نسرين عزالدين : لم يخيل لي أنني سأتحول الى ما أصبحت عليه الأن، لم أكن أعلم أن إقتراف جريمة قد يكون حل يمكنني من الإنطلاق الى افق أخرى مختلفة تماما عن كل ما ظنت انني أعلمه . لم أعلم أنني أملك تلك القدرة .لقد صدر الحكم ..جريمة من دون سابق إصرار وتصميم اي قضاء وقدر..والحكم أتى مخففا لأنني ووفقا لتشخصيهم ..أعاني من إضطرابات نفسية حادة . كنت أعلم أنها مسألة وقت قبل أن أقدم على تنفيذ جريمتي ، لقد تخيلتها مرارا وتكرارا في رأسي ، وهذا يا حضرة القاضي يعد سابق إصرار وتصميم .. هذا ما إرتأيت حضرتك ألا تراه لسبب ما لا أعلمه ، ربما لأنك أبله وربما لأنك تعاطفت معي أو ربما لأنك في داخلك وددت لو تقدم على ما أقدمت عليه .
الأن سأروي قصتي وخلافا للمتوقع لن أقدم على الإنتحار، فلا ذنب يثقل كاهلي ولا حزن يتمكلني ولا عار يلزمني على إحناء رأسي .. كل ما أشعر به الأن هو ذلك الغضب العارم الذي إجتاحني حين قتلتها .

لم أحبها يوما ، كنت أشعر بالضيق كلما رأيتها وكلما تعالى صوتها .. يا إلهي كم كنت أكره سماع صوتها . كنت أحاول جاهدة أن أنقل نفسي إلى مكان اخر وأسمع كل ما يمليه عقلي كي لا أسمع صوتها . لم القي باللوم عليها يوما ، كانت إمرأة أنانية لديها من المشاكل ما يكفيها ، فجعلتني مساحة لتنفيس إحباطها ..لم أخذلها يوما كنت دائما بإنتظارها امتص غضبها بجسدي الصغير وأتلقى إهانتها بكبريائي ..كنت دوما هناك انتظرها كي تعود وكم كنت أكرهها حين تعود .
وهكذا توالت الأيام واستمرت الحال على ما هي عليه حتى قررت يوما أنها لا تعنيني ولم أعد أريد أن أمتص غضبها أو أتلقى إهاناتها .اتت لزيارتي في ذلك اليوم ، ولم تجدني ..لم تبحث عني بل عادت أدراجها . حاولت الا اشعر بخيبة أمل جراء قلة إكتراثها فلقد حققت هدفي وحان الوقت كي أبحث عن مكان أفضل .


لعل السعادة وهم إنتقائي ، تختار من يحلو لها وتبتعد قدر المستطاع عن من لا يحلو لها ، وعلى ما يبدو فإنني لست من النوع الذي تستسيغه .فقررت حينها أنني لن اسع خلف من لا يريدني ، فتخليت عن فكرة السعادة وشرعت أبحث عن حياة مختلفة . حملت أشيائي القليلة وهربت .. ركضت بعيدا .. ركضت حتى استنفذت كل طاقاتي وحين توقفت لأرى أين أصبحت وجدت نفسي في لامكان .جلست التقط أنفاسي لاضع خطة جديدة . وفجأة سمعت صوتها .كانت هناك أمامي .تتكلم بلا إنقطاع رمت بقرفها على كاهلي المتعب وأخذت تراقبني أذوي شيئا فشيئا .حدقت بي بقوة ثم مدت ذراعيها وانتشلتني . كرهتها أكثر لإنقاذي وكرهت نفسي لأنني سمحت لها بإنقاذي، أجهشت ببكاء مرير ..إنهمرت دموعي بلا هوادة. اعتقدت إنني أبكي من أجلها ، فاحتضنتني فرحة بتوبتي . إختنقت من قربها وكرهتها ..كرهتها بكل ما أملك من قوة ، ابتعدت عنها بسرعة .اخذت بيدي ...وعادت الامور الى ما كانت عليه .

من المرجح إنني فقدت أي استيعاب لما يجري من حولي ،البعض اعتبرني quot;شابة مسكينةquot; فقدت عقلها باكرا والبعض الاخر نصحني بتعاطي الادوية . لكنني لم أكن أي من تلك الصفات ، كنت اعلم تماما ما أنا عليه .. فتاة منحتهم جسدا وإحتفظت بكل ما تبقى لنفسها . استغلت تلك الفرصة التي اعتبرتها استسلاما فشرعت ببناء قفص كي تمنعني من الهرب منها مجددا ، راقبتها وهي تعمل بلا كلل او ملل ليلا نهارا كي تنتهي منه قبل صحوتي .راقبتها وهي نائمة ، كنت اتمعن في تفاصيل وجهها واكرهها .
تسللت الى غرفتها بهدوء وجلست اراقبها كما كل يوم ..جلست بلا حراك انظر اليها وفجأة فتحت عيونها ،لم اتحرك من مكاني نظرت بخوف بإتجاهي . التقطت الوسادة ووضعتها على وجهها أخذت تصارع وتعاند ، اغمضت عيوني و أكملت مهمتي بكل ما املك من أمل بإختفائها ..حاولت الا اسمع صوتها المكتوم ، وفجأة استكان جسدها بعد ان ادمت يداي وجهي وهي تصارع من اجل بقائها . رفعت الوسادة ببطء .وكانت هناك ميتة ..ميتة وبقوة .
جلست في زاوية الغرفة أراقبهم وهم يحاولون إيقاظها من نومها ، سمعت صراخهم وبكائهم .. رأيتهم يرفعون جسدها بحزن كبير وخجل اكبر . اقتربت منهم لاكتشف سبب هذا الخجل الغريب ..quot;لا احد يعلم لماذا اقدمت على الانتحار quot;.. نظرت باتجاه الصوت quot; لكنني لم انتحر أيها الاحمق quot;. quot;يقال أنها فقدت صوابها مؤخراquot;.. صرخت quot; لم أنتحر اتسمعني quot; حاولت ان افسر له .. لكنه إختار ألا يسمعني وفضل سجني في صندوق خشبي وإخفائي تحت التراب ..لقد سجنني كي لا يسمع قصتي .

[email protected]