كأن في دمشق من لا يريد لدمشق سلامًا ولا هدوء بال.
لا نفهم هذا الهوس باعتقال المثقفين وأصحاب الآراء بسبب آرائهم بغض النظر عن رأينا فيها. نسوق هذا الكلام على خلفية اعتقال الاستاذ مشيل كيلو، والسبب الظاهر على ما يبدو، هو توقيعه على ما سمِّي quot;إعلان بيروت ndash; دمشق / إعلان دمشق ndash; بيروت.quot; بسبب اعتقال كيلو تحول البحث في مضمون البيان من مادة تدين الموقعين عليه ndash; أو بعضهم على الأقل - أمام الرأي العام وأما مناصريهم تحديدًا، بالتراجع عن مواقف وطنية طالما جاهروا بها، إلى بحث في موضوع الحريات وقمعها وما يتبع ذلك من إدانة شعبية لهذا القمع وإدانة دولية كذلك.
لنا مأخذ أساس على بعض ما ورد في الإعلان لناحية تكرار عبارة quot;الشعبين اللبناني والسوري.quot; إلى أن يثبت لنا العلم أن خطًا أزرقًا رسمه طبوغرافي فرنسي نتيجة قرار سياسي اتخذه جنرال فرنسي في جيش يحتل بلادنا سنة 1920، يحول جينات أقربائنا آل جزان وآل مهتار في قنوات ndash; السويداء، وآل هيب وآل كرم في ربوع الأردن ودمشق إلى جينات أجنبية عنا نحن نتاج زواج آل مهتار وآل كرم في لبنان، فإننا لن نعتبر أبناء عمومتنا وخؤولتنا في الشام شعبًا غريبًا عنا ولا شقيقًا لنا. نحن وهم شعب واحد. نقطة على السطر. إن دماءنا لا تخضع لمزاج السياسيين، وكنا نربأ أن يتحول المثقفون إلى مثقفين بالمزاج.
وما كان كلامنا هذا ليختلف لو نجح من حاول تقسيم لبنان إبان الحرب الأهلية إلى منطقتين مذهبيتين على أساس quot;الشعب المسيحيquot; والشعب المسلمquot; ليختلف عنه اليوم. بل أننا حاربنا ذلك التقسيم في الأمس شفقة على شعبنا وأولادنا من مخاطره. ولن نتوقف عن محاربة مخاطر التقسيم في الماضي البعيد ndash; تقسيم سنة 1920 ndash; إلا لكي نزيح عن أنفسنا مخاطر التقسيمات الآتية في المستقبل القريب في كل من العراق والشام ولبنان كما فلسطين.
مشكلتنا مع الإعلان هي مشكلتنا مع من كان يقول بوحدة الشعب في الكيانين اللبناني والشامي وصدقيَّتهم. مشكلتنا مع مثقفين مثل نضال الأشقر إذ تعتنق عقيدة تقول بوحدة الشعب السوري، وتوقِّع على بيان يقول بالشعبين اللبناني والسوري. هذا ما كان يجب أن يكون النقاش فيه لا كما حوَّله quot;رقيب الفكرquot; الذكي إلى مسألة قمع للحريات. كم كنَّا نودُّ مناقشة ميشيل كيلو وسواه في مضمون بيانهم، ولكنَّنا لا نناقشه سجينًا بل حرًا.
غير أنَّ مشكلة quot;رقيب الفكرquot; ليست مع عبارة quot;الشعبين اللبناني والسوريquot;، أي حيث يجب أن تكون المشكلة. بل مع ما ورد على الأرجح في مطلع الفقرة رقم أربعة: quot;نطالب بضرورة احترام وتنمية الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات والانتخابات الحرة والنزيهة وتداول السلطة...quot; وعلى هذا نذكِّر بما سبق وكتبناه إلى الرئيس السوري في أكثر من مقال حين كنا نقول: quot;تحصَّن بشعبك.quot; والتحصُّن بالشعب لا يكون بسجن مثقفيه بسبب آرائهم، بل الاستفادة من تنوعها ومناقشتها، فيسقط منها ما يسقط ويبقى منها ما يبقى في معركة صراع العقائد والأفكار.وهذه معركة لا تخاض إلاَّ بالحريَّة، نقطة ثانية على السطر.
على quot;رقيب الفكرquot; بحجة حماية النظام أن يعي أن أكبر خطر على النظام هو رقابة الفكر. نقطة على السطر.