الحلقه الاولى |
إن منظرا بسيطا من حادث ارتطام سيارتين وحضور البوليس يعطينا معنى حضور الدولة من خلال ممثليها (الشرطة) حاملين مسدساتهم جاهزين لردع أي متمرد على النظام وهي ما يسميها (راسل) القوة العارية.
ونحن قد تعودنا منذ الطفولة على رؤية الشرطة بأسلحتهم أو القوات المسلحة في استعراضاتها العسكرية للصواريخ والمدافع تحمل التهديد المبطن لمن تسول له نفسه تعكير الأمن.
وهي عار كبير على الجنس البشري باستعراض أدوات القتل، ولكن الجنس البشري ليس إلا في أول رحلته الانثروبولوجية والحضارة ليس لها من العمر إلا ستة آلاف سنة مقابل وجود الإنسان على الأرض منذ ستة ملايين من السنين.
ومرحلة العنف هذه تشبه وضع الطفل في أول رحلة الحياة وهو لا يعرف كيف ينظف نفسه وهي مرحلة لا نخجل منها في طفولتنا لأنها ضريبة التطور.
و(احتكار العنف) بيد الدولة كان من جهة جيدا لأنه في ظل الدولة نشأت الحضارة كما كان بناء الدولة بالمقابل لعنة، فمع وضع اليد على القوة والجند والمال أصيبت الدولة (بمرضين) كل واحد منهما يمثل فظاعة لا تطاق:
(أولاً) برمجة الحروب مع دول الجوار طالما كان الأمن مضمونا في النطاق الداخلي للدول وليس بين الدول. أي لم يوجد من يحسم النزاعات بين الدول مثل الذي حصل داخل الدولة الواحدة في هيمنتها على حسم النزاعات بين الأفراد. فهذا هو مصدر نشأة الحروب بين الناس فالحرب ظاهرة مترافقة في الصراع بين الدول أو أثناء تحلل الدول.
وكما يقول (علي الوردي) في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) في تفسيره quot;سبب التنازع البشري:
أن quot;الحكومة استطاعت أن تحسم النزاعات بين رعاياها بواسطة أجهزة القضاء والشرطة وما أشبه، وهذه الأجهزة قد تكون متفسخة أو جائرة ولكن وجودها خير من عدمه فلولاها لتحول النزاع بين الأفراد إلى قتال عنيف وأكل بعضهم بعضا. ويصح أن نقول مثل هذا عن الحروب التي تنشب بين الدول، فهذه الحروب ستظل مستمرة إلى أن تظهر قوة عالمية قاهرة تحكم في منازعات الدول. إن الدول الآن تعيش في نفس المرحلة التي عاش فيها الأفراد قبل ظهور الحكومات المحلية فكل دولة تريد أخذ حقها بحد السيفquot;
و(ثانياً) الطغيان الداخلي على الأفراد فمع تملك القوة يبدأ البشر بادعاء الإلوهية.
رأينا هذا واضحاً في ملوك آشور وأور والفراعنة أو ممارسة ذلك بدون ادعاءه حتى اليوم في جو الديكتاتوريات.
يرى (جون لوك) في (الحكم المدني) أن:quot; الطغيان يبدأ عندما تنتهي سلطة القانونquot;. وأن quot;الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق. بل إن جرمه يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة التي عهد بها إليهquot; أما (جون استيوارت ميل) فيرى أن هذه الأحادية كارثةquot; أولئك الذين يريدون إخماد الرأي الآخر هم أنفسهم غير معصومين من الخطأ ومن ثم فهم عندما يرفضون الإصغاء لأي رأي مخالف فإنما يزعمون لأنفسهم العصمة من الخطأquot;.
إن جذر (الطغيان) حسب القرآن مرتبط (بامتلاك القوة) quot;كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنىquot; و كما يقول اللورد (اكتون): quot;كل سلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقاًquot; وموقف الطاغية كما يرى (مونتسكيو) هوquot;موقف ذلك الذي يقطع الشجرة من أجل قطف ثمرة.
وينقل (راسل) عن كونفوشيوس هذه القصة فعندما quot;مر على مقربة من جبل (تاي) أبصر بامرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة. فسارع المعلم إليها. وبعث بتلميذه (تسي ـ لو) يسألها: أنك لتبكين يا امرأة وكأنك احتملت من الأحزان فوق الأحزان. فردت المرأة تقول: وكذاك الأمر فقد قتل نمر من قبل والد زوجي في هذا الموقع. وقد قتل زوجي أيضاً. وهاهو ولدي قد مات نفس الميتة أيضاً. فقال المعلم: ولماذا .. لماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة. فقال المعلم آنذاك تذكروا قولها يا أولادي: إن الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمرquot;.
والخلاصة أن أخطر أمراض الجنس البشري اثنان: (الحرب بين الدول) و(الطغيان ضمن الدولة الواحدة) ورسالة الأنبياء جاءت في هذا المفصل الخطير فدعوا إلى تحديد جرعة عنف الدولة بما يخدم غرض quot;الأمنquot; لا يزيد، وأن الدولة تقوم عن quot;تراض منهم وتشاورquot; فهذا هو التوحيد سياسياً أي خضوع جميع البشر لكلمة quot;السواءquot; وأن لا يتخذ بعضهم بعضا quot;أرباباquot; من دون الله.
ويكفي كل دولة بضعة آلاف من العساكر ولا حاجة لشراء طيارات بمليار دولار ونيف. ويأتي الجهاد ـ بشقه المسلح ـ ضمن هذا المنظومة فهو ليس quot;أداةquot; بيد (تنظيم مسلح) يقوم بقلب أنظمة الحكم بالقوة، بل أداة بيد (دولة راشدية) وصلت إلى الحكم برضى الناس، كما أنه ليس أداة (لنشر الإسلام) بل دعوة لإقامة (حلف عالمي) لرفع الظلم (الفتنة) عن الإنسان أينما كان ومهما دان، فيمن أخرج من دياره أو منع من حرية المعتقد والتعبير، فالجهاد موجه ضد الظالمين ولو كانوا مسلمين وغير موجه ضد الكافرين عندما يكونوا عادلين.
والجهاد بهذا يشبه مؤسسة الدفاع المدني على مستوى الأرض لإطفاء الحرائق حيث نشبت.
وعن حلف (الفضول) للدفاع عن المستضعفين وكان في الجاهلية قال عنه رسول الله ص quot;لو دعيت له في الإسلام لأجبتquot; وهو المفهوم الذي تبلور عند فيلسوف التنوير (إيمانويل كانت) عندما دعا في كتابه (نحو السلام الدائمZum ewigen Frieden) إلى قيام (أمم متحدة) تزيل الظلم من الأرض وتنهي حالة الحرب.
وما يحتاجه الناس اليوم هو أمم متحدة تحكمها كلمة السواء، ويحذف منها حق الفيتو، وتملك قدرة تنفيذ القرارات الموافق عليها بالأغلبية فيما يشبه برلمان أرضي.
وبذلك تضع الحرب أوزارها.
ونحن قد تعودنا منذ الطفولة على رؤية الشرطة بأسلحتهم أو القوات المسلحة في استعراضاتها العسكرية للصواريخ والمدافع تحمل التهديد المبطن لمن تسول له نفسه تعكير الأمن.
وهي عار كبير على الجنس البشري باستعراض أدوات القتل، ولكن الجنس البشري ليس إلا في أول رحلته الانثروبولوجية والحضارة ليس لها من العمر إلا ستة آلاف سنة مقابل وجود الإنسان على الأرض منذ ستة ملايين من السنين.
ومرحلة العنف هذه تشبه وضع الطفل في أول رحلة الحياة وهو لا يعرف كيف ينظف نفسه وهي مرحلة لا نخجل منها في طفولتنا لأنها ضريبة التطور.
و(احتكار العنف) بيد الدولة كان من جهة جيدا لأنه في ظل الدولة نشأت الحضارة كما كان بناء الدولة بالمقابل لعنة، فمع وضع اليد على القوة والجند والمال أصيبت الدولة (بمرضين) كل واحد منهما يمثل فظاعة لا تطاق:
(أولاً) برمجة الحروب مع دول الجوار طالما كان الأمن مضمونا في النطاق الداخلي للدول وليس بين الدول. أي لم يوجد من يحسم النزاعات بين الدول مثل الذي حصل داخل الدولة الواحدة في هيمنتها على حسم النزاعات بين الأفراد. فهذا هو مصدر نشأة الحروب بين الناس فالحرب ظاهرة مترافقة في الصراع بين الدول أو أثناء تحلل الدول.
وكما يقول (علي الوردي) في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) في تفسيره quot;سبب التنازع البشري:
أن quot;الحكومة استطاعت أن تحسم النزاعات بين رعاياها بواسطة أجهزة القضاء والشرطة وما أشبه، وهذه الأجهزة قد تكون متفسخة أو جائرة ولكن وجودها خير من عدمه فلولاها لتحول النزاع بين الأفراد إلى قتال عنيف وأكل بعضهم بعضا. ويصح أن نقول مثل هذا عن الحروب التي تنشب بين الدول، فهذه الحروب ستظل مستمرة إلى أن تظهر قوة عالمية قاهرة تحكم في منازعات الدول. إن الدول الآن تعيش في نفس المرحلة التي عاش فيها الأفراد قبل ظهور الحكومات المحلية فكل دولة تريد أخذ حقها بحد السيفquot;
و(ثانياً) الطغيان الداخلي على الأفراد فمع تملك القوة يبدأ البشر بادعاء الإلوهية.
رأينا هذا واضحاً في ملوك آشور وأور والفراعنة أو ممارسة ذلك بدون ادعاءه حتى اليوم في جو الديكتاتوريات.
يرى (جون لوك) في (الحكم المدني) أن:quot; الطغيان يبدأ عندما تنتهي سلطة القانونquot;. وأن quot;الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق. بل إن جرمه يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة التي عهد بها إليهquot; أما (جون استيوارت ميل) فيرى أن هذه الأحادية كارثةquot; أولئك الذين يريدون إخماد الرأي الآخر هم أنفسهم غير معصومين من الخطأ ومن ثم فهم عندما يرفضون الإصغاء لأي رأي مخالف فإنما يزعمون لأنفسهم العصمة من الخطأquot;.
إن جذر (الطغيان) حسب القرآن مرتبط (بامتلاك القوة) quot;كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنىquot; و كما يقول اللورد (اكتون): quot;كل سلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقاًquot; وموقف الطاغية كما يرى (مونتسكيو) هوquot;موقف ذلك الذي يقطع الشجرة من أجل قطف ثمرة.
وينقل (راسل) عن كونفوشيوس هذه القصة فعندما quot;مر على مقربة من جبل (تاي) أبصر بامرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة. فسارع المعلم إليها. وبعث بتلميذه (تسي ـ لو) يسألها: أنك لتبكين يا امرأة وكأنك احتملت من الأحزان فوق الأحزان. فردت المرأة تقول: وكذاك الأمر فقد قتل نمر من قبل والد زوجي في هذا الموقع. وقد قتل زوجي أيضاً. وهاهو ولدي قد مات نفس الميتة أيضاً. فقال المعلم: ولماذا .. لماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة. فقال المعلم آنذاك تذكروا قولها يا أولادي: إن الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمرquot;.
والخلاصة أن أخطر أمراض الجنس البشري اثنان: (الحرب بين الدول) و(الطغيان ضمن الدولة الواحدة) ورسالة الأنبياء جاءت في هذا المفصل الخطير فدعوا إلى تحديد جرعة عنف الدولة بما يخدم غرض quot;الأمنquot; لا يزيد، وأن الدولة تقوم عن quot;تراض منهم وتشاورquot; فهذا هو التوحيد سياسياً أي خضوع جميع البشر لكلمة quot;السواءquot; وأن لا يتخذ بعضهم بعضا quot;أرباباquot; من دون الله.
ويكفي كل دولة بضعة آلاف من العساكر ولا حاجة لشراء طيارات بمليار دولار ونيف. ويأتي الجهاد ـ بشقه المسلح ـ ضمن هذا المنظومة فهو ليس quot;أداةquot; بيد (تنظيم مسلح) يقوم بقلب أنظمة الحكم بالقوة، بل أداة بيد (دولة راشدية) وصلت إلى الحكم برضى الناس، كما أنه ليس أداة (لنشر الإسلام) بل دعوة لإقامة (حلف عالمي) لرفع الظلم (الفتنة) عن الإنسان أينما كان ومهما دان، فيمن أخرج من دياره أو منع من حرية المعتقد والتعبير، فالجهاد موجه ضد الظالمين ولو كانوا مسلمين وغير موجه ضد الكافرين عندما يكونوا عادلين.
والجهاد بهذا يشبه مؤسسة الدفاع المدني على مستوى الأرض لإطفاء الحرائق حيث نشبت.
وعن حلف (الفضول) للدفاع عن المستضعفين وكان في الجاهلية قال عنه رسول الله ص quot;لو دعيت له في الإسلام لأجبتquot; وهو المفهوم الذي تبلور عند فيلسوف التنوير (إيمانويل كانت) عندما دعا في كتابه (نحو السلام الدائمZum ewigen Frieden) إلى قيام (أمم متحدة) تزيل الظلم من الأرض وتنهي حالة الحرب.
وما يحتاجه الناس اليوم هو أمم متحدة تحكمها كلمة السواء، ويحذف منها حق الفيتو، وتملك قدرة تنفيذ القرارات الموافق عليها بالأغلبية فيما يشبه برلمان أرضي.
وبذلك تضع الحرب أوزارها.
التعليقات