باتت أرقام الإحصائيات التي تقدمها مراكز الدراسات الإيرانية بشأن الأزمات التعليمية والصحية والأمنية التي تعاني منها المجتمعات في إيران تتصف بالمخيفة وفي أحيان كثيرة بالخطرة جدا وذلك بسبب حجمها وتنوعها والتي إذا ما بقيت على و تيرتها المرتفعة فإنها تقود البلاد إلى الكارثة حسب تقدير الكثير من المتخصصين الإيرانيين. و على الرغم من نشر نتائج تلك الإحصائيات المخيفة ومناقشة بعضها من قبل نواب البرلمان مع الوزراء المعنيين إلا إن السلطات الرسمية تلتزم الصمت ولا تعلق على هذه الأرقام والإحصائيات الأمر الذي يزيد من قلق المواطن الذي يرى في سكوت السلطات الحكومية اعترافا رسميا بهذه الأرقام والنتائج.
و من أهم القضايا التي تقض اليوم مضاجع الإيرانيين هي قضايا التعليم والمخدرات مما باتت هاتان القضيتان تخيمان بظلالهما وتزيدان من تخوف الوالدين على مستقبل أبنائهما. حيث أشارت احدث إحصائية إلى أن هناك مليون وثمانمائة ألف طفل محرومين من التعليم. وان أربعمائة ألف منهم تحت سن الخمسة عشر عاما واغلبهم لديهم أشغال دائمة. وأن ستة وثلاثون ألفا من هؤلاء الأطفال هم من مدينة همدان ذات الغالبية التركية الاذارية. واغلب هؤلاء الأطفال يسكنون في أطراف المدينة في الأماكن التي تكثر فيها المياه الآسية والمجاري المكشوفة و يعمل معظمهم في معامل لا تدخلها الشمس ويتقاضون نصف الأجور التي يتقاضاها الكبار.
وأضاف التقرير ذاته إلى أن 3 بالمائة من طلاب المدارس و 20 بالمائة من طلاب الجامعات يتعاطون المخدرات. وقد أكد التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الطلابية quot; ايسنا quot; مؤخرا أن هناك اكثر من ثلاثمائة طالب ومعلم في محافظة كرمان يعانون من الإدمان على المخدرات. وبحسب ما نقله التقرير عن رئيس دائرة الحراسات (الأمن ) في مديرية التربية والتعليم في كرمان إن 19 طالبا في المرحلة الابتدائية و13 طالبا في المرحلة المتوسطة و 15طالبا في المرحلة الثانوية و252 معلما يشكلون هذا العدد من المدمنين. وكان قبل ذلك قد تحدث نائب رئيس دائرة التربية والتعليم في طهران عن إحصائية كان قد تم أعدادها في العام 2004م أشارت إلى وجود خمسمائة وخمسة وثمانون من طلاب مدارس طهران منهم مائتي طالبة يتعاطون المخدرات. بالإضافة إلى أن 9/13 بالمائة من عموم طلبة المدارس الإيرانية و4/19 بالمائة من طلبة مدارس ومعاهد العاصمة طهران يتعاطون المخدرات. وان 8/15 بالمائة من مجموع طلبة البلاد و4/21 بالمائة من طلبة طهران يحتسون الخمر. و أن عشرين بالمائة من الطلبة الجامعيون يتعاطون المخدرات . وبحسب الإحصائية التي نشرتها وزارة الصحة الإيرانية فان إيران تشهد كل ساعتين وفات مدمن واحد، وقد بلغ عدد المدمنين المتوفين في العام الماضي 4320 مدمن ومتعاطي للمخدرات. و أضافت تلك الإحصائية إلى إن37 بالمائة من السجناء في إيران هم من المدمنين.
هذا وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أشارت في تقريرها الأخير حول المخدرات إلى إن واحدا وستين بالمائة من كمية المخدرات التي تهرب إلى أوروبا تمر عبر إيران.
هذه التقارير وتقارير أخرى كانت وراء طرح أحد أعضاء البرلمان الإيراني منتصف الشهر الماضي سؤالا على وزير التربية والتعليم السيد quot; فرشيديquot; مستوضحا منه عن سبب ارتفاع أعداد الطلبة الساقطين في نتائج الامتحانات النهائية العام الماضي والذين ارتفع عددهم من مليون إلى أربعة ملايين طالب في مختلف المراحل الدراسية .
و قد كشف النائب البرلماني عن مدينة quot; بجنورد quot; في استجوابه لوزير التربية والتعليم عن العقوبات والممارسات العنيفة التي يتعرض لها الطلبة على أيدي معلميهم بالإضافة إلى تدني رواتب المعلمين و غيرها من الأسباب الأخرى التي أدت إلى ارتفاع نسبة الطلبة الساقطين في نتائج الامتحانات النهائية. وفي رده على أسئلة النائب كشف الوزير قائلا إن الشعور بعدم وجود ضمانات لحصول الطلبة على الوظائف والأعمال التي يتمنون العمل بها بعد التخرج، بالإضافة إلى العطل الكثيرة والطويلة جميعها تشكل من الأسباب التي أدت إلى حصول هذه النتائج.
ولعل الذي يزيد من صحة أرقام الإحصائيات المعلنة ويضاعف من قلق المواطنين الإيرانيين هو كلام أحد نواب مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي تحدث به مؤخرا أمام وسائل الإعلام والذي أكد فيه صراحة أن أسعار المخدرات أصبحت في بعض المناطق ارخص من أسعار الفواكه وان الحصول على المخدرات بات اسهل من الحصول على البطاطس. وقد جاء هذا الكلام على لسان الشيخ quot;ما شاء الله إسماعيلي نيا quot; إمام الجمعة وممثل الولي الفقيه في مدينة عسلويه الساحلية أحد أهم المناطق النفطية الواقعة على الخليج العربي في محافظة أبو شهر،وذلك في اجتماعا عقده الأسبوع الماضي محافظ أبوشهر مع حكام الاقضية والنواحي وممثلي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في المحافظة، حيث نبه في ذلك الاجتماع إلى الخطر الذي يهدد كيان المجتمعات الإيرانية من جراء انتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات والاتجار بها على سطح واسع في إيران عامة وفي محافظة أبو شهر خاصة. وقد انتقد الشيخ quot; إسماعيلي نيا quot; تساهل السلطات في مواجهة هذه الآفة قائلا، ما فائدة التركيز على تنمية الصناعات النفطية و إيصال الغاز إلى بيوت المواطنين ما دام اصبح يوجد في كل بيت اكثر من مدمن، فلوا أنشئنا مئات المشاريع النفطية فهل تستطيع هذه المشاريع معالجة المجتمع المصاب بالإدمان ؟ و مثالا على ذلك مدينة عسلويه التي يوجد فيها مؤسسات نفطية ضخمة ولكن ظاهرة الإدمان والاتجار بالمخدرات منتشرة فيها بشكل واسع ولم تتمكن تلك المؤسسات الضخمة من منع انتشار هذه الظاهرة. وعلى الرغم من أن الشرطة ورجال الأمن يقولون أن باستطاعتهم أن يجمعوا المدمنين ويعتقلوا الموزعين ولكن من يضمن عدم إطلاق سراح من يعتقل ومن يضمن سلامة الشرطة الذين يقومون باعتقال موزعي المخدرات. ويضيف الشيخ quot; إسماعيلي نيا quot; أن رئيس مجلس الشورى خلال زيارته العام الماضي إلى ميناء عسلويه استمع إلى شكوى أهالي المنطقة الذين طالبوا بقيام السلطات بوضع حل لمشكلة الإدمان وانتشار المخدرات في المنطقة، وقد وعد بتلبية طلبهم لكن على الرغم من مرور عام على تلك الوعود إلا أن الأهالي لم يشهدوا أي تحرك حقيقي من قبل السلطات الحكومية وان الأمور مستمرة بالانحدار إلى ألاسوء.
ويطرح كلام الشيخ هذا بالإضافة إلى الجزء اليسير من أرقام الإحصائيات التي تم عرضها والتي لا تمثل سوى معشار ما ينشر سنويا من إحصائيات بخصوص قضايا اختطاف و تهريب النساء وقضايا الأجرام المتعلقة بالقتل والسرقة والتهريب و الفساد الإداري المتفشي و غيرها من الجرائم الأخرى. تطرح جميع هذه القضايا تسائلا بديهيا وهو، لماذا لا يصر قادة النظام الإيراني على حل هذه المشاكل التي تعرض المجتمعات الإيرانية إلى خطر الانهيار، بدل إصرارهم على بناء المشروع النووي وتطوير الترسانة العسكرية و مواصلة التدخل في شؤون دول الجوار عبر تغذية الفتن والنعرات الطائفية وتشكيل المليشيات التخريبية؟.
rlm;
الكاتب : رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
- آخر تحديث :
التعليقات