في أحد أيام الوحي المزلزلة وقف الرسول ص يقرأ سورة النجم على المشركين فلما انتهى خر الجبابرة ساجدين...
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أ فتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى
هذه الآيات من سورة النجم ذات إيقاع موسيقي خاص، يلاحظ فيه التموج والانسياب، وكأنه منظومة موسيقية علوية منغمة، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة، ولا عجب أن سجد كل من سمعها من مشركين ومسلمين، عندما تلاها عليهم نبينا محمد (ص) مختتما السورة بالآية(فاسجدوا لله واعبدوا)
وهكذا تحكي كتب التاريخ كيف سجد الجميع...سجدوا وهم مشركون، يمارون في الوحي والقرآن،وهم يجادلون في الله والرسول، لم يملكوا أن يقاوموا وقع هذا القرآن، ولا أن يتماسكوا لهذا السلطان....
حدثتني سيدة فاضلة، ذات منصب رفيع، عن حادثة جرت معها لأعوام خلت، حين ألمت بالسيدة وعكة صحية، لم يجد معها كل الوصفات الطبية والعلاجات الدوائية نفعا، ولما استيأست السيدة من الشفاء، نصحتها بعض النسوة باللجوء إلى (الرقية الشرعية) عسى أن تخفف عنها ما هي فيه من معاناة.
ترددت السيدة بادئ الأمر؟ حتى عثرت على شيخ صالح مشهود له بالتقوى وسلامة العقيدة من الشرك والدجل.
وفعلا جاء الرجل الصالح في الوقت المحدد، وقابلته السيدة في حضور اثنتين من وصيفاتها في غرفة مغلقة..
كان الرجل ذا صوت شجي، وكانت تلاوته للقرآن فيها خشوع عميق، وإحساس مؤثر، وفصاحة جلية، وبينما كان الحضور الأربعة في مجلسهم الخاشع هذا، فُتِح باب الغرفة فجأة!! ودخلت مدبرة المنزل كالسهم، وهي سيدةٌ أيرلندية الأصل، كانت تعمل في خدمة السيدة أعواما عديدة، دون أن تمارس طقسا من طقوس ديانتها...
دخلت المدبرة بخطوات ثابتة، شاخصة العينين، مخضلة الوجنات من الدمع المنهمر، ومشت إلى الشيخ، ثم جثت على ركبتيها أمامه، وهي ترتجف من البكاء!!
صعق الجميع! وخاصة أن هذا التصرف فيه خرق لقواعد وآداب القصر، أن يقتحم أحد على السيدة مجلسها، دون إذن منها، وهو أمر لم يكن من طبع المدبرة التي لم تخل يوما بهذه القواعد، بل تقيدت بها طوال سنين خدمتها..
ولما سئلت فيما بعد عن سبب تصرفها على هذا النحو؟
أجابت لا أدري.. فقط أذكر أنني فقدت تماما السيطرة على نفسي...
تقول مجلة( المرآة) الألمانية في عددها الأخير من عام 2007 والتي جاءت معنونة بهذه العبارة (القرآن الكتاب الأعظم أثرا في حياة الناس)، كيف يمكن أن يفهم هذا الكتاب؟ وماله من أثر عظيم في حياة الناس؟؟
وهكذا بدأت المستشرقة الألمانية (أنجيليكا نويفيرث)، بمشروع اسمه مشروع الماموت، نسبة للفيل العملاق المنقرض، وهذا المشروع ينقسم لفريقين:
الأول مهمته وضع بنك للمعلومات، وتسجيل كل ما يتعلق بالقرآن، منذ أن نزل على محمد (ص) وحتى الساعة..
والفريق الثاني؛ مهمته تحليل العمل الأول، بما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وقد أعلنت السيدة نويفيرث لدى بدئها بمشروعها، أن القرآن سوف يوضع تحت المجهر كلمة كلمة، وسوف يتم دراسة (كرونولوجيا) السور مثل البناء الميكروسكوبي..
المشروع سوف يمتد لفترة ثماني عشرة عاما، وبميزانية مليوني يورو، في محاولة لفهم هذا الكتاب (المقدس)..
وتقول السيدة (نويفيرث) (64) عاما، كيف يمكن فهم الآيات التي تدعو للتسامح وتلك التي تدعو للقتال؟
والسيدة نويفيرث عاشت في الشرق فترة، ويساعدها في مشروعها هذا، اثنين من الباحثين هما (نيكولاي سيناي) و(ميشيل ماركس)..
ودعت المستشرقة إلى دراسة متأنية لفهم المسلمين على نحو جدي، وكذلك فهم الجو الديني الذي نزل فيه القرآن؛ فالقرآن لم تنزل فيه أطول سورة في البداية، وهي سورة البقرة، بل المعروف أنه نزل على مكث بسور قصيرة، وبكلمة اقرأ لفتح الدماغ وتنشيط الوعي....
وهكذا علينا الانتظار حتى عام 2025 لنرى ماذا يتولد عنه المشروع؟
ترى هل سيعطينا إجابة عن سجود المشركين عندما تليت عليهم سورة النجم؟
أو عن سجود مدبرة القصر الأيرلندية دون أن تفقه كلمة من تلاوة الشيخ؟
أو لماذا أصبح( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) لدى مسلمين اليوم شهرا للنوم حتى المغرب، والأكل حتى السحور، والمسلسلات الرمضانية على مدار اليوم أربع وعشرون ساعة سبعة أيام في الأسبوع، في إجازة للعقل مفتوحة؟؟