الحلقة الاولى
2 من 2

تحريض قريش
كثيرا ما تتحدث لنا كتب السيرة النبوية عن دور اليهودعلى تحريض قريش ضد النبي وا لمسلمين، كما في هذه الرواية، وفي الحقيقة إن مثل هذا الادعاء مثير للإنتباه بشكل حاد، فلم يحدثنا التاريخ عن علاقة صميمية بين قريش واليهود لا قبل الاسلام ولا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم،، وكأن قريشاً قبيلة تحتاج إلى من يحرضها على قتال النبي إنتقاما لقتلاها في بدر، وكأن قريشاً تفتقر إلى رجال كبار وزعماء ذوي عزم يؤمنون بفلسفة الثأر والانتقام لقتلاهم، ومن المثير أيضا أن نقرأ أن قريش تستجيب بسرعة وبداهة لتحريض هؤلاء اليهود كما تذكر المصادر في كلامها عن معركة الاحزاب وغيرها.
رواية ابن هشام تقول: ((... كل قد حدّثني بعض حديثه ـ قالوا: قال كعب بن الأشرف ـ وكان رجل من طي، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النّضير ـ حين بلغه الخبر / أي خبر انتصار المسلمين في بدر ومقتل بعض أشراف قريش ــ أحق هذا؟ أترون أ ن محمداً قتل هؤلاء... فهؤلاء أشراف العرب، وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها، فلمّا تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكّrsquo;، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السّهمي، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فانزلته وأكرمته... ثم رجع كعب بن الاشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آ ذاهم، فقال رسول ا لله صلى الله عليه وسلم: من لي بابن الاشرف)) /13 جزء 2 ص 329 /.
لا أستبعد إن ذلك من صنيعة الدس للتقليل من قيمة قريش، ووصفها بالسذاجة والبلادة، وإن اليهود كانوا سادة الفكر والسياسة في تلك الفترة من تاريخ الاسلام والمسلمين، رغم أ ن عملية التحريض ربما كانت موجودة من ا ليهود ولكن ليست هي التي كانت وراء القرار القريشي في حربها ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن قريش سادة العرب، ولها باع طويل بالحكمة واللسان والتجارة والعلاقات خارج الجزيرة العربية، فليس من المعقول أن تقع فريسة مكر يهودي جاء من المدينة، لا يعرفون عنه سابقة، ولم تربطهم بهم را بطة.

رواية مكذوبة
يتوالى سرد ابن هشام ليقول لنا: ((... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه. فوثب محيصة بن مسعود... على ابن سنينة رجلٍ من تُجّار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، وكان أسنَّ من محيصة، فلما قتله جعل حويصة يضربه، ويقول: أي عدو الله، أقتلته؟ أما والله لربِّ شحم في بطنك من ماله، قال محيصة: فقلت: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك، قال: فوالله إن كان لأوّل إسلام حويصة، قال: الله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟قال: نعم، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها، قال: والله إنّ دينا بلغ بك هذا لعجب، فأسلم حويصة))/ 14السيرة ص 342 /
هذه الرواية الدموية رواها ابن إسحق مرسلة، ورواها ابن داود في سننه في كتاب الخراج بسند ضعيف 15 / سنن أبي د اود، إعداد بيت الافكار العالمية، مجلد واحد،الرياض، حديث رقم 3002 / كذك رواه الطبراني في الكبير (20 / 311 رقم 741)، وجميع الاسانيد ضعيفة، ففيها (مولى لزيد بن ثابت، حدثني ابنه محيصة)، فإن مولى زيد هذا مجهول كذلك ابنه محيصة.

توديع رسول الله
تدعي بعض المصادر أ ن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان قد ودّع محمد بن مسلمة وروهطه ا لمكلفين بقتل كعب، ففي رواية ابن إسحق ((حدّثني ثور بن زيد،عن عكرمة،عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد،ثم وجّههم، فقال: إنطلقواعلى اسم الله، أللهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته...)) 16 / السيرة ص 240 /، رواه ((أحمد والبزار إ لا أنّه قال أ ن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجه محمد بن مسلمة وأصحابه إلى كعب بن الأشرف ليقتلوه، والباقي نحوه. رواه الطبراني وزاد ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وفيه ابن إ سحق وهو مدلّس، وبقية ر جاله رجال الصحيح)) / 17 مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، طبع دار المعارف بيروت، سنة 1986، 6 ص198 /
ولكن ربما يعالج بعضهم تدليس ابن إسحق بكونه صرّح بالتحديث، وهذا لا يحل المشكلة في تصوري، لأن رواية ابن عباس بحكم المرسلة لصغر سنه يوم وفاة النبي الكريم،ولم يبين لنا مصدره في الرواية، ثم عكرمة تحوم حوله الكثير من الشبهات.

جملة من الأختلافات
هذا وهناك الكثير من الاختلافات في صياغة الروايات فيما يتعلق بالنقولات على لسان المكلفين بالقتل، كذلك ما كان على لسان زوج كعب، بل حتى في تحديد البداية، ففي وقت تؤكد رواية أن النبي الكريم كان يتشكى كعبا لهجوه المسلمين وتأليب الاخرين عليه، إنبرى محمد بن مسلمة وكان ما ذكرناه، فيما نقرأ في راوية أخرى: ((... فلما أبى كعب بن الاشرف أن ينزع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذ ى المسلمين وأمر ر سول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه فبعث إليه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ثم الحارثي وأا عيسى الانصاري، والحارث بن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتهوه عشية...))18 / دلائل النبوة للبيقهي 3 ص 154 / ورواها ابن داود في سننه (حديث رقم 3000)، كذلك الطبراني الكبير (19 / 7 رقم:154)، وكلهم من طريق شعيب عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه.
ومن الواضح إن هنا ك إختلافا بين رواية ابن اسحق ورواية جابر في الذين تولوا عملية قتل كعب، و اختلاف كبير.
وفي رواية أن دور سعد بن معاذ كان المشاورة بطرح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،، كما إن هناك إختلافا ً في اسماء الذين تولوا عملية القتل، واختلافأً في مجريات
عملية القتل!
ان كل ما يمكن الركون إليه من هذه الروايات الكثيرة هو أن كعب بن الاشرف كان يؤذي رسول الله والمسلمين، ويبدو إ ن قرار قتله كان بعد أن أ وغل الرجل في موقفه العدائي في سياق حرب وسجال، كان سائدا بين المسلمين وقريش.
المصادر
(1) فتح الباري، النسخة الالكترونية.
(2) سيرة ابن هشا م، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، طبع دار التراث،سنة 2003، القاهرة، 2 ص 335.
(3) دلائل النبوة للبهيقي، تحقيق سيد إبراهيم، القاهرة سنة 2006، طبعة أولى 2 ص 428.
(4) البخاري، دار المعرفة، بيروت، سنة 2004، مجلد واحد، ص 647، حديث رقم 2510.
(5) المصدر نفسه حديث 3031.
(6) نفسه، حديث رقم 3032.
(7) نفسه 4037.
(8) دلائل البيهقي 3 ص 151.
(9) فتح الباري، النسخة الالكترونية.
(10) ابن هشام، 2 ص 340.
(11) فتح الباري، النسخة الالكترونية.
(12) نفسه.
(13)ابن هشام 2 ص 329.
(14) ابن هشام، 2 ص342.
(15) سنن أبي داود، إعداد بيت الافكار العالمية، مجلد واحد، الرياض، حديث رقم 3002.
(16) سيرة ا بن هشام 2 ص 240.
(17) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي،طبع دار المعارف، بيروت، سنة 1986، جزء 6 ص 198.
(18) دلائل البيهقي 9 ص 154.
[email protected]