الخاصquot; جراء الوضع الراهن، مؤكدًا تمسكه بحقه في حماية حقوقه المشروعة واتخاذ كل الإجراءات المناسبة بحسب ما تقتضيه الظروف.

وقال إن quot;التدهور الخطر في الوضع الأمني وتزايد المظاهر المسلحة داخل المدن قد أثر على النشاط الاقتصادي وانعكس سلبًا على حياة الناس، داعيًا فرقاء العمل السياسي كافةإلى الاحتكام إلى العقل والحكمة وتغليب مصلحة اليمنquot;.