في العاشر من نوفمبر الجاري يلتقي في البيت الأبيض الرئيس اليمني الزائر لواشنطن علي عبدالله صالح مع الرئيس الأميركي جورج بوش، في ختام زيارة يبدو أن الجانب اليمني يضع لها أهمية كبرى حيث أن الحديث عنها لم يتوقف في الصحافة اليمنية منذ أكثر من شهرين. ويعتقد بعض المتابعين للإعلام اليمني الرسمي أن واشنطن بدأت تتزين بحلة قشيبة لاستقبال الرئيس اليمني، وربما ترفع صوره على طول الطريق من المطار إلى مقر إقامته، ويصطف طلبة المدارس الأميركيون للتصفيق والتهليل للزائر القادم. والحقيقة أن واشنطن لم يصدر عنها أي شئ حتى الآن عن الزيارة سوى تصريح مقتضب من البيت البيت الأبيض يتألف من سطرين ونصف السطر أو على وجه التحديد 42 كلمة تعبر عن المختصر المفيد.
وتحدد هذه الكلمات بشكل واضح ماذا تعني الزيارة للجانب الأميركي، حيث أشار التصريح المقتضب الصادر عن البيت الأبيض إلى محورين مهمين للمحادثات هما " أجندة بوش للحريات، والتعاون في مكافحة الإرهاب".
استقبال رئيس دولة من دول العالم الثالث لن يستغرق سوى أقل من ساعة بسبب جدول واشنطن المزدحم بالكثير من اللقاءات والمحادثات، إضافة إلى أن زيارة الرئيس اليمني تأتي في وقت غير مناسب للإدارة الأميركية الحالية الغارقة في سلسلة من الفضائح والصعوبات الداخلية وتحتاج للتركيز على الخروج منها قبل الاهتمام بقضايا خارجية جديدة.
ومع ذلك فإن البيت الأبيض كان صريحا وومحددا فيما سيطرحه على الرئيس اليمني وهما الموضوعان المذكوران آنفا " الحرية، والإرهاب". ومن اللافت للإنتباه أن طرح موضع الحرية جاء في سياق أجندة الرئيس بوش وفقا للنص الحرفي لبيان البيت الأبيض وهذا يعني أن الإدارة الأميركية ستثير موضوع تراجع الحريات في اليمن وهو التراجع الذي لا يتماشى مع أجندة بوش ولا يتماشى مع الزعم بأن اليمن تتبنى ديمقراطية ناشئة.
أما موضوع التعاون في مجال الإرهاب فإذا كان التعاون قائما حاليا فماهي الحاجة لإعادة طرحه على مستوى الرئيسين، إلا إذا كان الجانب الأميركي له ملاحظات على تفاصيل هذا التعاون.
وملاحظات الجانب الأميركي لا بد أن تشمل موضوع الحسابات المصرفية التي ترفض الحكومة اليمنية تجميدها والتي تعود لأشخاص وجهات مدرجة في قوائم الإرهاب الدولية. كما سيطرح موضوع الوضوح في مكافحة الإرهاب أو حسب تعبير بوش " إما معنا أو ضدنا" وليس حسب السياسية اليمنية المتبعة " قدم مع الإرهاب وأخرى مع مكافحته".
كما سيطرح الجانب الأميركي موضوع معتقلي غوانتانامو الذين تريد الولايات المتحدة تسليمهم لليمن، وقوبلت بصد من الحكومة اليمنية إلى ما قبل الزيارة حيث يلوم الأميركيون الحكومة اليمنية بأنها من بين حكومات قليلة في العالم ترفض تسلم مواطنيها وتفضل إبقائهم في غوانتانامو على سجنهم في أراضيها، وربما أن قليلين في اليمن يعرفون أن حكومتهم هي التي ترفض قبول المعتقلين وليست الحكومة الأميركية التي ترفض تسليمهم.
ولكن الجانب اليمني لديه في المقابل أوراق قوية لو أراد ان يلعبها من بينها الاحتجاج على المعايير المزدوجة التي ينظر بها البيت الأبيض إلى قضايا الحريات. فلكي تنجح الولايات المتحدة في الترويج للحرية في بلد مثل اليمن عليها أن تبدأ بتطبيق الحرية في غوانتانامو، فما يجري في غوانتانامو من احتجاز لحرية البشر دون إحالتهم للمحاكمة يمثل انتهاكا لكل القيم الإنسانية ولا يساعد مطلقا الجهود الأميركية في الحديث عن الحريات في العالم إن لم يقوض هذه الجهود بقوة. كما أن قضية الشيخ المؤيد المعتقل في الولايات المتحدة يمكن إثارتها لو أراد الجانب اليمني ذلك لأنها قضية سياسية تحولت إلى جنائية بسبب معلومات مظللة قدمها موظف متحامل على الرجل عمل مع سلطات الأمن اليمنية لأكثر من عشرين عاما وتعرف هذه السلطات أكثر من غيرها مدى كذبه وتجنيه. وحتى لو افترضنا جدلا أن الشيخ المؤيد ورفيقه المعتقل معه في أميركا مذنب فعلا وفقا للقوانين الأميركية فإن الإفراج عنه بقرار سياسي يمكن أن يخدم الدبلوماسية العامة الأميركية ويخفف إلى حد كبير من مشاعر الكراهية لأميركا في المنطقة العربية وفي اليمن على وجه الخصوص. وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تغامر بسمعتها مستقبلا فعليها أن تختار الأسماك الكبيرة لردع الإرهاب عن طريق اعتقال تلك الأسماك الكبيرة وليس الاساءة لسمعتها باعتقال أمثال الشيخ المؤيد الذين فاقت جهوده في توزيع الخبز على الفقراء كل التجاوزات الأخرى غير المحظورة في القانون اليمني.
وفيما يتعلق بالحريات أيضا فإن تركيز الجانب الأميركي عليها يعطينا مؤشرا على أن الإدارة الأميركية تعتزم طرح موضوع التداول السلمي للسطة في اليمن وتحويل رغبة الرئيس اليمني بعدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى حقيقة واقعة بحيث يمهد خلال ما تبقى له من الفترة الرئاسية الحالية لانتخابات حقيقية لا يعرف أحد من الفائز فيها إلا بعد انتهائها على أن يتحول هو لو شاء إلى حارس للديمقراطية الوليدة أو لنقل إلى خامئني آخر لأن إيران أقرب إلى اليمن في تركيبتها الاجتماعية وربما السياسية.
ولكن.. وحسب معلومات خاصة جدا فإن الجانب اليمني يأتي للبيت الأبيض مستعدا بفكرة جديدة فحواها أن شخص الرئيس لا يرغب بالترشيح ولكن المصلحة العليا للبلاد تقتضي منه أن يتولى الرئاسة لفترة إضافية جديدة تكون بمثابة فترة انتقالية نحو الديمقراطية والتبادل السلمي للسطة.
ويظن الجانب اليمني أن البيت الأبيض سيكون سعيدا بفكرة الفترة الانتقالية الجديدة في حين أن الجانب الأميركي يتمنى أن تكون الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية هي الشهور القليلة المتبقية للرئيس صالح وليس فترة رئاسة كاملة يمكن أن تحرم بوش من نشوة تحقيق الديمقراطية في بلد عربي جديد عن طريق تغيير سلمي لرئيس عربي مضى عليه في السلطة أكثر من ربع قرن. وتعرب مصادر أميركية عن خشيتها من أن يعود الرئيس صالح من واشنطن إلى عدن للبدء في خطوات تنفيذ الفترة الانتقالية الطويلة التي تؤكدها مصادر يمنية رفيعة المستوى بأنها ستبدأ بإخراج ثلاثة ملايين يمني للتظاهر والمطالبة ببقاء الرئيس صالح في الحكم تزامنا مع عقد مؤتمر الحزب الحاكم الذي من المقرر أن يصر على إعادة ترشيح الرئيس بحجة طريفة هي أنه لم يعد ملكا لنفسه بل هو ملك الشعب اليمني ولا يجوز أن يتخلى عن الرئاسة بمثل هذه البساطة.
ويحذر خبراء أميركيون في الشأن اليمني من أن فترة انتقالية جديدة بمثل هذا الإخراج قد تزعزع استقرار البلاد لأنها تعني فقدان الأمل نهائيا من أي تغيير سلمي ينتشل البلاد من أوضاعها الراهنة التي وصلت إلى درجة خطيرة من التردي.
ويرى هؤلاء الخبراء أن السبيل الوحيد لانقاذ البلاد من اضطرابات قد تؤدي إلى تفتيتها هي القبول بمرشحين أقوياء من خارج السلطة الحالية للتنافس على المنصب الأول في البلاد مع تقديم ضمانات للرئيس الحالي وأسرته وجميع المقربين منه بعدم التعرض لهم أو لمصالحهم، في حال عدم ترشيح علي عبدالله صالح لفترة جديدة، وعدم اللجوء للثأر السياسي في اي مرحلة مقبلة. ولكن هذا الرأي يبدو أنه لا يتوافق مع الواقع اليمني ولا يتماشى مع ما اعتاد عليه الزعماء العرب من تمسك بالسلطة حتى الوصول إلى آخر النفق المغلق.
وتبدو المشكلة في اليمن أكثر تعقيدا لأن القوى الداخلية والخارجية المشاركة في السلطة والمعارضة على حد سواء أصبحت مجمعة على التغيير في حين أن قرار التغيير السلمي مازال بيد رأس السلطة التي عجزت عن تغيير الواقع الاقتصادي المتردي للشعب اليمني طوال العقود الماضية رغم استخراج الثروة النفطية. ومتى ما تصاعدت مطالب التغيير، وتفاقمت الأحوال سوءا فإن ما جرى في اندونسيا قبل الإطاحة بسوهارتو يمكن أن يتكرر في اليمن، مع ملاحظة أن انتشار السلاح يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة تهدد وحدة البلاد وتنذر بحرب أهلية على الطريقة الصومالية بعد سياد بري. فهل يدرك الرئيس صالح أن السبيل الوحيد للحفاظ على تاريخه السياسي هو عدم تحطيم كل ما تحقق سابقا، وعدم التمسك بفترة انتقالية قد تتحول إلى فترة انتقامية بتوافق داخلي وخارجي ربما يغذي انتفاضة جديدة للجياع تأكل الأخضر واليابس وهو ما لا يتمناه أحد لليمن. الإجابة على هذا السؤال سوف تتضح قبل الثامن من ديسمبر المقبل الموعد الجديد لعقد مؤتمر الحزب الحاكم.
صحفي يمني أميركي
- آخر تحديث :
التعليقات