أنا من مواليد مدينة حلب السورية، مسلمة، سنية، على مذهب الإمام أبو حنيفة، ولم يكن لي في ذلك شأن ولا حول ولا قوة، فلو ولدت في غابات أفريقيا لكنت الآن أتمتع بمذاق اللحم البشري على أنه وجبة فاخرة، ولو نشأت في أفغانستان لما كنت ndash;كأنثى- أخط الحرف أو أتلوه وأنا أنتظر دوري في الطابور للحصول على ساق خشبية أو ذراع معدنية يلقيها ملاك روسي طائر، ولو ترعرعت في واترلو من(كندا) لكنت من جماعة (المنو نايت) أمتطي صهوة عربة قديمة وأتدفأ على الحطب وأقرأ على ضوء الشموع ،ولو ولدت في أمريكا اللاتينية لكنت أتعاطى المخدرات وأعمل في التهريب، ولو كنت ابنة سلطان بروناي لكنت أتدثر بالديباج وأنام على الريش وآكل بصحاف الذهب وأتجمل باللؤلؤ والماس يقول مالك بن نبي (إن حظوظ الإنسان في الدنيا متعلقة بالمجتمع الذي يعيش فيه)فالمكان ليس استراتيجية جغرافية فحسب بل هو المجتمع الذي يمنحنا الدين فنعتنقه والجماعة التي تعتقلنا في حوض معرفي يبرمج عقلنا فنتبنى أفكارها ونعيش في ظلالها ونعادي من يعاديها ومن يولد في التيبت يصبح بوذيا من جماعة الدالي لاما حليق الرأس أصفر الملابس، ينادي بالسلام، وينشر الوئام بين الأنام... ومن يولد في الهند ينشأ هندوسيا يعبد البقر ويتمسح بأبوالها ويقدم إليها النذور والقرابين، أو يعبد الجرذان ويقدم لها الولائم،ومن يولد في إيران قد يكون شيعيا،وفي جبل سنجار يزيديا، وفي جبال العلويين علويا،وفي شمال بلجيكا فلمنكيا....
المكان والمجتمع حقيقتان ثقيلتان تبددان وهم الحرية الزائفة التي يخيل للإنسان أنه يتمتع بها البيولجيا قيد ثاني فالجينات(الشيفرة السرية للخلق)هي الريشة التي رسمت أجفان الياباني ولونت الأزرق في مقلة الاسكندنافي وصورت شعر الأفريقي وحددت قامة الأندونيسي الجينات تحدد كذلك سنوات العمر من خلال ساعة مبرمجة على منبه الموت مع كل انقسام كروموسومي وأيضا الاستعداد لمرض السكر أو قابلية الإصابة بالسرطان أو مرض الناعور أو العشى الليلي الزمن هوقيد آخر ثقيل يشدنا إلى عقارب الساعة فلا نستطيع أن نتحرر من أغلال هذه السلاسل الثقيلة تشدنا إلى ساقيتها فلا نملك العودة إلى الوراء ثانية و لا نستطيع القفز إلى ألف عام والإنسان يقهر أحيانا قيد المكان و يتحرر من زنزانة مجتمعه لأن هامش الحركة في( المكان )و(الفكر) أفضل من البيولوجيا طالما أن الإنسان يسير في الأرض (قل سيروا في الأرض ) وقد يفر فلسطيني إلى أمريكا وعراقي إلى بريطانيا وسوري إلى كندا.... ومحمد أسد الذي ولد في النمسا من أب يهودي وجد (حاخام) أصبح العاشق المتيم للصحراء العربية في المملكة السعودية وأمضى سبعة عشر عاما من عمره في ترجمة القرآن وتفسيره.
ولم يكن بالمستطاع التخلص من قيد البيولوجيا حتى برز مايكل جاكسون المغني ألأمريكي الأسود بسحنة جديدة من بشرة ناصعة وأنف أقنى وشفاه رقيقة وشعر مسترسل.
وعمليات شفط الدهون وحقن الكولاجين وزرع العدسات لم تهدم قفص البيولوجيا فحسب بل وأعطت لكل فنانات الفضائيات سحنة واحدة من شفاه ممطوطة، وصدور ناهدة، وعيون ملونة،وأصوات ناشزة واستنساخ الأعضاء في تطور محموم لاستبدال بنكرياس السكري والكبد المتشمع والكلى التالفة.....واكتشاف الخلايا الجذعية يعد بانعتاق شبه كامل من أغلال هذا القيد. ويبقى الزمن القيد المستعصي الوحيد(والعصر إن الإنسان لفي خسر) والإنسان يدخل في كل لحظة صفقة خاسرة مع الوقت تبعده خطوة عن الحياة وتقربه أخرى نحو الموت.
(إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) هي شروط أربعة من إيمان وعمل صالح والتزام بالحق وتمسك بالصبر ومن يستوفي هذه الشروط يتحرر من حتمية الخسران ويوقن بزمن سرمدي ويتآلف مع الشريحة الكومبيوترية المزود بها من روح الله في عملية تهيئة للخلود في دار السلام.


أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه