يشكل الأمن في العراق القاسم المشترك الذي تطالب به كل الجماهير العراقية بصرف النظر عن أديانها وقومياتها ومذاهبها واعتقاداتها السياسية، وإذا كانت هذه المطالبة التي لم تنفك تتحمل مسؤوليتها الحكومة والأحزاب المشتركة في العملية السياسية دون استثناء، فأن الناس لم تلمس جدياً مايدلل على أن الحكومة وضعت الخطط والفعاليات التي تستطيع إيقاف الإرهاب والسيطرة على الأمن والاغتيالات الجارية يومياً، والتي تأكل من أرواح العراقيين مالا تتحمله العقول، فقد كثرت الوعود وطال أمد الزمن الذي يموت فيه العراقي.
ولم يزل المواطن العراقي يطالب بالأمن والسيطرة على الوضع وتطبيق أحكام القانون بشدة وبسرعة وبشكل متساوي على الجميع دون استثناء ودون محاباة أو مجاملة، وليس من المعقول إن يتم الإعلان عن القبض على إرهابيين ومتهمين اعترفوا بارتكابهم أبشع الجرائم وأخطرها دون إن نلمس أية محاكمة عادلة وسريعة وعلنية، ودون أن نلمس أية جدية في أن تنال هذه المجاميع قصاصها العادل وفق القانون، ونسألهم الى أين يمضي هؤلاء ولماذا تختفي قضاياهم ؟؟ ولامن مجيب !!.
ومما يزيد الأمر غرابة أن تكون الأحكام الصادرة بحق هؤلاء لاتتناسب قطعاً مع أفعالهم الإجرامية، ولامع خطورتها وسط المجتمع المفجوع، ولاحتى مع الوضع الاستثنائي الخطير الذي يعيشه المواطن العراقي، ولا تتطابق حتى مع أحكام قانون العقوبات العراقي.
فأذا كنا نعيش ضمن فترة استثنائية ينبغي منطقياً إن تحكمها النصوص الاستثنائية، وإذا كانت هذه الفترة تمثل هجمة شرسة من قوى وتجمعات تريد النيل من شعب العراق ومن نظامه الفيدرالي الديمقراطي الجديد وتحاول إيقاف تطبيق تحوله المفترض نحو الديمقراطية، يتوجب علينا إن نتصدى بحزم لهذه الهجمات بشكل يتناسب مع خطورتها وقدرتها على إحداث الضرر والأذى بين الناس.
بحاجة لقوانين طوارئ وقوانين مؤقتة على الأقل لحماية المواطن من الجريمة التي بدأت تنتشر كما ينتشر السرطان في الجسد، قوانين يتم تطبيقها بصدق وعلى الجميع و بسرعة للحد من هذا الانتشار، وحتى يشعر المجرم الذي يقف بالانتظار أن قصاصاً عادلاً يتناسب مع حجم جريمته ينتظره فيحجم عن ارتكاب فعلته الإجرامية، أو على الأقل يعيد النظر في حساباته، وان يتم استغلال كل الأسس والأمور التي تجعل المواطن طرفا في هذه المعركة ليشارك في حماية عياله ونفسه في المشاركة والتصدي لزمر الإرهاب ومجموعات الأجرام، وفي التصدي لهذه المجموعات من اجل حماية عائلته وحماية ممتلكاته من هذه الزمر التي تعيث فساداً في الحياة العراقية، ومن الغريب إن تتكاتف وتتجمع كل قوى الشر والإرهاب وتتوفر لها كل مستلزمات الأعلام والحركة والأموال والمساندة، في حين لم تزل كل قوى الخير والشرائح العراقية متفككة ومختلفة لم يوحدها موت الأبرياء والأطفال، ولا جميع ما يحدث للعراق والعراقيين، وكأن الأمر لايعنيها، ولم تزل باختلافها هذا تمنح الإرهاب والشر كل الفرص التي تزيد من خسارة العراقيين.
وإذا كان القاسم المشترك في مطالبة المواطن العراقي لهذه الحكومات التي سطرت وعودها بالقضاء على الإرهاب وفشلت فشلاً ذريعاً لم تستطع معه حتى إن تبرر الأسباب الحقيقية لهذا الفشل، أوأن تقدم اعتذارها للعراقيين تزامناً مع منعها التجوال في بغداد أو في بقية المحافظات، أو غلقها للطرق ووضعها الحواجز الكونكريتية ومعوقات الطرق، و الحكومة الحالية وهي حكومة شرعية ووطنية عليها أن تعلن للناس حقيقة مايجري، ودون ذلك فالحكومة تخفي عن الناس أمراً مريباً وعظيماً ستتحمله أمام الله والتأريخ ولن يرحمها أحد، فالأمن مطلوب توفيره للناس قبل إن يتوفر الخبز، فأذا لم تكن صريحة في مثل هذه الأمور المهمة والدقيقة من تفاصيل الحياة العراقية، فمتى تكون صريحة مع شعب العراق ؟ وتحت أية ظروف ستكشف الحقائق ؟ ومتى تعرف الناس حقيقة ما يجري ؟
وإذا كان القاسم المشترك للعراقيين أن تقوم الحكومة بالسيطرة على الوضع وتطبيق حكم القانون، فعلينا جميعاً أحزاباً وشخصيات وميليشيات وتجمعات وجمعيات أن نساهم في هذا الأمر، فلا جيوش متعددة في دولة واحدة، ولا أسلحة تنتشر بشكل غير قانوني في البيوت العراقية، ولا مجال لإيواء المجرم أو الإرهابي مهما كان الستار الذي يتبرقع به، وان نتساند ونتعاضد من أجل أعادة الحياة العراقية الى بساطتها وطيبتها، وما عرفت عنه من أمان كنا نحسد عليه قبل زمان الطاغية، ودون هذه المساعدة والمساندة لن تستطيع لاالحكومة الحالية ولا التي تليها ولادبابات الاحتلال القضاء على الإرهاب والسيطرة على الوضع الأمني في العراق.
ولنساهم معاً في تجسيد قاسمنا المشترك في حفظ دماء إخوتنا وأهلنا وأطفالنا مهما كانت مذاهبهم ودياناتهم وقومياتهم،فليس من المعقول أن يموت الإنسان في العراق بسبب انتماءه المذهبي أو الديني، ولنساهم معاً في إنهاء مظاهر حمل السلاح وحيازته بعد إن نجد ما يدلل على إن القانون يحمي الجميع، بوعي الناس وبتسليم السلاح الى السلطة أو بيعه لها، وبمعاقبة حائز السلاح عقوبة تتناسب مع حجم الخراب والأجرام الذي عم العراق، وحتى نضمن أن يكون السلاح بعيداً عن أنظار أطفالنا حتى لانرعبهم ونخدش أبصارهم ووجوههم الحلوة بأشكال الأسلحة المرعبة، وحتى لاتصير الأسلحة لعبتهم المفضلة، بعد إن يطمئن العراقي بوجود أجهزة تحميه وتصون كرامته وتفديه بروح منتسبيها.
وإذا كانت الفرحة العراقية في القضاء على رمز من رموز الأجرام والإرهاب في العراق، فأن الأمر يدعونا للمطالبة بالكشف عن المجموعة التي تؤويه، والعناصر التي توصل له السلاح وتمده بالمال، العديد من التفاصيل التي لاينبغي إن تبقى سرية على المواطن العراقي، بانتظار أن يكشف التحقيق أسماء المتعاونين معه ومع كل العناصر الإرهابية والإجرامية من اجل قتل أخوتهم، وأسماء الجهات التي تتواصل معه وتسهل له عملياته الإجرامية وتبث له الأشرطة والصور وتحرض على القتل الطائفي وتحث على إشعال فتيل الحرب الأهلية، فقد كثرت المزاعم والأقاويل، وتعددت التصريحات التي تتحدث عن اعتقال المئات بل الآلاف من الأشرار دون إن نلمس ما يؤيد ذلك أو يدعم تلك التصريحات.
لم يزل المواطن العراقي الجريح ينتظر ليس الثأر بعد إن فقد فلذات الكبد، وإنما أن يسود القانون والأمن في ربوع بلدنا الحبيب لإيقاف دورة الموت ونزيف الدماء الجاري، فقد مضى زمن ليس بالقصير توقف فيه عراقنا من الترميم وإعادة البناء، لابل أزداد خراباً واندثارا فوق ما خلفه لنا نظام صدام من خراب في النفوس والبلاد، وتخلفنا عن مواكبة العصر وبلاد الله، علينا إن نلحق بركب الدنيا واستعادة ما قطعه النظام المقبور من مستقبل، وان نحاول أن نلم الشمل ويداً بيد من اجل أعمار العراق.
ليس فقط القوة والسرعة في اجتثاث الإرهاب حتى يمكن إن نقضي عليه لئلا ينتقل من منطقة الى منطقة أخرى، إنما يستدعي الأمر تكاتف كل القوى العراقية الوطنية في توحد وطني للقضاء على زمرة الإرهاب والشر وإيقاف حمامات الدم والقتل العشوائي والاغتيالات التي تعم العراق، حينها نستطيع أن نبدأ الخطوة الأولى في تطبيق القانون والشروع بإعادة الأعمار وترميم جدران العراق الخربة التي حفرتها معاول الدكتاتورية وأظافر الطغيان، بالتوحد الوطني نرسم القواسم العراقية المشتركة في حماية أرواح الناس ودرء الخطر الذي يحيق بالعراق، وهي مهمة وطنية تسمو على كل المهمات، وترتفع على كل الخلافات.
كل الضحايا البريئة التي انتقلت الى بارئها تشكوه ظلم الإنسان وأجرامه، وكل الدماء الزكية التي أريقت على أرض العراق تزيده طهارة وعبقاً ولن تنهيه أو تمسحه من الخارطة، وكل وجوه الأطفال الحزينة التي تزيد وجه العراق حزناً ولكنها لن تشطب على ضحكاته وابتسامته أبداً، وكل وجوه العراقيات الحلوات الشاحبات خوفاً ووجلا على أهلهن وحياتهن لن تلغي هلاهل الفرح، كل العراقيين الذين لم يزلوا يتمسكون بالعراق ورسم مستقبله يسكن أرواحهم وفي بؤبؤ عيونهم، كل هؤلاء يريدون العراق قاسمنا المشترك سليما معافى أمينا وحنونا كما كان قبل أن تدنسه الدكتاتورية وتطأه البساطيل الأجنبية.
دولة القانون برحيل الاحتلال وتمكن العراقيين من قيادة بلادهم، ودولة القانون الحرية والديمقراطية والتعارض دون موت ودون إقصاء وتهميش، ودولة القانون في المساواة في الحقوق، ودولة القانون في التطبيق الدستوري السليم لدولــة العراق الاتحادي الديمقراطي (الفيدرالي)، ودولة القانون أن نشعر أننا نستمتع بأمننا وأن حياتنا لها معنى، ودولة القانون الكرامة والشرف وحقوق الإنسان، ودولة القانون أن يعود العراق عراق وأن نشعر إننا أهله ومواطنيه وأن لاأحد فوق القانون.
لم نزل نحلم جميعا كل بطريقته الخاصة بدولة عراقية لاأثر للأصابع الأجنبية في طيات جسدها، ولا تسمح لأحد بالتدخل في شأنها الداخلي كائن من يكون، وكما لا تتدخل في شأن الآخرين، ولاتشكل مصدر خطر على جيرانها، لم نزل نحلم بدولة القانون التي توفر الكرامة والخبز والعمل لكل الفقراء، وان يتم تسخير الموارد المعدنية التي وهبها الله للعراق لخدمة الإنسان وليس للحروب ولمؤسسات الأمن والمخابرات، ونحلم بدولة القانون التي تبيح لنا إن نتعارض ونختلف ولكن دون تخوين أو تهميش أو تجريح أو خروج عن خلق العراقيين، ودولة القانون حرية الصحافة وحرية المثقف، وضمان الحياة الكريمة لكل مواطن عراقي مهما كان شكل ذلك الضمان.
دولة القانون يحكمها أبناء العراق في أقاليمهم ومحافظاتهم دون سواهم، ودولة القانون لها جيش واحد ومحكمة دستورية عليا واحدة، غير إن الجميع يسعى لصيانة وحدة العراق وسلامته واستقلاله ونظامه الديمقراطي الاتحادي.
وفي غياب الدكتاتورية لاتبقى للقيادات السياسية ذريعة من بدء حملة ترميم الواقع العراقي للوصول الى التوحد الوطني في زمن نحن بأمس الحاجة إليه، وفي غياب القوات التي احتلت العراق لايتبقى للقيادات السياسية سبباً يفرقهم ويجعلهم يتقاتلون فتنسحق مجاميع الفقراء وقود حرب القيادات السياسية، وفي غياب أسلحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة وسلاح الناس المعبأ في البيوت لايتبقى عذر لأحد في قيام دولة القانون التي قدم أهل العراق من اجلها القرابين والتضحيات.
- آخر تحديث :
التعليقات