بينما تتعرّض اليونان لضغوط شديدة نتيجة كثرة الديون الملقاة على كاهلها، حتى باتت على وشك الإفلاس، أُجبرت على تطبيق تدابير تقشف صارمة لخفض العجز وتأمين الحصول على خطة إنقاذ دولية. لكن مع تهاوي الاقتصاد اليوناني، بدأ المنتقدون يفحصون الأجواء المُدَمَّرة هناك، ويتساءلون: هل يحقق التقشف نتائج إيجابية بالفعل؟.


إجبار اليونان على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب أدى إلى اندلاع الاحتجاجات

لفتت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أن البطالة ارتفعت إلى 18.8 %، بعدما كانت 13.3 % فقط في العام الماضي. كما تواجه المستشفيات العامة المكتظة نقصاً حاداً في كل شيء، بدءًا من الحقن وانتهاءً بالأربطة، بسبب التخفيضات التي طرأت على الميزانية. كما تزايدت معدلات التشرد والانتحار والجريمة وحالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، نتيجة تعاطي المخدرات عن طريق الحقن.

ومضت الصحيفة تقول إن اليونان أُجبرت على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب في خضم موجة الهبوط الحاد، كما قامت بخفض المعاشات، وكذلك رواتب موظفي الدولة، إلى جانب تقليص عدد الوظائف والخدمات. ومع تبخّر ثقة الناس، تراجع معدل إنفاق المستهلكين، الذي يعتبر أكبر محرك للاقتصاد، ما ألحق خسائر كبيرة بالشركات الخاصة.

وهو ما أسفر عن حدوث انخفاض اقتصادي مذهل، وأدى إلى نشوب أزمة اجتماعية، كانت سبباً في تركيع تلك الدولة، التي تعتبر مهداً للحضارة الغربية. وواصلت الصحيفة حديثها بنقلها عن ديميتريس فارنافاس، رئيس اتحادات رابطة أطباء المستشفيات اليونانية، قوله: quot;لقد تدهورت الأحوال بصورة دراماتيكية للغاية، حتى بات الأطباء هنا يعتقدون الآن أن الأزمة اليونانية لم تعد مجرد أزمة مالية، وإنما أزمة إنسانيةquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن المتاعب الاقتصادية، التي تمر بها اليونان، بدأت تزيد من حدة النقاش الدائر حول آلية إصلاح المشكلات المالية، التي تعانيها القارة الأوروبية، التي ربما تؤثر على صناع السياسة الأميركيين، في وقت يعملون فيه على خفض الميزانية.

وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، قد قلبا الطاولة يوم الاثنين الماضي على اليونان، بإشارتهما إلى أن صفقة إنقاذ البلاد معرّضة لخطر الانهيار، ما لم تسرع أثينا في الإيفاء بإصلاحات الميزانية، التي سبق وأن تعهدت بها، وأتمت اتفاقية مع حاملي السندات لتعيد طوعاً هيكلة ديونها الضخمة.

لكنهما اعترفا في السياق عينه بأن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات جديدة تعنى بمواجهة حالة التباطؤ، التي يشهدها النمو في منطقة اليورو. ويرى أنصار تدابير التقشف أن اليونان يجب ألا تلوم سوى نفسها. فبعد مرور عقد من الاقتراض والإنفاق الزائد، ظهرت أدلة في أواخر عام 2009 على أن المسؤولين اليونانيين كذبوا بشأن نطاق العجز الضخم، الذي تعانيه الدولة. ومن هنا كانت الشرارة الأولى لأزمة الديون الأوروبية.

بعدها، أبرزت الصحيفة التداعيات الوخيمة، التي رافقت الأزمة داخل اليونان وخارجها، في ظل ما يتم بذله من جهود على هذا الصعيد منذ ذلك الوقت بغية احتواء الأمر والحيلولة دون اتساع نطاقه. مع هذا، نوهت الصحيفة بأن منتقدي نظرية التخفيضات السريعة بدأوا يتحدثون على نحو متزايد عن تفاقم الركود، باعتباره دليلاً على أن الدواء يقتل المريض، في وقت أدى فيه التراجع الحاد والمستدام في الدولة إلى تحدث بعض الاقتصاديين عن أن الدولة دخلت هبوطاً أكثر خطورة.

هنا، قال أندونيس باباغيانيديس، الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير quot;إيكونوميك ريفيوquot; اليونانية: quot;أرى أن تلك الفكرة المرتكزة على الإكثار من التخفيضات والضرائب لن تكون مُجدية. فقد دفعت باليونان نحو هبوط، لا تلوح له في الأفق أي نهاية. فهم يريدون الحصول على لبن، لكنك لا يمكنك الحصول عليه عن طريق قتل البقرةquot;.

ثم تحدثت الصحيفة بعد ذلك عن تسبب تلك الأوضاع في ظهور طبقة جديدة من الفقراء في اليونان. وقال مسؤولون في مدينة أثينا وآخرون من منظمات غير ربحية إن الأعداد المتزايدة لـ quot;الفقراء الجددquot; (الذين زادوا بنسبة وصلت إلى 25 % منذ بدء الأزمة بشكل جدي في عام 2010) تعكس تأثيرات الدواء الاقتصادي، الذي تم فرضه على اليونان، وعلى غيرها من الاقتصاديات المتعثرة داخل القارة العجوز.

وبعد سردها لمزيد من تفاصيل الأزمة التي تعيشها اليونان، وما تقوم به من محاولات مضنية منذ أكثر من عامين للخروج من تلك العثرة، أكدت واشنطن بوست أن اليونان ليست حديثة العهد في الفوضى الاقتصادية، لافتةً إلى أنها سبق وأن عاشت عقود من الأزمات، التي كانت تحاصر الميزانية مع ارتفاع مستويات التضخم، إلى أن تحقق الاستقرار مع اعتماد اليورو منذ عقد من الزمان.

فيما أشار منتقدون، وفقاً لما أوردته الصحيفة الأميركية في ختام حديثها، إلى أن التخفيضات الحالية تعمل على تفاقم أزمة اجتماعية متنامية هناك، وخاصة في قطاع الصحة العامة.