فالح الحُمراني من موسكو: العمل الادبي العظيم يظل مشروعا حيويا لكل العصور، وبينما يحافظ على جوهره كماسة نادرة، فان الوانه كالبحر تتغير لتنسجم مع العصر لتعكس ايضا تطلعاته وهواجسه ومعاناته. وها هي رواية الدون الهادي الملحمية لميخائيل شولوخوف تعود من جديد بعد عدة مرات من انتاجها سينمائيا، بعيون جديدة، ولمشاهد اخر. وبدا التلفزيون الروسي quot; القناة الاولىquot; عرض الملحمة السينمائية للمخرج الكبير سيرغي بوندرتشوك.
والراوية التي كان يضفى عليها في زمن الاتحاد السوفياتي او يؤكد فيها على البعد الايديولوجي تعرض اليوم كقصة حب متقلب وعاصف ومرير، وعرضا لدوامة العلاقات بين البشر بكل ما فيها من شرور ونقاء وخيانة وشرف... في محيط شعب القوزاق الذي يمتاز بهويته الخاصة وفي زمن الحروب والهزات الاجتماعية والمنعطفات التاريخية. واخذ العرض بالحسبان ذوق الملتقي المعاصر لاسيما الغربي. وتميز الانتاج الجديد ايضا ولكونه صور في زمن غابت فيه الرقابة الحكومية والحزبية واستبدلت بالذوق الرفيع المهني ورؤى المخرج بمشاهد جديدة من الرواية. وترصد في المسلسل ان يدا غير روسية اجنبية او قل غربية عزفت الموسيقى المرافقة ومسكت بالة التصوير، انها مدرسة اخرى، مما يرى البعض فيه فقدان الروح الروسية او اضعافها في الفيلم.ويتجلى هذا ايضا في اللهجة التي طغت عليها المعاصرة البعيدة عن لهجة القوزاق.
وكان المخرج الكبير سيرغي بوندرتشوك صاحب الحرب والسلام وغيرها من الملاحم السينمائية قد ادرج في برنامجه منذ زمن طويل اخراج الدون الهادئ مسلسلا تلفزيونيا بقراءة عصرية جديدة، تتميز عن القراءات السينمائية الاخرى. بيد انه عجز في نهاية ثمانينات القرن الماضي الحصول على التمويل لمشروعه الضخم.
ولفت المشروع في تلك الاثناء المنتج السينمائي الايطالي فيتشينتسو ريسبولي وعرض على بوندارتشوك تصوير الفيلم باللغة الانجليزية وتمثيل الانجليزي روبرت افيرتوم والفرنسية دلفينيا فوريست بدور الشخصيتين الرئيستين في الدون الهادي غيورغي مليخوف واكسينا.
وشرع بندرتشوك بتصوير الفيلم مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الرئيس غورباتشوف عام 1991.ومن ثم اعلن الشركة المنتجة افلاسها.واحتجز بنك ايطالي الشريط السينمائي الذي تم تصويره.
وفي 1991 توفى سيرغي باندرتشوك بتاثير الصعوبات المتلاحقة التي تعرض لها بما في ذلك المتعلقة باستكمال عمله الاخير الذي ظل غير منتهي. وبعد بحث استمر 13 عاما وبدعم من وزارة الثقافة والخارجية الروسية ومؤسسة موسفيلم وعدد من الشخصيات الثقافية جرت اعادة فيلم بندرتشوك لروسيا.وبفضل المذكرات والملاحظات التي خلفها المخرج جمع العمل المصور وتم تصويته.وقد تولى اعمال المونتاج ووضع اللمسات الاخيرة على المسلسل لير النور نجل المخرج فيدور بوندرتشوك وهو ايضا مخرج معروف بروسيا.ووفقا لرايه فان المسالة الرئيسية في الفيلم بالنسبه لابيه قصة الحب اكسينا وغيورغي وان سيرغي بوندرتشوك صور قصة حب. وقال فيودر بندرتشوك انه سعى للحفاظ على ذلك المسار.وظهرت صعوبات امام فريقية في قضايا توصيل الاشرطة ومن دبلجة الفيلم كونه صور في بداية الامر باللغة الانجليزية.
و كان بندرتشوك قد بدا حياته مخرجا بتحويل اعمال ميخائيل شولوخوف الروائية الى افلام سينمائية : ففي عام 1959 قام المخرج الشاب بتصوير quot; مصير انسانquot; الذي كانت له اصداء واسعة. ومن ثم اخرج quot;المحاربون من اجل وطنهمquot; عن الجنود الروس في الحرب العالمية الثانية وتحول عمل شولوخوف الثالث quot;الارض البكر حرثناهاquot; ايضا الى عمل سينمائي.