اكتبُ اليكَ وحدكَ ... يا نهرَ المعجزات.. وأسالكَ برجاء وحزن أنْ تصنع َ لنا معجزة ً أخرى. أن توقف هذه الحرب العجيبة التي تأكل، مثلما تأكل النار شجرة عجوز، أبانا الكبير لبنان، الشيخ الجليلِ الذي تهالكتْ عظامه لتـقادم عمره وتــقــّوس ظهره لثـقـل ما ينوءُ به من ذخائر حكمة ٍ وعلم ٍ وشعر ٍ وقداسات.
هذه الحرب الغريبة التي لا منطق لها ولا مبرر ولا حتى أسم، و التي لا يقدر أحد على وقفها سواك.
أكتبُ اليكَ وحدك.. يا الله ..
ليس لأنكَ الوحيدَ القادر على صناعة المعجزات، الذي يحمل بيديه قبضة من طين الارض ثم ينفخ فيها فتصير طيراً، ويرمي بعصاه القديمة على البحر فيصير طــُرقا، أو يقذفها على التراب فتصير نهراً او شجرة، أو يحمل قبضة من الرماد ينثرها على حقيبة طفل عائد من المدرسة فتصير فراشات وعصافير.
ليسَ لأنكَ الوحيدُ الجميلُ والوديعُ والدافئ والرحيم الذي وسعت ْ ظلال رحمته كل ّ شيء، والوحيد الذي يقدر أنْ يــُبهج العين ويـــُنعش القلب كعنقود خمر، والذي يحمل على خشبة الموت المسامير في عظامه فتصبح سنابل حنطة وحقل ياسمين..
وليس لانكَ الوحيدَ الذي يملكُ قلباً هو أشبه بقلب أم ّ تـنظر أطفالها بالعين ذاتها، فليس من فضل لواحد ٍ على الآخر، بلْ مزجتَ الخليقة كلـّها بفيض النور ذاته الذي اندلق من سراج واحد، وأوحيتَ لنا أنه ما من quot; دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا ّ أممquot; أمثالنا ... وأن ْ لا فرق َ في موازين القيمة بين بني النملة وبني حواء إلا بالتـقوى...
اكتب اليك وحدك .. يا الله ...
ليس لهذا ولا ذاك، رغم جماله وبهائه ورحمانيته، بلْ لأنْ لهذه الحرب الوحشية، التي دخلتْ يومها السابع عشر، لها وشيجة نسب يرتـقي ولو من طرف غير مباشر إليك. فهي حرب بين شعبكَ الذي اخترتَ وفضـّـلتَ quot;على العالمينquot; وحفرتَ له وصاياك بالنار على طور سيناء وأعطيتَ له و لنسله الأرض ومن عليها، ووهـبته شقــّا من أسمكَ ، وبين حزبكَ الذين جعلتهمquot;خ ير أمة أخرجتْ للناسquot; وأمليتَ لهم أنْ يرثوا الأرض ومــَن عليها- الارض التي كنتَ وهبتــَها من قبلُ لآخرين- ومنحتــَهم الوعدَ بأنهم quot;هم الغالبونquot;، وهم يحملون أيضاً إسمك َ وتوقيعكَ.
كل ّ إبن، مــِن أبنائك المؤمنين هؤلاء، يمسك بطرف من طرفـَي عباءتك السماوية، يعضّ عليــها بنواجذه ومخالبه، ويرفل بإيمان قوي ّ متـين يــُملي عليه أنْ لا سبيل َ إلى مرضاتكَ والتـقرب إليكَ الاّ بدم الآخر وأمواله ونسائه، ولا تـكـتمل له صلاة إلا بالوضوء برماد أطفال أعدائه..
كلّ فريق يحملُ وثائـقَ وأختاما وشهادات ِ ولادة - تبدو كأنها حقيقية- ولا مجال َ للطعن فيها أو للتـشكيك في صدقيتها، سواء ً تلك التي حـفـرَتــْها نارُ كَ على الحجر، أو تلك التي هبط بها أمين سركَ ووحيكَ وحملتــْها جرود النخل وأكتاف العظام.
كلا الأ خوين quot;غيرالشقيقينquot; البارّين بكَ، الممسوسين بحمايتكَ، الهائمين بعشقـك َ، يملك من شجرة النسب إليك براهين مصد ّقة بكلماتكَ وحدها- لا شيء سواها- على أنه الأبن البكر الذي أراق دمه، ذاتَ عهد قديم، تحت أقدامكَ الألهية، وأنه وحده هو من يرث ُ عصبة ً كلّ ما صنعت ْ يداك من عوالم وفضائل وليس لأحد ٍٍ من الاخوة من فـَضلة إلا أن ْ يكون له الكبش االعظيم الذي يفتديه.
وحتى عصاك َ الوحيدة الباسقة كالألف التي كنتُ أراكَ تغرسها في التراب فتصير شجرة وديعة، أ و ترميها فتصير نهراً، لأراها الآن بين يدي شعبك َ وقد مُـسختْ أفعى نارية تلتهم بيوتـنا وحقولنا وعظام نسائنا وأطفالنا، أما رفاق حزبك َ فقد غرسوها بندقية على راية صفراء كرمال التيه الصحراوي ترفع ذراعها الى السماء ابتهالا إليك. وبين دبابات شعبك وطائراته وأفعاه النارية وبين صواريخ حزبك وأحزمته الناسفة يتدثر لبنان، الراهب البحري، أرضا ً وبشراً وخلائق بنار مسعورة لا تبقي ولا تذر.
أكتبُ إليكَ وحدك، أيها القدير الحكيم...
وأسألكَ، ولتكنْ آخر مسألة لي، بدموع أم ّ ترمــّد رضيعـُها الوحيد فوق صدرها، أن توقف هذه الحرب التي هي- ولو من طرف بعيد- ثمرة طازجة لما بذرتــْه نصوصُـك وأختامك.
نصوصكَ التي لا تدلّ كلماتــُها عليكَ... وأختامكَ التي وإنْ بدتْ حقيقة الا أنها، من جهة أخرى، تبدو بالية النقوش لتـباعد الزمان عليها، وربما لفـرط الاستخدام
التعليقات