نشرت مقالة في فضائل الحمار جديرة بالاطلاع فاحمرت لها أنوف كثيرة؟ وهو ليس بجديد مع القراء الغاضبين؟
فحين تحدثت عن الغدر والغدير ونظرية الدم النبوي ما يهدم فكرة الخلافة من جذورها، ويعطل الشورى، ويمحو العقل، هجم علي الشيعة وقالوا أنا وهابي عميل؟
وحين تحدثت عن الإله الذي انشطر إلى ثلاثة، بدون أن ينشطر، مما يعجز عن شرحه مجمع الكرادلة والبابوات التسعة عشر وبنديديكت السادس عشر ـ ولحسن الحظ لا يوجد محاكم تفتيش وإلا فتشوني مثل الحرامية ـ قال لي طبيب يعمل في الجراحة العصبية، من منطقة القامشلي من جماعتي: خالص أنت مسكين قاصر الفهم، ويجب أن تعتبر أن الثالوث يعمل مثل مجلس ديمقراطي رفيع المستوى على مستوى الوجود للتشاور في خلق ذبابة وطيران نحلة، في حين أن ربكم في الإسلام ديكتاتور لا يقبل الشراكة والتشاور؟
قلت له: نعم لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا..
وهكذا يتم (تجيير) مفاهيم الحداثة لفكر ظلمات العصور الوسطى.
وهو أمر يدل على أن العقل كما يقول (الوردي) أخر ما يفر فيه العقلانية والمنطق والتاريخ والنبوات والأخلاق وسواه، بل هو عضو للبقاء مثل قرن الثور وساق النعامة ودرع السلحفاة وسفاد الأرانب.
وفي يوم هتف قس من هولندا لقبني يوما بغاندي العرب حين رأى نقدي وتفكيكي للمسألة الدينية أنني طائفي حاقد..
والرفاق حسب لوغارتم الحزب وضعوني أيضا في نفس الفصيلة، لأنني قلت أن مسألة الطائفية مثل الخراج، أفضل حل لها فتحها للخارج للتنفس والاعتراف بها، فهناك مناطق تعشش فيها الطائفية مثل خراجات ما تحت الكبد اللعينة، نهايتها موت المريض، وانفجار الحرب الأهلية..
ولكن بيننا وبين هذا النقد والمراجعة مسافة ثلاث سنوات ضوئية؟
وحين تحدثت عن تفسخ الجثة العراقية عند أوروك ونينوى أرسل لي من الدنمرك رجل عراقي يصفني بالحمار أن أكف رذاذي عن شعبه، لأن المسألة العراقية تخص أهل موصل والناصرية؟
فعرفت أن الحمار مسكين متهم، وجب الدفاع عنه، فكتبت مقالتي في أخلاق الحمار الوديع..
وحين تحدثت عن خرافة الدولة الإسلامية قام السلفيون من جهتهم بوضعي في لائحة التكفير، وهي تضم قائمة من كرام القوم فأعطوني أهمية لا أستحقها؟
وكنت في مؤتمر في البحرين فضربت مثلا في الطغيان من صدام؟! فصرخ رجل من القاعة بغضب:
لقد مات الرجل، ورحمة الله عليه، ونطق بالشهادة، ومات بطلاً؟
قلت له لا تغضب فلأضرب المثل فيّ أنا، فلو أعطيتني من القوة والنفوذ والجبروت ما منح لصدام لكنت صدام باسم مختلف؟
وأذكر هذا من صديقي أبو كمران رحمه الله حين قلت له ـ وهو العراقي الفار من صدام ـ لو كنت مكانه لما تغير الأمر كثيرا!
تغيرت أسارير وجهه وغضب؟
قلت له لا تغضب فلأضرب المثل في أنا؟
فلو كنت محله لبرز صدام باسم مختلف؟
فلانت أسارير أبو كمران، وبدأ يستوعب المسألة على نحو مختلف.
والواقع فإن كل نفس ألهمت فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها..
وفي داخل صدر كل منا وحش وملاك، وفرعون وموسى..
ولو ولد فرعون بيبي الثاني أو بسماتيك الأول أو رعمسيس الثاني هذه الأيام وعاش في فرنسا لتعجب نفسه من سيرته؟؟ فالثقافة عندها قدرة أن تنتج عبد الناصر الديكتاتور أو ساركوزي الديموقراطي، ليس لأن ساركوزي ولد ديمقراطيا، بل لوجود شعب يفرمل طغيانه، مثل صناعة أي سيارة بفرامل ودعسة بنزين.
ونحن شعوب لا تملك الفرامل، فليس أمام سيارات من هذا النوع، إلا كوارث عبد الناصر، فذهب مثلا في السوء.
والأخ المصري(1) حين قرأ مقالتي في مثل الحمار، مقارنة مع غلطة عبد الناصر في حرب يونيو الكارثة عام 1967م، وكيف خرجت الجماهير المغفلة تطلب منه بعد الفشل الذريع أن يركب رقبتها مرة أخرى؟ غضب واعتبرها إهانة للشعب المصري.
واعترف الأخ المصري بأنه كان يجب أن يذهب لبيت أبيه وأمه منتهيا مودعا مذؤوما مدحورا، ولكنه شعر أن فيه ظلما للشعب المصري؟ وكلامنا كان عن تلك الجماهير المسكينة التي لا تعرف ما ينفعها ويضرها؟ ويقودها السياسيون إلى المهالك؟
وإذا كان عبد الناصر قد قاد العرب إلى شفا جرف هار في عار 1967 لأنه خرج بطرا ورئاء الناس، في عنتريات لا تتحملها حسابات السياسة، فصدام المصدوم، شنق الملايين قبل أن يشنق؟
وفي أحد الحملات الدموية التي أعطاها اسم سورة من القرآن: (الأنفال) بلغ عدد القتلى عشرات الآلاف، ومنهم من رفع الرقم إلى 180 ألفا، وذهبت قبائل كردية إلى الفقر والذل، وامتهنت بعض نسائهم من خلف الحرب الدعارة؟ فهل يفعل الحمار هذا؟
وأنا رجل غير عنصري، وحجتي من كتاب الله أن البشر يمكن أن يصبحوا ألعن وأشرس وأضل من الأنعام. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
وفي قناعتي أن أمراض الشعوب متشابهة، وفي القرآن عن اليهود والنصارى أنه تشابهت قلوبهم.
ويلحقهم في هذا السنة والشيعة، والسلفيون وجماعة سعيد النورسي بديع الزمان وتلميذات منيرة قبيسي، والبوذيون وشهود يهوه، وطائفة الشنتو والزن، والزيديون واليزيديون، والهندوس والسيخ والصابئة، والنصارى والناصريون، والبعثيون والنازيون والشيوعيون وجماعة ماو..
فكلهم ليسوا استثناء على القانون.. وأمراض أهل الكتاب والجماعات الإيديولوجية متشابهة..
وتمتاز كل الشعوب بقصر الذاكرة، فالخائن يصبح وطنيا بطلا، والبطل يصبح خائنا يستحق الإعدام؟
إنها تشبه نكتة الطبيب والمريض، ففي يوم دخل مريض على طبيب فقال يا دكتور هل حالتي خطيرة؟ هل سأموت؟
أجاب لا ولكن لا أنصحك بالحياة؟؟
وما حدث في مصر من كارثة 1967 وجرت ويلاتها على العرب جميعا، لأن ثلث العرب هي مصر، إن نجحت نجحوا، وإن فشلت فشلوا، وحين حاول السادات أن يصلح الخطأ دفع حياته ثمنا لذلك؟
واليوم يحاول الكثيرون من ساسة المنطقة أن يصلوا إلى بعض مما وصل إليه السادات بدون فائدة.
وخلاصة الكلام علينا أن نتعلم من القرآن ثلاث دروس مفصلية:
ـ لا يعمم على الجميع ما ينطبق على بعض الأفراد، والقرآن يقول ليسوا سواء، والقرآن يقول ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون. والقرآن يقول أولم يكفهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل. والقرآن يقول أن هناك من إذا سمعوا القرآن يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا..
ـ والأمر الثاني يقول أن هبوط البشر لا حد له، كما أن صعودهم لا سقف يحده، إلى أعلى عليين وأسفل سافلين..
ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.
وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه فيقول رب أهانني..
وهي أمور يفعلها الإنسان بيديه، ولكن ثقافتنا تعطينا من الزخم أن نلوم الجميع وكل شيء والجن الأحمر والذباب الأزرق، ولا يخطر في بالنا ولو للحظة، أننا يمكن أن نكون سبب مصائبنا و(بلاوينا)..
ـ والقرآن الكريم حين يتكلم عن أمراض أهل الكتاب والشعوب والثقافات يقول: أنه ليس من شعب أو أمة أو ثقافة محصنة ضد المرض، أو تحمل المناعة الأبدية، بل هو مثل الموت الذي لا مفر منه مع أن النفس عنه تحيد..
والقرآن يقول ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به.
والقرآن يقول أن اليهود والنصارى زعمت أنهم أبناء الله وأحياؤه فكان الجواب فلم يعذبكم بذنوبكم..
وما ذكرت عن خروج طوابير البشر لإعادة عبد الناصر الفاشل على الرقاب حيا، ثم ميتا في جنازته، كما رأيت انتحار البعض في لبنان ليلة موته، جعلني أكرر ما كان والدي يقول أحيانا رحمه الله:
إن البشر فيهم عرق من الجنون؟؟؟
فهل أنا المجنون أم هم؟
خرج جحا على الناس فقال التعزية يا جماعة؟؟
قالوا خيرا يا جحا من مات؟
قال: البارحة مات أبو ابني؟!