تتراوح آيات التحريم والنهي في القرآن بين التحذير المباشر أو الزجر العنيف وبين التلميح إلى المعنى وهذا ما جاء في القصد من الآيات المحكمات الذين هم أم الكتاب وبين الأخر المتشابهات.
فالحجاب لم تذكر فيه آيات صريحة، واختلف فيه الأنام بين مؤيد ومعارض..
والنهي عن الميسر والخمر اتبع أسلوب التدرج لما اعتاد عليه الناس آنذاك. والنهي عن أكل الميتة والخنزير فيه بعض التجاوز في أوقات الضيق، حرصا على حياة الإنسان، أما قضية العدل فقد جاءت في القرآن بأسلوب واضح صريح مباشر، مختصر لا يقبل التأجيل، ولا يحتمل التأويل، ولا يتسامح في التقسيط ....
إن الله يأمر بالعدل
وقضية العدل كذلك قضية في منأى عن الأهواء، مجردة من مشاعر البغض، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا.
بعيدة عن التعاطف والميل إلى من نحب؛ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى
وقصة (زيد بن السمين) تكتم الأنفاس وتذهل القلوب، لكمية العدل المطلق التي فيها..
إن عشر آيات تنزلت في قصة هذا اليهودي دفاعا عنه ، فبعد أن سرق الأنصاري (بشير بن أبيرق) درعا لرجل، راجت الشائعات أنه اللص ، فما كان منه إلا أن ألقى الدرع في بيت اليهودي، حتى يتلبس بالجريمة، ظنا منه أنه طالما كان يهوديا؛ فسوف تصدق قصة سرقة اليهودي، أما هو الأنصاري فبريء لا تلتصق به تهمة، في جو لا يخلو من الصراع بين المسلمين واليهود.. فتكون القصة مناسبة جدا للجو، ولكن القرآن فعل غير ذلك وبالعكس تماما وفي صالح اليهودي البريء..
جاء الأنصاري إلى النبي (ص) وقال نحن بيت عز وشرف فكيف نتهم؟؟؟ أريد تبرئتي على رؤوس الأشهاد مما نسب إلي؟!
وقام الرسول(ص) فبرأ الصحابي الأنصاري أمام الناس، لعدم وجود الدليل، فنزل القرآن وفي عشر آيات من أجل اليهودي يبرئ ساحته ويعاتب النبي..
quot;إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيما.
واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما.
ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول، وكان الله بما يعملون محيطا.
ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا؛ فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أمن يكون عليهم وكيلا ..
ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما.
ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما.
ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا.
ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك، وما يضلون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شيء، وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك مالم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما..
هكذا نزل عتاب للنبي، وتبرئة لليهودي ، واتهام للصحابي!!!
والصحابي الذي ذهب إلى يهود خيبر وحاولوا رشوته قال لهم إن كل بغضي لكم لا يمنعني من إقامة العدل فيكم، فقالوا بهذا قامت السموات..
وحين دخل المسلمون حمص واخذوا الجزية من أهلها أعادوها إليهم بقول الصحابي الجباية مقابل الحماية ، فقال لهم أهل حمص نصركم الله عليكم وأعادكم علينا، وكان أهل حمص مسيحيين على دين بيزنطة؟
وكما يؤيد الإسلام العدل من أجل تبرئة غير المسلم؛ فإنه كذلك يؤيد العدل ولو لم يكن في ظل الإسلام..
والرسول (ص) حين ذكر له (حلف الفضول) قال: لو دعيت له في الإسلام لأجبت، لأن الإسلام يدافع عن العدل وعن الإنسان، أيا كان لونه أو مذهبه أو جنسه وليس عن المسلم..
وحلف الفضول كان في الجاهلية، ولكنه كان حلفا إنسانيا للدفاع عن المظلومين، ويعود أصله إلى حادثة الاعتداء على سيدة من مكة اغتصبها رجل ظلما، فتداعى الناس إلى نصرتها، وتشكل حلف للدفاع عن كل المظلومين، من كل جنس وعرق ولون وقبيلة، فكان للمرأة فضل تدشين العدل في جزيرة العرب قبل الإسلام..
والبلد الإسلامي (تركيا) يسعى اليوم لدخول الإتحاد الأوروبي، القائم تحت راية العدل، (حلف الفضول الجديد) الذي حرر الممرضات البلغاريات(النسوة امتداد المرأة القرشية القديمة)، من يد الحاكم الجاهلي العربي الجديد، بعد تأبط شرا والشنفرى..
والاتحاد الأوربي أنقذ رقبة أوجلان الكردي من الإعدام، بعد أن تدلى حبل المشنقة فوق عنقه..
والاتحاد الأوربي قام ليس على الفتوحات العسكرية، سواء العثمانية أو الأوروبية، ولم تفلح مدفعية نابليون أو مدرعات غودريان النازي لدمج أوروبا قسرا بقوة السلاح..
وانتهى (نابليون بونابرت) مسموما بالزرنيخ، في جزيرة أشبه بالجحيم، في جنوب المحيط، حيث الأفاعي والعقارب (هيلانة)، و(أدولف هتلر) حاول السيطرة على أوروبا بالقوة المسلحة؛ ففشل ومات منتحرا بالرصاص والسيانيد مع عشيقته إيفا براون، وكلبه المدلل، فذهب الثلاثة إلى القبور بدون جثث حرقا بالبنزين..
وعندما كان السلطان العثماني يسأل لماذا لا يزور بلاد الفرنجة في أوروبا؟ فقد تغير العالم؟ وهناك ما يجب الإطلاع عليه؟
كان جوابه: سلطان المسلمين لا يزور بلاد الكفار إلا فاتحا.
واليوم يسعى خلفاؤه من قادة تركيا الجدد (المتدينين) (طيب أردوغان) و(جول) رئيس جمهورية تركيا باستماتة، أن تفتح تركيا بيد الأوربيين من خصومهم القدامى؟
ويضحك التاريخ ضحكة كبيرة، من قولة السلطان العثماني القديم؟؟ عن عقوق أولاده الجدد؟
ولكن هذا هو قدر التاريخ؛ العدل أولا وقبل كل شيء، وأوربا الجديدة ولدت من رماد الحروب بالعدل، بعد حرق الظلم والظلمات..
وخليفة المسلمين (العصملي) كان ينصب بالظلم؛ فيخنق 14 أخا من أخوته في يوم واحد مع اعتلائه العرش السلطاني..
تركيا تريد دخول نادي الإتحاد الأوروبي ليس لأنه مسيحي ابن ريتشارد قلب الأسد وشارلمان؛ بل لأن الاتحاد الأوروبي ولد تحت كلمة السواء، وهي من أعظم التجارب الإنسانية نضجا وصدقا وعدلا، يضم 27 دولة بأكثر من 450 مليونا من الأنام؟؟
كل ذلك لأن الاتحاد الأوروبي لحمته وسداه العدل..
وحيث العدل فثم شرع الله كما يقول (ابن قيم الجوزية)..
والإسلام طرحه إنساني وليس شوفيني..
وسر قوة الإسلام وسعة انتشاره فيما مضى هي دفعة العدل التي أطلقها في الضمير الإنساني، وبقدر تخلق المسلمين بهذا المقياس الصارم في العدل بقدر انتشار الإسلام والعكس بالعكس،...
وتتحد اليوم أوروبا كلها كقارة، وفلسطين تتقسم إلى دولتين
وتتقاتل فتح وحماس بكل حماس..
ولبنان تقف على الهاوية، وتغرب شمس (فتح الإسلام) بدون فتح، ولا يمنعها من التردي إلى الحرب الأهلية، سوى الذكرى القريبة للحرب الأهلية..
أما العراق فبعد خراب بصرى ونينوى، والديالي والفالوجة وكربلاء، وكردستان ومذبحة عبدة الشيطان، أصبح ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
والباقي ينتظر وهو أدهى وأمر....
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه
التعليقات