العالم العربي قاموس مليء بالممكنات الخطيرة، فأغلب دول المنطقة تختزن داخلها إمكانية حربٍ أهلية، تعصف بها، وهذه النتيجة ليست وليدة خاطرة سريعة، وإنما لاعتباراتٍ كثيرة ربما تكون محطّ سرد في مقالات قادمة. فنحن عملياً في العالم العربي نعيش quot;الحرب الأهلية المعنويةquot;، فثمة حروب أهلية سياسية، وأخرى فكرية، وأخرى مذهبية، ولكنها حروب كلامية تجاوزت مسألة الحوار إلى التصفيات الفكرية والتوتّرات العلنية، نجد هذا التشخيص وبكل وضوح في أكثر من بقعة عربية. بصراحة ووضوح أكثر التكتلات العربية تكتلات مهيأة لخوض حرب اهلية طاحنة أرسم دلائل ذلك التحليل عبر المحاور الآتية:

-لم نصل بعد في العالم العربي إلى حالة التعايش الحقيقي، فكل مظاهر التعايش التي تعيشها المجتمعات العربية تمّت بوسائل أمنية، فكل الهدوء الشكلي الذي تمارسه بعض المجتمعات العربية هدوء متوتّر، تشهد على ذلك الأحداث التي تحصل مع كل نفس سياسي، كما حدث في لبنان، وكما يحدث حالياً في العراق، وفي الخليج حالياً تثار النعرات مدعومة بقنوات إعلامية، وفي السودان وفي الصومال، وفي اليمن. حينما فتحت الحرب العراقية quot;الوعاء العربيquot; تنفّس الحسّ quot;الحربي الاجتماعيquot; وبدأنا نشعر بالخطر الفعلي من أجواء التوتر التي نرزح تحتها حتى الآن.
-وفق التحليل، فإن المواطنة بمفهومها المدني لم تتحقق بعد، والمظاهر الوطنية مع كونها فعلاً توضّح مدى التلاؤم الشكلي والترابط الواضح والبريء، إلا أن أي ّ تحركٍ نحو التمدين يتطلب فترةً من الغسيل الفكري لعادات اجتماعية خاطئة، وموروثاتٍ باهتة، ربما تساهم في إبطال مشروعات التحديث، وهذا هو العائق الذي يهدد أي تطوّر علني يمكن أن يقوّم السلوك الاجتماعي ويمنحه حرية التجلّي بعيداً عن التسلط العسكري والتشكيل الأمني.
-كثرة الجرائم بشكل خرافي، سواء كانت جرائم صامتة، كالتحرش بالأعراض، أو التنابز العرقي، أو التمييز العنصري، وهذه الآفات يعاني منها الجميع، نراها متجليّة حينما يمنح المواطن حرية الشكوى، في وسائل التعبير الخفي، حيث نلحظ نموّ الحس الإجرامي نظير غيابٍ صارخ للمواءمة بين الإنسان والمجتمع عبر القوانين والأنظمة. ونظير عوز وإعاقة ثقافية عربية لم تملأ أيّ فراغ ولم تحلّ أي مشكلة. حيث تغيب المسألة الثقافية والعقلية في تناول مسائل العيش والوجود. وتحلّ الأساطير والخرافات محلّ العقل والتحليل.

إن الحروب الأهلية مثلها مثل أي حدثٍ أليم، لا تستأذننا، ولكنها تأتي بغتة، وأتعجب مع كل هذا المناخ المأزوم فكرياً وعقائدياً ومذهبياً في العالم العربي كيف سنتجنب أي انفلات طاحن، ستكون آثاره مؤسفة، خاصةً ونحن نرى بعض المحرضين على المواطنين بين بعضهم البعض يستضافون في القنوات والإعلام، وبعضهم يحتفى به في الإعلام الرسمي، وهو يشجب طائفة من أبناء وطنه، ويشكك في ولائهم وبصراحةً لدينهم أو لوطنهم على مرأى ومسمع من الجميع. نشاهد هذا في أكثر دول العالم العربي في الموقف من المختلف في طائفته أو دينه، لا تردعهم حرمة كون تلك الفئة من quot;المواطنينquot; الذين لهم الحقّ في محاسبة كل من يكفرهم أو يشكك في ولائهم لوطنهم ولدينهم.

من المفترض أن يقوم الإعلام بدور التهدئة، بدل الضخّ العلني للتنابز السياسي أو الطائفي، وأن يفتح مجالات الحوار حول القضايا المفيدة، كالاقتصاد والتعليم، والفقر، ومشكلات العمل، وقضايا الفساد بدل الدوران العقيم حول قضايا قديمة يجب على العاقل أن يتذخ منها موقفاً عقلياً يمكّنه من التجاوز لكافة المشكلات القديمة والقضايا العقيمة.إن في العالم العربي حالياً قابلية غير مسبوقة، لتحوّل الشارع إلى غاب، نشاهد تلك القابلية وبوضوح عبر الضخّ الإعلامي الذي تمارسه الزعامات السياسية، والدينية، وعبر التنابز الطائفي الشديد عبر التكفير المتبادل، وأعتبر ما يحصل في العراق من حرب أهلية أحد أشكال الحروب الأهلية التي ربما تكون مصير شعوب عديدة. ما لم نتخذ من التهدئة والحوار العلمي والتسامح البيني منهجاً حياتياً شاملاً.

كاتب سعودي
[email protected]