فنتازيا عربية

عندما كانت عقارب الساعة تزحف ناحية الحادية عشرة من مساء الخميس بتوقيت الرياض، كنت في منتهى الفرحة والانبساط (طبعاً معي الكثيرون في ذلك) بعد أن تابعت وتابعوا تلك الكلمات المضيئة والباعثة للأمل التي انطلقت من أفواه كبار قادة فلسطين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفي رحاب الحرم المكي الشريف. كان سبب الفرحة والأمل هو تلك الكلمات الواعدة والمباشرة التي خلت من لغة المراوغة والتمويه والتقية التي كانت تُغلف معظم لقاءات القضايا الهامة لدى بني يعرب، وخاصة قضيتهم الأساسية والتي تعطل كل شئ بسببها وهي قضية فلسطين، والتي عُقدت عشرات المؤتمرات ومئات الندوات وآلاف المحاضرات من اجلها، وما من جمع من ذلك أحرز نتيجة تُذكر، بل ما من اجتماع أو مؤتمر تخطى أثره القاعة التي عقد فيها. مما لا شك فيه ان الشعب الفلسطيني البطل الصبور قد عانى كثيراً من الاحتلال وآن له ان يرتاح من هذا المشوار الطويل المحزن، غير انه في السنوات الأخيرة قد تضاعفت معاناته بسبب ما أنتجه بنوه من مناكفات ومناوشات ومهاترات زادت من محنته وعمقت معاناته ووصلت به إلى ان يحارب بعضه بعضاً ويقوم بمهمة سفك دمائه بنفسه نيابة عن إسرائيل التي تتفرج على ذلك مسرورة، بينما الشعوب التي قلبها على فلسطين تتفرج مقهورة ومحسورة. هذا الوضع المحزن الشاذ حزَّ في نفوس الكثيرين من الحادبين على الشعب الفلسطيني، ومنهم أو على رأسهم القائد العروبي الكبير جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي بادر إلى دعوة الفرقاء المؤثرين إلى الاجتماع في كنف الحرم الشريف، وهاهم يثلجون صدورنا ويبعثون فينا الأمل ببزوغ فجر جديد بعد ان دب اليأس في نفوسنا مما شهدناه في الشهور الماضية . كانت تلك الكلمات التي استهلها الأستاذ نبيل عمرو الذي أعلن بيان الاتفاق، وأعقبه الرئيس أبو مازن، ثم قائد حماس الأستاذ خالد مشعل، ثم رئيس الوزراء السابق اللاحق الأستاذ أبو العبد، ثم اختتمها راعي الجمع خادم الحرمين الشريفين، وكلها كلمات واضحة ومباشرة وصريحة وضعت الإصبع على الجرح، وكانت جادة ومسئولة، يستشف منها ان الجميع قد وصلوا لقناعة كاملة بأن من واجبهم العمل بجدية لإنهاء هذا المسلسل القاتل والتفرغ لمواجهة الأمر بجدية أكثر لإخراج الشعب الفلسطيني من محنته. كما قلت هذه الكلمات الجادة قد أثلجت صدري ويبدو إنني سأنوم هذه الليلة نوماً هادئاً خالٍ من الكوابيس بعد ان تفتحت شراييني التي كانت قد تكلست وتصلبت من عمائل وهوائل وعبثيات الكثيرين من بني يعرب في السابق واللاحق والحاضر . ولكن وقبل النوم، أتمني ومن سويداء قلبي ـ ان كان مازال له سويداء ـ أتمنى ان يخذلنا الفلسطينيون في هذه المرة وان لا يكونوا عند (حسؤ ) ظننا، الذي ولدته اتفاقات الهدنة التي كانت في الأيام السابقة تـُعقد كل يوم وتُكسر في نفس اليوم لكي تُعقد في اليوم التلي وتُكسر فيه أيضا. نرجو ان يخذلوننا هذه المرة بالخروج من هذا المسلسل الفالت إلى دائرة الجدية والمسئولية وان يكون هذا الاجتماع المبارك في الأرض المباركة هو بداية الطريق للفرحة الكبرى بإعادة الحياة إلى فلسطين السليبة المكلومة، وما ذلك على الله ببعيد.