يوم الجمعة الواحد والعشرين من جمادي الأول لعام 1427هـ لم يكن يوما استثنائيا في تاريخ فرق الموت الصفوية ولم يكن يوما خاليا من دماء العراقيين الأبرياء الرازحين بين سندان الاحتلال و مطرقة عصابات القتل الطائفي من مليشيات الفتك والدمار المشحونة بالحقد الطائفي والعنصري على أهل السنة عامة والعرب منهم خاصة.
لقد كان ذلك اليوم بحق هو الأكثر حزنا بسبب مقتل عالم رباني لا يملك من السلاح إلا كلمة الله ولا يسعى إلا لنشر كتاب الله وسنة رسوله. فهذا ما كان يحمله و يسعى لنشره الشيخ الشهيد الدكتور يوسف الحسان أمام الجامع الكبير في مدينة البصرة الذي اغتالته فرق الموت المحملة بأفكار الشعوبية والطائفية.
ان المتتبع لأخبار العراق يجد ان قتل علماء أهل السنة أصبح ظاهرة يومية حيث لا يمر يوم إلا وهناك أكثر من إمام وخطيب جامع لاهل السنة يقتل او يخطف او يعثر على رأسه مقطوعا و اغلب هذه الجرائم ترتكب أمام مرأى ومشهد القوات الحكومية والاحتلال في العراق وتتم على أيدي عصابات و مليشيات معروفة دون ان يجرؤ احد على مسائلتها او محاسبتها.
ولكن ما الذي يجعل هذه العصابات الطائفية تقوم بارتكاب مثل هذه الجرائم وعلى أي خلفية عقائدية تتكئ و من الذي يدفعها لفعل ذلك ؟.
لا يحتاج المتابع الى كثير من التدقيق لمعرفة الجواب على هذه الأسئلة, فبنظرة بسيطة لتاريخ ايران الصفوية المغرق بالجرائم ضد أهل السنة سوف يتأكد للمتابع ان ما يجري على أهل السنة في العراق هو امتداد لما جرى عليهم عبر التاريخ في ايران ويجري عليهم حاليا في عهد نظام الخميني.
فكما هو معرف ان ايران وحتى القرن التاسع الهجري كانت تدين بعقيدة أهل السنة وذلك قبل ظهور إسماعيل بن حيدر بن صفي الدين الاردبيلي صنيعة الإنكليز وأقامت دولته الطائفية التي أنشأها في تبريز عاصمة أذربيجان في بادئ الأمر والتي ابتدأها بقتل وتشريد ثلاثمائة الآلف مسلم من أهل السنة في أذربيجان بهدف تثبيت هيمنته وفرض عقيدته المستوحاة من أفكار وعقائد يهودية تلمودية و مانوية ومجوسية وصليبية معادية لكتاب الله والسنة النبوية الشريفة. فبعد موته واصلت الدولة الصفوية نهجها في قتل أهل السنة وتهجيرهم وكان الشاه عباس الأول الذي اتخذ من اصفهان عاصمة لدولته قد فاق جده إسماعيل الصفوي في تتبع أهل السنة والبطش بهم وقد تخطت جرائم الصفويين حدود ايران فعندما احتلوا العراق أثناء حربهم مع الدولة العثمانية لم يدخروا جهدا في قتل أهل السنة حيث شهدت بغداد مجازر فاقت مجازر المغول الذين دخلوها بخيانة الوزير ابن العلقمي. حتى ان حقدهم على أهل السنة بلغ الى حد نبش قبر الإمام ابو حنيفة رحمه الله الذي مازال مسجده في منطقة الاعظمية يتعرض بين فترة و أخرى لهجمات فرق الموت الطائفية.
أن ثقافة الكراهية لاهل السنة التي وضعها الصفويون لم تنتهي بانتهاء حكم هذه الأسرة بل أصبحت هذه الثقافة منهج تعليمي ثابت في فكر ما يسمى بالحوزة الدينية التي باتت تتفنن في ابتكار و تكريس ثقافة الكراهية والعداء لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولجميع من يتبع مدرسة أهل السنة. وهذا الثقافة لا تختصر على طلبة الحوزة وحسب بل تخطت حدود الحوزة وأصبحت منهجا عقائديا لكل من يؤمن بالتشيع الصفوي حتى بات الشيعي الأصيل هو من يلعن ويشتم الصحابة ويكفر الأهل السنة أكثر من غيره. وما هذه الاحتفالات التي تقام في مدينة قم الإيرانية كل عام تحت اسم quot; عمر كشيquot; أي مقاتلة العمريين والتي تتزامن مع ذكرى استشهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد المجوسي أبو لؤلؤة النهاوندي إلا دليل على ان ترويج منهج إسماعيل الصفوي الطائفي مازال باقيا ويعمل بقوة.
علما ان هذه الاحتفالات تتم براعية كبار مراجع الحوزة في ايران ويشارك فيها مسئولون كبار في الدولة والنظام الإيراني الذي يدعي لنفسه الإسلامية وحرصه على وحدة الأمة زورا وبهتانا.
أذن هذه الخلفية العقائدية للمليشيات الطائفية في العراق كافية لان تكون دافعا لقتل علماء أهل السنة. خصوصا وان سكوت مراجع الحوزة النجفية عن ما جرى ويجري كل يوم لأبناء السنة على يد قوات الاحتلال في العديد من المدن العراقية علامة كافية عن رضاهم على استباحة دماء أهل السنة وهذا السكوت هو من شجع المليشيات الطائفية وفرق الموت السوداء على التوغل في قتل علما أهل السنة أكثر من أي وقت مضى.
هذا من الناحية العقائدية ولكن يجب ان نعرف ماهي الدوافع السياسية التي تقف وراء تصفية علماء أهل السنة ومن هو المستفيد منها؟.
لاشك ان ثالوث الصاد الأشر كان ومنذ عهود طويلة يتربص بوحدة المسلمين وكثيرا ما عمل على استهداف الإسلام والمسلمين عبر خلق الفرق البطانية تارة وتارة أخرى عبر اصطناع علماء ومشايخ وهميين ودعم أنظمة وحكام مأجورين لتحقيق غاياته إلا ان صلابة العقيدة الإسلامية وإيمان المسلمين كانت على الدوام حجر عثرة في وجه مخطط هذا الثالوث.غير ان ذلك لم يمنعه من مواصلة مساعيه لتحقيق غاياته العدائية ولذلك فقد مكن الخميني من الوصل الى السلطة بعد ان سرق الأخير الثورة الإيرانية من أبنائه لكي يتمكن من تنفيذ مشروعه الذي أعلنه عبر ما سمي بمشروع تصدير الثورة والذي ابتدئه بشن حربه الظلومة على العراق تحت شعارquot; تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاءquot;.
وقد عمل نظام الخميني على حشد كل وسائل إعلامه في تحريك مشاعر الشيعة في الدول العربية وتأليبهم على أنظمتهم وحكوماتهم. ولهذه الغاية أسس احزاب وحركات طائفية في العراق ودول الخليج العربي قام بعض منها بارتكاب عمليات تفجير في مكة المكرمة أثناء موسم الحج أدت الى مقتل العديد من الحجيج وذلك كله خدمة لمشروع تصدير الثورة الطائفية.
لقد زادت كراهية نظام الحقد الطائفي في ايران لعلماء أهل السنة في العراق بعد ان تصدى هؤلاء العلما لمشروع ثالوث الصاد المعادي وكشفوا للأمة أهداف مشروع تصدير الثورة الخمينية وهو ما ساعد على فشل هذا المشروع وهزيمة النظام الإيراني في حربه مع العراق.
علما ان علماء أهل السنة في ايران خلال هذه الحرب لم يكونوا في مأمن من الانتقام فقد شرعت السلطات الحكومية بقتل العشرات منهم وتهديم العديد من مساجدهم و إغلاق مدارسهم الدينية و حرمان عامة أهل السنة في ايران من ابسط حقوقهم الإنسانية والقومية.
ولم تتوقف هذه الهجمة الطائفية ضد علماء أهل السنة في ايران عند مرحلة معينة فقد تواصلت وما تزال متواصلة الى هذا اليوم حيث و في يوم العاشر من ابريل الماضي قامت الاستخبارات الإيرانية بقتل أربعة من ابرز علماء أهل السنة في إقليم بلوشستان شرق ايران وذلك عبر حادثي سير مدبرين الأول وقع على الطريق الرابط بين مدينة زاهدان مركز الإقليم وميناء بندر جاسك على الخليج العربي وأدى إلى مقتل العلامة quot; مولانا نعمة الله مير بلوجزهيquot; المشهور به العلامة التوحیدي كبير المفسرين السنة البلوش و مقتل العلامة quot; مولانا عبد الحكيم حسن آبادي quot; استاذ الحديث بدار العلوم في مدينة زاهدان. أما الحادث الثاني والذي وقع على طريق مدينة زاهدان ndash; بم فقد قتل فيه العلامة quot; عبدالحکيم گمشادزهيquot; أمام جمعة مدينة نصرت آباد و رفيقه quot; الشيخ عزيز الله براهوتي quot;. وقد جاء قتل هؤلاء العلماء بعد قيام quot; حركة جند الله في ايران quot; بقتل عدد من المسؤولين والضباط الإيرانيين الكبار اثر كمين نصبته في مارس آذار الماضي لقافلة حكومية على الطريق بين مدينتي زاهدان و زابل وأدى حينها إلى مقتل اثنين وعشرين واسر سبعة من المسؤولين الحكوميين في الإقليم.
فهذه الروح الانتقامية لحكام النظام الطائفي في ايران هي من تقف اليوم وراء قتل علماء أهل السنة في العراق الذين رفضوا القبول بالاحتلال الأمريكي وكشفوا مخطط ثالوث الصاد الأشر الذي يسعى الى تمزيق العراق وتفريق وحدة أبنائه و إنجاح مشروع إجهاض الثورة الفلسطينية وتحقيق الحلم الصهيوني بإبقاء القدس عاصمة أبدية للدولة الإسرائيلية. وبهذا ينكشف لنا سر قتل علماء أهل السنة في العراق.