لنبدأ من البداية لفهم مسار الديموقراطية عبر التاريخ. وُلدت الديموقراطية، كما وُلد العقل، في يونان القرنين الـ5 والـ4. كانت ديموقراطية مباشرة يشارك فيها جميع المواطنين. أما العبيد والنساء والغرباء، أو بالمصطلح الكويتي، quot;البدونquot; فلم يكونوا في عِداد المواطنين! فقط حوالي 800 رجل بالغين كانوا يتمتعون بالمواطنة الكاملة. الديموقراطية الحديثة التي ظهرت في بريطانيا وفرنسا في القرن 18 لم تكن مباشرة بل نيابية. استثنت من المواطنة الكاملة quot;الطبقات الخطِرةquot; على الاستقرار، أي الطبقات الشعبية التي تغلب عليها الأمية والفقر وأشكال النضال العنيفة. لم يتمتع بالديموقراطية إلا الأغنياء، quot;دافعو الضرائبquot;. أما quot;مَن لا يملك شيئا فلا يملك شيئا يقولهquot; كما كان يقول المثل! فرنسا لم تعترف بالاقتراع العام إلا في 1848 وللرجال فقط. النساء لم يحصلن عليه إلا سنة 1944. بريطانيا لم تعط حق الاقتراع العام إلا في 1918. عندما كفت الطبقات الشعبية، بالتعليم وتحسن قوتها الشرائية، عن أن تكون quot;خطِرةquot; على النظام الرأسمالي. الإسلاميون هم اليوم أشد خطرا على السلم الاجتماعية وعلى الاستقرار وعلى التنمية، الرهان الأول لكل بلد نام، من quot;الطبقات الخطِرةquot;. وكما تشهد على ذلك المعاينة ndash; وهي في السياسة كما التجربة في العلوم الطبيعية صاحبة القول الفصل -. آخذ كل من افلاطون وأرسطو الديموقراطية الأثينية على ديماغوجيتها وفوضاها. ديماغوجية. لأن الخطباء كانوا يستخدمون الريطوريقا (= فن الخطابة) لانتزاع القرار بدلا من البحث البرهاني على الحقيقة. فوضوية. لأن العامة غير الواعية بمصالحها الحقيقية، كما قال افلاطون، كانت تنقاد وراء أهوائها والمتلاعبين بها من الخطباء. الديماغوجية والفوضى ما زالتا تهددان الديموقراطية حيث يشارك الإسلاميون في البرلمان، في مصر والمغرب والكويت. في الكويت غادر 9 نواب قاعة المجلس احتجاجا على تعيين وزيرتين غير محجبتين! المحافظة على الاستقرار كانت تتطلب بالأمس في اوروبا وتتطلب اليوم في كثير من الدول العربية والإسلامية التدرج في التقدم إلى الديموقراطية عبر التقدم أولا إلى الحداثة الدينية والتربوية والتشريعية والتنموية لخلق الشروط الضرورية للانتقال إلى الحداثة السياسية: الديموقراطية. (انظر: ما مزايا تدريس الفلسفة). ما زال المجتمع المدني الحديث، القائم على الفرد الذي يتصرف سياسيا حسب مصالحه وقناعاته الخاصة ويفكر بنفسه باستقلال عن عائلته وعشيرته وقبيلته وطائفته وتنظيمه السلفي، مسحوقا تحت وطأة المجتمع الأهلي ذي المشروع الطالباني.
تحديث الكويت ومجتمعات مجلس التعاون الخليجي يتطلب خلايا تفكير من الاخصائيين في كل بلد وخلية تفكير جماعية في مجلس التعاون للقيام بتشخيص مشترك للمهام والتحديات التي تواجه كل بلد وتواجه الجميع للخروج من الأزمة المزمنة التي تتخبط فيها المجتمعات العربية والإسلامية منذ أن انتصرت القراءة الحرفية للنص على التفكير فيه. مواجهة التحديات بنجاعة تتطلب البراغماتية والضوابط. البراغماتية هي هنا تغليب التحقيق والمعاينة الميدانية على لوْك المبادئ الميتة. الضوابط هي العمل المدروس لضبط التوازن بين الفعل ورد الفعل للابقاء على الممارسات البراغماتية تحت السيطرة وإلا تحولت إلى quot;تَعلّم الحجامة في رؤوس اليتامىquot;. التحرر البراغماتي من الأحكام المسبقة يجب أن يواكبه تفكير سنتيتيكي (= تركيبي، مُحوصل، تأليفي) لا يرى الوقائع مشتتة بل في ديناميتها الخاصة وخيطها الناظم. وهذا ضروري اليوم لمحاولة الإفلات من لعنة quot;خليها على اللهquot;، من كسلنا الذهني الأسطوري، من فكر المعجزة المبرمج في جينيات دماغنا المعرفي قليل الدُربة: 43 % من الأميين، وتعليم ديني يحشوه بالعوائق المعرفية وتعليم عام هو، بالمعايير الدولية، أسوأ تعليم في العالم. وهكذا صرنا نرى الله في حيث كان يجب أن نرى قوانين العقل، وقوانين الطبيعة، وقوانين التاريخ واتجاهاته، وقوانين الاقتصاد، وقوانين السياسة وقوانين النفس البشرية المعقدة التي هي جميعا الصانع الوحيد للتاريخ.
مجلس الأمة الكويتي، الخاضع للتيارين القبلي والسلفي المعاديين للمرأة والحداثة والسلم الاجتماعية والتنمية، يشكل إعلانا مضادا للديموقراطية. لقد حلّه الأمير 5 مرات خلال نصف قرن. مصدر الشرعية الحقيقي، كما برهنت تجربة تونس منذ الاستقلال، ليس مسرحية الانتخابات التي تأتي أحيانا بأعداء الديموقراطية، لويس بونابارت وهتلر جاءا للحكم بالانتخابات الديموقراطية، بل بالانجازات الحديثة. تحديث البلاد المتسارع والعميق، والاعتماد على الكفاءة لا على الولاء القبلي والطائفي... المجتمع المدني التونسي يتكون من 9 آلاف جمعية والمجتمع المدني الفرنسي من 12 الف جمعية يشارك فيها 8 على 10 من الفرنسيين بينما لا يشارك إلا 1% منهم في الأحزاب السياسية. تحققت من خلال المجتمع المدني رقابة شعبية، ذكية وتقدمية غالبا، على العمل الحكومي ضدا على الرقابة الديماغوجية والفوضوية لمجلس الأمة الكويتي الذي تساءل رئيسه جاسم الخرافي: quot;عما إذا كان قد أصبح عائقا لتطور الكويت وللتنميةquot;!
هذا التساؤل لا يقارن، سورياليا، إلا بكتابة شيخ الأزهر مقدمة تقريظية لرواية سلمان رشدي quot;آيات شيطانيةquot; أو إعلان البابا في quot;سي ان أنquot; أن الله قد مات!
- آخر تحديث :
شرعية الحداثة أقوى من شرعية "الديموقراطية"
quot;أطروحتي عن نهاية التاريخ لا زالت راهنة (...) رؤيتي للتاريخ ماركسية: الديموقراطية تنتج من عملية تحديث واسعة تحدث داخل كل بلد.quot; (فرانسيس فوكوياما)
الحداثة وفي مقدمتها تحديث الإسلام، هي أولوية الأوليات. قلب الأولويات، كما طالبتكم كونداليزا رايس، هو وضع للمحراث أمام الجمل لتكسير المحراث وكسر الجمل: لإجهاض الديموقراطية، وشرطها الشارط، الحداثة. الفعل المؤسس للديموقراطية هو الاقتراع العام الذي يعطي لجميع المواطنين الحق في أن يكونوا ناخبين ومُنتخَبين لجميع المناصب بما في ذلك quot;الإمامة العظمىquot;. وهو شرط لم يتوفر بعد في الخليج والعالم الإسلامي حيث ما زالت المرأة في 9 على 10 من 57 دولة إسلامية قاصرة مدى الحياة. بالمثل، ما زال غير المسلم عمليا ذمّيا محروما من حقوق المواطنة الكاملة. وذلك لغياب مفهوم الفصل بين المؤمن والمواطن، بين الانتماء للدين والانتماء للوطن، بين الهُوية الدينية والهوية الوطنية كما في باقي بلدان العالم.
التعليقات