عقبات تواجه قطاع النفط الليبي بعد الثورة

من المتوقع أن يتركز اهتمام الحكومة التي ستتولى زمام الأمور في ليبيا خلال الفترة المقبلة على تشغيل قطاع النفط وإعادة الإنتاج إلى سابق مستوياته، لكن، وكما تشير صفحات التاريخ، لا يُتَوَقَّع أن تكون تلك المهمة سهلة، حيث سيتطلب الأمر بذل جهد كبير من أجل إعادة تشغيل آبار النفط وإعادة فتح خطوط الأنابيب.


القاهرة: أثرت التغييرات الثورية التي شهدتها إيران والعراق على صناعات النفط في كلا البلدين على مدار عقود، وجاهد الرئيس هوغو شافيز من أجل تحقيق الاستقرار المطلوب لعمليات إنتاج النفط على مدار العقد المنقضي الذي شهد تغييراً جذرياً في فنزويلا.

حتى الثورات الديمقراطية السلمية نسبياً يمكنها أن تلحق أضراراً بالغة بهذا القطاع، حيث تضرر إنتاج النفط كثيراً طوال سنوات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

ولفتت في هذا السياق اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن إنتاج ليبيا النفطي يمر بحالة جمود ظاهري منذ أن بدأ الثوار انتفاضتهم ضد نظام القذافي في شباط/ فبراير الماضي، وتسببهم بذلك في إصابة صناعة أنتجت 95 % من عائدات التصدير في البلاد خلال العام الماضي بحالة من الشلل. وتضخّ البلاد الآن ما يقدر بنحو 60 ألف برميل يومياً، بعدما كانت تضخ في السابق ما يقرب من 1.6 مليون برميل.

وفي وقت تعهّد فيه الثوار بأن يعيدوا المستويات الإنتاجية إلى كامل طاقتها السابقة في غضون بضعة أشهر، فإن معظم الخبراء الدوليين يؤكدون أن العملية تحتاج عامًا على الأقل، وربما أكثر من عام، كي تنجح البلاد في العودة إلى سابق مستوياتها الإنتاجية.

من جهته، قال دانيال يرغين، مؤرخ النفط ورئيس مجلس إدارة شركة آي إتش إس سيرا المتخصصة في استشارات الطاقة: quot;تشير الوقائع التاريخية السابقة إلى أن مهمة إدارة صناعة النفط تكون ضخمة ومعقدة حين تكون هناك حالة من الغموض التام بشأن هوية الشخص المسؤول عن تسيير أمور البلادquot;.

وتابع بقوله: quot;أول شيء عليهم أن يفعلوه هو أن يُقدِّروا حجم الأضرار التي وقعت، ومن سيدير الصناعة. ومن ثم تقوم الحكومة الجديدة بعد ذلك بمراجعةكل العقود والعلاقات الحاليةquot;.

ولفتت الصحيفة إلى أن الأخطار لا تقتصر فحسب على الوضعية المالية للحكومة الجديدة وشعبها، بل تمتد أيضاً لتطال إمدادات النفط العالمية. حيث أوضحت أن انهيار صادرات ليبيا النفطية بسبب الأحداث الأخيرة قاد أسعار النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ 2008، فضلاً عن أن صناعة النفط في ليبيا لم تكن على ما يرام حتى قبل الثورة.

وتابعت النيويورك تايمز بقولها إن من بين المهام التي سيتعين على الحكومة الجديدة أن تقوم بتنفيذها على وجه السرعة هي إيجاد طريقة تُمَكِّنُها من إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية في البيروقراطية المهنية والتفاوض من أجل الدخول في شراكات جديدة مع شركات من أمثال Eni الإيطالية و Repsol YPF الاسبانية، وتحقيق توازن في الوقت نفسه بين الفوائد التي ستُوَزَّع على المناطق والقبائل المتنافسة.

في غضون ذلك، توقع تقرير بحثي أصدرته أخيراً مؤسسة quot;وود ماكينزيquot; للاستشارات بأن ليبيا ستحتاج 36 شهراً كي تتمكن من التعافي واسترداد كامل قدرتها الإنتاجية التي كانت عليها في فترة ما قبل الصراع، بمجرد أن تتوقف أعمال القتال هناك.

وورد في التقرير أيضاً: quot;هذا كله يعتمد على الحدّ من نطاق الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النفطية، ورفع العقوبات الدولية بصورة سريعة، وعودة شركات النفط الدولية والعمال الأجانب في الوقت المناسبquot;.

فيما رأت الصحيفة أن ذلك التقدير قد يكون متفائلاً، حيث لم تعد مستويات إنتاج النفط في العراق بعد الغزو الأميركي، إلى سابق عهدها، إلا بعد مرور ثمانية أعوام. كما إن السجل الخاص بإنتاج إيران النفطي بعد مرور 30 عاماً من ثورتها وحربها مع العراق يبدو كذلك أكثر إحباطاً.

مع هذا، أبدى مايكل ليفي، وهو زميل متخصص في مجال الطاقة في مجلس العلاقات الخارجية، تفاؤله إزاء مستقبل الإنتاج النفطي في ليبيا، التي يختلف وضعها، وسط توقعات بأن يكون النظام الليبي الجديد أكثر انخراطاً مع بقية دول العالم.

وقالت آمي جافي، الخبيرة في مجال الطاقة بجامعة رايس quot;لا تعمل الديمقراطية بالضرورة على زيادة إنتاج النفط. حيث يمكن لأجندات الائتلافات السياسية المتنافسة أن تبطئ العملية الاستثمارية وتستنزف الأموال من الصناعة وتعرقل عملية صنع القرار في مشاريع تقنية معقدةquot;.