باتت جماهيرية العقيد الخضراء العظمى في خريف العمر تعيش أزمتها الوجودية الخانقة و هي حالة نفسية متعبة أدت في النهاية لردود أفعال لا تخلو من طرافة أو هزل و تعبر أصدق تعبير عن الحالة الهزلية من الضحك الشبيه بالبكاء التي تعيشها ليبيا و يعانيها الشعب الليبي الصابر على مدى عقود و عقود لم يحصد خلالها سوى العواصف و الفوضى و ضياع الثروة القومية على مغامرات و مناورات و مؤامرات كانت دليلا شاملا على الإفلاس بكل معانيه، فبعد المتغيرات العنيفة التي هزت المنطقة و باتت دليلها للتغيير رغم قتامة الصورة العامة للأوضاع و سوداويتها، و بعد حالة الحراك السياسي العام الممهدة لخلق أوضاع جديدة، لم يجد السيد القذافي و هو يحتفل بما أسماه بسلطة الشعب في مدينة (سبها) الليبية التي يسميها الإعلام الليبي (مدينة الشرارة الأولى) بدا من العودة للماضي القريب و مهازله و إعادة إطلاق الشعارات الفارغة و التي فقدت كل معانيها و مصداقيتها بعد عصر التنازلات المهينة و المفجعة التي مارسها النظام الليبي كثمن واجب الدفع من أجل الإستمرار في الهيمنة و التسلط و التغريد خارج السرب! و رسم سيناريوهات هزلية في منطقة ووضع لم يعد يحتمل الهزل، فقد بدا العقيد قائد الثورة الخضراء بشكل بائس يحاول إعادة التاريخ للخلف عبر وقف عجلة التطور الطبيعية من خلال المبالغة في إستخدام (صبغ الشعر) الفاحم الذي وصل لحدود صبغ جذور الذقن!! مع ما خلفه ذلك الديكور من منظر مزعج لم تستطع إخفائه كل مساحيق الماكياج الفرنسي!! و لم تشوش على حقيقته كل الشعارات الثورية البائسة من طراز : (سوق الجمعة.. سوق الجمعة.. بحب القايد مجتمعة)!! أو ذلك الشعار الآخر الذي بالت عليه الثعالب : (وحدوية الفاتح)!!... فقد أضحت الوحدة القومية و أحلامها في ذمة التاريخ مع الترحيل المفجع لآلاف العمال الفقراء من أبناء الشقيقة الكبرى مصر في موقف مهين و غير طبيعي و يعبر عن حالة إنتقام و نكوص أكثر من تعبيره عن ضرورات إقتصادية حقيقية، و الفشل الذي لازم السياسة الليبية الحلزونية التي تدور في حلقة مفرغة من الضياع و المحاولات الفاشلة لإصلاح أخطاء الماضي و مصائبه قد رسم جذوره و متبنياته على جدران السياسة الليبية التي تعيش حالة من الإسهال القاتل عبرت عنها حالة المس الجنوني من القمة العربية القادمة في الرياض التي رفض النظام الليبي المشاركة بها وقرر مقاطعتها ظنا منه من أن تلك المقاطعة ستفشل القمة وهو تصور مضحك يعبر عن سقم فكري و قراءة خاطئة للأوضاع الدولية و الإقليمية، و لعل ذكريات المماحكات التي حدثت في قمة (شرم الشيخ) عام 2003 لم تزل في ذاكرة أهل القرار في النظام الليبي!!، و على العموم فإن غياب النظام الجماهيري عن قمة الرياض سيوفر في الحقيقة فرصة أكبر لنجاحها لأن تاريخ الدبلوماسية الليبية مع مؤتمرات القمة منذ عام 1969 هو تاريخ هزلي حافل بدأ من الصراخ و الزعيق و رفع المسدسات و إنتهى بلبس القفازات و التهكم على القادة العرب رغم أن (وكسات) السياسة الليبية قد بلغت حدا مفجعا من التراجع و الإنكسار و العجز الفاضح و التفريط بسيادة الشعب الليبي وحرمة دماء أبنائه، ولعل ورطة النظام في ملف الممرضات البلغاريات ومصير مئات الأطفال الليبيين المفجع يرسم صورة حقيقية للحالة في الجماهيرية العظمى، فالنظام غير قادر على تنفيذ الأحكام ضد المدانين لأسباب تاريخية محضة تتعلق بملفات الماضي القريب التي قد تفتح دوليا في إطار المساومة على ذلك الملف الحساس و الذي سينتهي وفقا للتنازلات المهينة التي عودتنا عليها الدبلوماسية الليبية نهاية سعيدة بالنسبة للقتلة و المتورطين الذين سيطلق سراحهم قريبا ضمن إطار صفقة ما!! و نهاية تعيسة للضحايا و أولياء أمورهم الذين سيعانون بصمت و حرقة وهم يشاهدون النظام وهو يحتفل بهزائمه و تراجعاته الموجعة بينما يحاول تسجيل أهداف سهلة في المرمى العربي لن تؤدي في النهاية سوى لإضعاف الموقف العربي!!... النظام الليبي وهو يتخبط خبط عشواء و يحاول إعادة أمجاد الماضي الإذاعية لا يملك اليوم من هوامش للتحرك سوى حرب التصريحات الطريفة خصوصا و أن شبح و مصير النظام البعثي البائد في العراق قد بات يطارده!! ولن تنجح كل أصباغ و مساحيق الدنيا في التعمية على حقيقة أن ذلك النظام الذي أدمن الهزائم و التراجعات و المقامرة بمصير الشعب الليبي و مصالحة ودماء أبنائه لا يملك سوى أن (يبوس الواوا)!!!... ففي بوس الواوا البديل الأوحد لأزمة نظام يعيش خريف التاريخ و هوامشه المتآكلة.


[email protected]