منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين وضعت إسرائيل في مخططاتها الإستراتيجية تصنيفا للتهديدات الأمنية المتوقعة. لكن الملف النووي الإيراني أتى ليغير آفاق هذه المخططات، حيث هناك متابعة دقيقة وعميقة جدا لكل تطورات عملية تخصيب اليورانيوم في إيران. مع ذلك، فعلى المدى القصير و المتوسط، تشكل الجماعات أو المنظمات quot;المستقلةquot; خطرا أساسيا على الدولة العبرية من وجهة نظر معظم قياداتها السياسية والعسكرية. أما بالنسبة لسورية فهي quot;تعودquot; وتشكل تهديدا كامنا كما يعبر عن ذلك بعض قادة الجيش الإسرائيلي.

1ـ النووي الإيراني و الأمن الإستراتيجي.
تعتبر تطورات الملف النووي الإيراني الاهتمام الأساسي لإسرائيل وخاصة بعد وصول quot;محمود أحمدي نجادquot; لرئاسة إيران في 2005. ومن هذا التاريخ بدأ الحديث في إسرائيل و بجدية كبيرة عن ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني على غرار الضربة التي وجهت إلى البرنامج النووي العراقي في عملية quot;أوبراquot; في 7 حزيران عام 1981. مع ذلك هناك أكثر من مدرسة أو تيار في إسرائيل يتواجهان حول الضربة العسكرية. الأول يدعو لضرب إيران مهما كانت النتيجة وينتظر الدقيقة المناسبة لذلك. الثاني، يرى بأنه ليس للدولة العبرية أية مصلحة في مهاجمة إيران. وأخيرا هناك من يتحدث في إسرائيل على أن بعض الدول العربية quot;السنيةquot; تعارض البرنامج النووي الإيراني وبقوة quot;إذا فلنترك لهم مهمة المجابهة مع إيران على طريقة صدام حسين في الماضيquot;.
ويعتبر الرئيس الإسرائيلي السابق quot;موشي كاتسافquot; من أشد المعارضين للنووي الإسرائيلي ويردد دائما مع أنصاره بأن إسرائيل لن تسمح للنظام الإيراني بامتلاك السلاح النووي. وهم يتذرعون دائم بالتصريحات quot;الدبلوماسيةquot; الإيرانية التي تتحدث عن تدمير إسرائيل، و بوصول هذه الأسلحة في المستقبل إلى منظمات إسلامية متطرفة. بالإضافة لذلك، يحذر هذا التيار من القوة المتزايدة للجيش الإيراني التي ربما ستتفوق على إسرائيل إذا لم توجه لها ضربة حاسمة. ويعطي أنصار التيار المتشدد في إسرائيل أمثلة على حصول إيران بطريقة التهريب على 12 صاروخا بحريا من نوع Kh-55 ومداها 3000 كيلو متر، من أوكرانيا في عام 2001، كما يشير ( Tom Warner، في مجلة Financial Times، بمقال تحت عنوان quot; Ukraine admits it exported cruise missiles to Iran and Chinaquot;، عدد 18 آذار 2005). أيضا إطلاق إيران لقمر له أهداف عسكرية سمّته Sina-1 بمساعدة روسية في تشرين الأول 2005.
هذا التيار أو المدرسة الإسرائيلية المتشددة تجاه إيران دفع بتأسيس quot;جبهة إيرانية جديدةquot; تسلم مسؤوليتها إلى الجنرال quot;إليعازر شكيديquot;قائد سلاح الجو، وقيام وزارة للشؤون الإستراتيجية يتسلمها quot;أفيدور ليبرمانquot;، أما الهدف الرئيسي فهو تنظيم إجراءات سياسية، دبلوماسية واقتصادية تضعف النظام الإيراني كما يقول ( Ephraiuml;m Kam، في مقاله quot; A Nuclear Iran : what dose it mean and what can be done ?quot;، في Memorandum 88، INSS، شباط 2007).
أنصار التيار الثاني يرون أنه مهما حصل فإن إيران ستمتلك السلاح النووي يوما ما، وأية ضربة عسكرية ربما تؤدي لخطر قيام صراع مستقبلي. ووفق هؤلاء، يجب التركيز على ممارسة الردع، لأن الإيرانيين، وعندما يمتلكون القنبلة الذرية، فإنهم سيجهدون وبسرعة كبيرة لكي يصبحوا قوة إقليمية. والتفاوت الكبير بين الترسانة الإيرانية quot; الافتراضية حتى الآنquot;، و الترسانة الإسرائيلية الموجودة أساسا يجب أن يخذ بالاعتبار. بالإضافة لذلك يرى هؤلاء انه يمكن وبواسطة بعض القنابل، وعن بعد، تدمير كل ما راكمته إيران من صناعة نووية خلال عشرات السنين.
ونذكر هنا أن إسرائيل تصنف كسادس قوة نووية في العالم بعد الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا والصين. وعلى العكس من هذه الدول، فإن إسرائيل لم توقع على اتفاقية عدم التخصيب النووي TNP. ومنذ عام 1967، وهو التاريخ الذي امتلكت فيه إسرائيل القنبلة الذرية، السلطات العبرية تؤكد دائما أنها لن تكون الدول الأولى في الإقليم التي تدخل السلاح النووي إليه. أما الهدف كما يراه القادة العبريون هو امتلاك قوة رادعة كبيرة في مواجهة التهديد العسكري المتوقع من قبل الجيران العرب. من جهتهم خبراء quot;الوكالة الدولية للطاقة الذريةquot; والعديد من محللي الأجهزة الأمنية العالمية يقدرون الترسانة النووية الإسرائيلية اليوم ما بين 80 إلى 200 رأس نووي. ( للمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى Military Balance صادر عن quot; المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندنquot;، 2007).
وحتى يستخدم الجيش الإسرائيلي هذه الترسانة، فقد حصل على العديد من quot;الناقلاتquot; النووية. في البداية عبر الجو بواسطة 25 طائرة حربية مقاتلة F15 I و 40 مقاتلة حربية F 16 I وهي تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وجميعها مجهزة لنقل الأسلحة النووية. النقل بواسطة الجو تعتبر عملية مرنة وفيها مميزات بالنسبة للجيش الإسرائيلي، فهو قادر على شحن هذه الأسلحة لمسافة آلاف الكيلومترات بفضل القدرة على تزويد الطائرات بالوقود عبر الجو. يأتي في المرتبة الثانية أكثر من خمسين صاروخا بالستيا من نوع Jeacute;richo II ومداها 1500 كيلومتر، يتم استخدمها بواسطة قواعد أرضية متحركة أو عربات متحركة (صاروخ Jeacute;richo تم تصنيعه بمساعدة شركة Dassault في وجود الجنرال Marcel Dassault)، أيضا بعض صواريخ Jeacute;richo III مداها النظري 4800 كيلومتر. وتبحث إسرائيل منذ سنوات عن بناء قدرة نووية بحرية quot;غواصاتquot; قادرة على إطلاق صواريخ Turbo Popeye. وربما ستكون ألمانيا هي عرابة بناء القدرة النووية البحرية للجيش الإسرائيلي. فمن المعروف أن برلين في شهر تشرين الثاني 2005، التزمت بتزويد إسرائيل بغواصتينquot; صامتتينquot; من نوع 800 وهي معدلة، طبعا هذا بالإضافة لثلاث أخرى تمتلكها الدولة العبرية. ويرى خبراء البحرية الإسرائيلية انه مع خمس غواصات ستتمكن تل أبيب من السيطرة على السواحل السورية واللبنانية بكل سهولة وخاصة في أوقات المعارك.
أيضا يرى أنصار التيار الثاني، انه لا بد من الاعتماد بشكل كبير على تطوير إستراتيجي للمخابرات العسكرية الإسرائيلية Aman، هذا الجهاز يؤكد بدوره أنه في حالة امتلاك إيران للسلاح النووي فإن استخدامه ضد إسرائيل سيكون ضعيف الاحتمال، وفي نفس الوقت يشدد على خطورة السلاح النووي الباكستاني. ويذكر هؤلاء بان إسرائيل تمتلك القنابل من نوع H ذات القوة الهائلة، والتي تعمل تحت المظلة النووية الأمريكية وقد ضمت إليها صواريخ Jeacute;richo 3 القادرة على إصابة جميع الأهداف الواقعة بين الجزائر و باكستان. ولكن هناك من يؤكد من داخل الجيش الإسرائيلي أنه سيكون من المستحيل توجيه ضربة حاسمة للبنية التحتية النووية الإيرانية، فهي متعددة، منتشرة في مناطق واسعة و منها ما يقع تحت الأرض.
الجنرال quot; شلومو برومquot; وهو مسؤول سابق عن التخطيط في سلاح الجو الإسرائيلي أكد في دراسة له تحت عنوان quot; Getting ready for a nuclear-ready Iranquot; ونشرتها US Army War College :quot; أنه بسبب المخاوف المتعددة، فإن الجيش الإسرائيلي سيستطيع تنفيذ العديد من الضربات القوية ضد بعض التجهيزات النووية الإيرانية، ولكن لن يكون بمقدوره القيام بغارات جوية تسمح بتدمير جميع ما تمتلكه إيران من بنية تحتية نووية، إلا في حال تدخل الجيش الأمريكيquot;. ضمن هذا الموضوع نفسه، فإن الدراسة التي نشرها مرجع International Security حول قدرة إسرائيل بضرب البرنامج النووي الإيراني، هي وكما يرى الخبراء العسكريون متفائلة جدا وغير واقعية. فالدراسة ترتكز على نموذج رياضي خالص، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار الوضع الدولي والعلاقات السياسية و الدبلوماسية، كما أنها تعطي قيمة أكبر لقوة سلاح الجو الإسرائيلي. بالإضافة لذلك، لا تعطي الدراسة دورا لإطلاق الصواريخ من الغواصات الإسرائيلية أو ضربات بصواريخ بالستية، فالتركيز فقط على الغارات الجوية.
ومن أجل إعطاء فكرة الغارات ثقة أكبر أمام الأصدقاء والحلفاء، فقد عمد الإسرائيليون لمضاعفة تدريباتهم الجوية على المسافات الطويلة، عبر البحر الأحمر و المتوسط. وقد رأى سكان مالطا التشكيلات الجوية الإسرائيلية في سماء جزيرتهم أكثر من مرة وأيضا في بحر إيجة و بالقرب من سواحل جيبوتي. مع ذلك، يرى العديد من السياسيين في إسرائيل أنه لا بد من تدخل الولايات المتحدة في أية عملية مشابهة، لأن تدخلها سيمنع قيام حلف عربي/ إيراني ضد الدولة العبرية نظرا للصدقات القوية التي تجمع الأمريكان ببعض العرب.

2ـ الاحتمال الضعيف للحرب مع سورية.
شكلت الغارات الإسرائيلية مؤخرا على الأراضي السورية عاملا يدفع باتجاه القول أن الحرب على الأبواب. ولكن في نفس الوقت تعددت التسريبات الإعلامية حول إعادة تفعيل المفاوضات بين البلدين. في كل الأحوال، يرى بعض المحللين الإسرائيليين بضرورة تسريع المفاوضات مع سورية ويعود هذا لأسباب داخلية سورية تتعلق بمدى ضعف وقوة النظام القائم. فالنظرية السائدة في الغرب و في إسرائيل هي أن سورية أصبحت تشكل أرضا خصبة لقيام نظام إسلامي متشدد، وبالتالي من المناسب توقيع سلام معها حتى يتم درء خطر المفاجآت. بالإضافة لذلك، يرى الكثير من الإسرائيليين استحالة قيام سورية بشن حرب على إسرائيل أيضا لأسباب داخلية أخرى تتعلق بالاقتصاد السوري و حالة الجاهزية عند الجيش، وهذا ما منع سورية من التدخل لجانب حزب الله في الحرب الأخيرة على لبنان. إذا دمشق وتل أبيب محكومتان بالمفاوضات وتحقيق السلام لأن الحرب ليس في مصلحتهما. والمستفيد الوحيد من حرب سورية/إسرائيلية سيكون النظام في إيران، فهي إضعاف لسورية مما يعني تسهيل مرور الإستراتيجيات الإيرانية عبر ثلاثة دول العراق، سورية ولبنان؛ وهذا في النهاية سيشكل تهديدا للدولة العبرية. إذا السلام هو عدو جميع المتطرفين في المنطقة وصديق الغالبية الساحقة من أبنائها.

3ـ إسرائيل و التنظيمات الدينية.
أثبتت التجربة أن إسرائيل غير قادرة على إيقاف إطلاق الصواريخ على أراضيها إن كان من جهة حزب الله، حيث إيران مستعدة للتضحية بآخر لبناني لمحاربة الولايات المتحدة وإسرائيل، ومستعدة للتفاوض لقرون فيما يتعلق بملفها النووي، أو من جهة حركة حماس التي تشارك في هدر الدم الفلسطيني مقابل إصابة المستوطنين ببعض نزلات البرد أو الصدمات النفسية. اليوم تحاول دولة الفكر الصهيوني إنشاء نظام حماية quot;فعالquot; ضد هذه النوع من الصواريخ، بعد استبعاد فكرة شبكة من المدافع الليزرية المشكوك في فعاليتها. تم تقييم هذا النظام الجديد من حيث التكلفة والفعالية ووافقت عليه الحكومة العبرية.
يقوم المشروع على نظامين، الأول ويسمى quot; قبة الفولاذquot; ويهدف بشكل أساسي إلى اعتراض الصواريخ من نوع quot;قسامquot; الذي يطلق بأشكال كلاسيكية. الثاني، ويسمى quot;الحزمة السحريةquot; وعليه اعتراض الصواريخ ذات المدى المتوسط. ( يمكن العودة لمقال quot; زئيف شيفquot; The Wheels did not turnquot;، ها آرتس، 11 أيار، 2007). أما طريقة عمل النظامين، المتوقع أن يعملا مع نهاية 2009، فهي تقوم على وجود رادار واحد مهمة الكشف عن الصاروخ ثم تحديد نوعية الرد التي تتوافق مع النظام المضاد للصواريخ Arrow. وهذا النظام الأخير تمت تجربته من قبل الجيش الإسرائيلي في 11 شباط 2007 ونجحت التجربة، مما دعا النظام العبري إلى طلب بطارية ثالثة إضافية لنفس النوع من الصواريخ، ويبقى القول هنا إن كانت الحكومة الإسرائيلية تريد فعلا إيقاف إطلاق الصواريخ.
أخيرا، وبعد أزمة إسرائيل الأخيرة في لبنان يمكن القول أن الإعلام العبري انقسم إلى ثلاث اتجاهات مختلفة. الأول، يرفض بالمطلق الحوار مع الذراع العسكري لحزب الله ويدعو إلى استخدام القوة بشكل دائم معه ومع حماس. الثاني، وهو الاتجاه الذي يعتبر أن الحل العسكري أخفق وأنه من الضروري العودة إلى المفاوضات مع الدول العربية بما فيها فلسطين. هذا الاتجاه يريد quot;طلاقا بالتراضيquot; بين إسرائيل و المناطق الفلسطينية المحتلة، ويستند على إحصاء جديد يبين أن الشعب الإسرائيلي المكون من 7 ملايين نسمة، يشكل اليهود فيه 76%، العرب 20%، الدروز 4%، وما تبقى من البدو والشركس (طبعا لا نعلم لماذا تم تصنيف الدروز هنا وكأنهم من عرق أو جنسية أخرى !). ومع إضافة 2، 5 مليون فلسطيني بمعدل نمو سكاني مرتفع جدا، كل هذا يعني ووفق الإحصائية، أن الإسرائيليين في مطلع عام 2020 سيكونون أقلية في الأراضي التي تقع عليها إسرائيل و السلطة الفلسطينية. أما الاتجاه الثالث و الأخير فهو يتقاسم مع الثاني الإرادة في المفاوضات، ولكن يرى أن إسرائيل لا يمكن أن تفاوض من موقع الضعيف، وعليها أن تنطلق من موقع قوي يأتي من نجاحاتها العسكرية. إنه اتجاه يغلب على معظم الشعب العبري، يريد استخدام القوة مع حزب الله، حماس وإيران في حالة تحولها لخطر نووي على إسرائيل. والجميع يقول اليوم، أين هي الحرب التالية ؟ ( يمكن العودة في هذا الصدد إلى مجلة The Economiste، عدد 5 أيار 2007.