الدولة المدنية هي دولة الفرد، أي الدولة التي تقوم على إقرار وحماية ورعاية حقوق الفرد، الفرد جوهر فلسفة الدولة المدنية، ولكن يا ترى وفي ضوء هذا التصور، ماذا سنقول عن الدولة التي تقوم أساسا على فكرة المجتمع، المجتمع قبل الفرد، هل نسينا الماركسية والإشتراكية بصورتيهما المتطرفتين؟ لماذا لا نطرح مشروع الدولة المدنية الذي يقوم على فلسفة (الفرد الإجتماعي)؟ أليس ذلك أولى من دولة مدنية قوامها الفردية الطاغية أودولة مدنية قوامها المجتمع المتسيِّد؟ ذلك هو منطق القرآن الكريم، وتلك هي (نزعة) التشريعات الإسلامية بشكل عام، أقول (نزعة) هذه التشريعات وليس (حرفيّة) هذه التشريعات.
كلامي هنا عن مشروع الدولة المدنية في العالم الإسلامي بطبيعة الحال، آخذا في نظر الإعتبار التركيب النفسي للإنسان المسلم، بل التركيب النفسي للإنسان الشرقي بشكل عام، فهو تشكيل مترع بالقيم الدينية، سواء كان ذلك عن إيمان وفهم أو عن تقليد ومواصلة لتاريخ الآباء والأجداد.
الدولة المدنية كما هو مقرر في الاجتماع السياسي تقوم على مبدأ التضاد مع الدين، هذا هو منطق الدولة المدنية في ظل الحكم الإشتراكي المتطرف، أي منطق الاتحاد السوفياتي في عز تاريخه، وهناك صيغة مخفّفة تقول أن الدولة المدنية تقوم على مبدأ الفصل بين الدين و الد ولة وليس التضاد، وذلك هو منطق الدولة في أوربا، فالدين لله والوطن للجميع، ولكن ما عسانا نعمل مع عالم مترع بالتدين؟ مع عالم يتغلغل التدين فيه إلى أعماق أعماقه؟!
ليس من المعقول أن نرسي مثل هذا الإمضاء دون قراءة دقيقة للواقع وممكنات التحقيق، تلك آفة وقعنا في شراكها المقيت، فأصابنا الفشل الذريع. هل يمكن أن يطرح مفكرونا العرب مشروع دولة مدنية ترشدها القيم الدينية السامية؟
أ ليس في ذلك حل منطقي وإلى حدٍ ما لدور الدين في عالمنا الإسلامي في بناء الدولة المدنية؟.
لقد كان محمد باقر الصدر عبقريا عندما أقر دور القيم الغربية في نهضة الاقتصاد الغربي، أي الفردية و النظرة الواقعية للحياة والنظر إلى الأرض قبل النظر إلى السماء، وكان عبقريا كذلك عندما أصر على إمكانية الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه قيم السماء والشرق في تأسيس إقتصاد قادر على النهوض بمستويات الفرد ومجتمعه في هذا الشرق. دولة مدنية لا تتضاد مع الدين، ولا تحكِّم الدين الحرفي في تأسيسها ومسارها، ولكن تستفيد من القيم الدينية في ذلك، بل ربما تستفيد أيضا من روح التشريع ومقاصده وأهدافه وغاياته، أقصد التشريع الإسلامي بالدرجة الاولى.
أن الفصل بين الدين وا لدولة في عالمنا الإسلامي وا لشرقي موقف صعب، وربما يؤدي إلى مضاعفات غير محمودة، وقد كان مكيسم رودنسن ذلك الماركسي اليهودي الفائق النظر وا لإنسانية على حق عندما راعى هذه العلامة الفارقة في العالم الإسلامي،حيث كان يصر على ضرورة قيام إجتماع سياسي خا ص بالشرق، يتلائم مع نشاته وصيرورته وضميره.
إن الصيغة المقبولة في هذا الشرق في هذه القضية بالذات هي الفصل بين الحكومة و الدين وليس بين الدولة وا لدين.فالدولة دينها الرسمي الإسلام، وتحتفظ بكل الحقوق لبقية الاديان الاخرى، وتسمح لحرية التدين أن تأخذ مساحتها الكاملة من الواقع، ولرجل الدين حقه في ممارسة السياسة، ولكن ليس باسم الدين، وتحت غطاء الدين. أنطلق من الحقائق على الارض، وليس من ضمير الإنسان العالمي، تلك أمنية، ربما نصل إليها بعد أجيال وأجيال.
يقولون: أن الدولة المدنية فوق الطائفية، والفكرة جميلة، والشعار أجمل، ولكن هل حقا كل الدول التي تعتبر مدنية هي فوق الطائفية الدينية؟ حتى في تلك الدول التي تبدو أنها علمانية صارخة، حتى في الدول التي مات الدين ــكما يقولون ــ في ضمائر شعوبها وناسها وأفرادها، هل نجد مصداقا صارخا لذلك في أمريكا بين البروتستانت والكاثوليك فضلا عن بريطانيا حيث تشخص قضية الكاثوليك في أرلندا وملابساتها؟ هل نجد مصداق ذلك في فرنسا، روسيا؟
الشرق ترسانة طوائف، وترسانة قوميات وأقليات على حد تعبير هنري كسينجر في مذكراته، فهل ننسى أو نتغافل هذا الواقع المرير؟ لنقل: أن دولتنا المدنية هي دولة التوازن بين الطوائف وليس دولة فوق الطوائف، ليس حبا في منطق الطوائف بل تقديرا وحسابا دقيقا للواقع المرير، ليست دولة محاصصة طائفية بل دولة توازن، تراعي الى حد كبير حقوق الجميع،وترسي وا جبات الجميع، وبذلك نقضي على الطائفية، نخلق مجتمعا متوازنا، لا ندعو إلى دولة تتشخص فيها وزارات مقاسة طائفيا، تقوم على توزيع طائفي، بل الى دولة ترعى أبناء كل الطوائف، وبذلك يتحقق التوازن بين الطوائف، ليس التوازن هو توزيع وزارات طائفيا، بل توزيع الثروة بالعدل بين كل أبناء الشعب، وبهذا لا تنفرز طائفة حاكمة وطائفة محكومة، ومن هنا ننجز منطق التوازن بين الطوائف، وأنا أركز على كلمة (طوائف) هنا، لأن الانتماء الى طا ئفة تحول إلى هوية في عالمنا الإسلامي وا لعربي للاسف الشديد، وأصبح أحد بل أهم آليات التحليل السياسي في عالمنا الإسلامي والشرقي.
يقولون: إن الدولة المدنية هي دولة القانون وليس دولة العشائر، ولا دولة الرجال النافذين، ولا دولة الحزب الواحد ولا دولة القانون الخالد hellip;
تبرز هنا ذات المشكلة التي تتعلق بموقع الدين و التدين في الضمير الإسلامي والشرقي، فالسؤال القائم هنا هو: ترى ماهي النتيجة لو أردنا ألغاء العشيرة من الحياة السياسية اليوم في العراق أو في الأردن أو في اليمن ؟ بل هل هذا ممكن فضلا عن كونه مشروعا على طاولة التساؤل؟
إن الحل في تصوري هو أن يتحرَّك مثقفو العشائر صوب تحقيق المجتمع المدني، مجتمع السلم وا لعدل والحرية، وذلك في سياق تشريعات مدنية مرنة تتعامل مع موقع العشيرة كوجود وقيم بدقة وموازنة، وليس ممّا يتضاد مع فلسفة الدولة المدنية الاستفادة من الرجال النافذين في المجتمع، ذلك فن ذكي لإنشاء الكثير من الحقائق الموضوعية، خاصة إذا كان هؤلاء الرجال من ذوي التحصيل العلمي والثقافي الجيدين، لابد أن نستفيد من كل الممكنات المتاحة لبناء الدولة المدنية في العالم الإسلامي، والزعامات الروحية وا لمالية والعشائرية ممكنات ليست عصية على التجيير لصالح الدولة المدنية. ويبقى الكلام عن دولة الحزب الواحد، فإنها تتناقض بالصميم وبالجوهر مع مبادئ وفلسفة ومسيرة الدولة المدنية، ذلك خط أحمر، أو أحد الخطوط الحمر، كذلك منطق القانون الخالد.
كلامي هنا عن مشروع الدولة المدنية في العالم الإسلامي بطبيعة الحال، آخذا في نظر الإعتبار التركيب النفسي للإنسان المسلم، بل التركيب النفسي للإنسان الشرقي بشكل عام، فهو تشكيل مترع بالقيم الدينية، سواء كان ذلك عن إيمان وفهم أو عن تقليد ومواصلة لتاريخ الآباء والأجداد.
الدولة المدنية كما هو مقرر في الاجتماع السياسي تقوم على مبدأ التضاد مع الدين، هذا هو منطق الدولة المدنية في ظل الحكم الإشتراكي المتطرف، أي منطق الاتحاد السوفياتي في عز تاريخه، وهناك صيغة مخفّفة تقول أن الدولة المدنية تقوم على مبدأ الفصل بين الدين و الد ولة وليس التضاد، وذلك هو منطق الدولة في أوربا، فالدين لله والوطن للجميع، ولكن ما عسانا نعمل مع عالم مترع بالتدين؟ مع عالم يتغلغل التدين فيه إلى أعماق أعماقه؟!
ليس من المعقول أن نرسي مثل هذا الإمضاء دون قراءة دقيقة للواقع وممكنات التحقيق، تلك آفة وقعنا في شراكها المقيت، فأصابنا الفشل الذريع. هل يمكن أن يطرح مفكرونا العرب مشروع دولة مدنية ترشدها القيم الدينية السامية؟
أ ليس في ذلك حل منطقي وإلى حدٍ ما لدور الدين في عالمنا الإسلامي في بناء الدولة المدنية؟.
لقد كان محمد باقر الصدر عبقريا عندما أقر دور القيم الغربية في نهضة الاقتصاد الغربي، أي الفردية و النظرة الواقعية للحياة والنظر إلى الأرض قبل النظر إلى السماء، وكان عبقريا كذلك عندما أصر على إمكانية الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه قيم السماء والشرق في تأسيس إقتصاد قادر على النهوض بمستويات الفرد ومجتمعه في هذا الشرق. دولة مدنية لا تتضاد مع الدين، ولا تحكِّم الدين الحرفي في تأسيسها ومسارها، ولكن تستفيد من القيم الدينية في ذلك، بل ربما تستفيد أيضا من روح التشريع ومقاصده وأهدافه وغاياته، أقصد التشريع الإسلامي بالدرجة الاولى.
أن الفصل بين الدين وا لدولة في عالمنا الإسلامي وا لشرقي موقف صعب، وربما يؤدي إلى مضاعفات غير محمودة، وقد كان مكيسم رودنسن ذلك الماركسي اليهودي الفائق النظر وا لإنسانية على حق عندما راعى هذه العلامة الفارقة في العالم الإسلامي،حيث كان يصر على ضرورة قيام إجتماع سياسي خا ص بالشرق، يتلائم مع نشاته وصيرورته وضميره.
إن الصيغة المقبولة في هذا الشرق في هذه القضية بالذات هي الفصل بين الحكومة و الدين وليس بين الدولة وا لدين.فالدولة دينها الرسمي الإسلام، وتحتفظ بكل الحقوق لبقية الاديان الاخرى، وتسمح لحرية التدين أن تأخذ مساحتها الكاملة من الواقع، ولرجل الدين حقه في ممارسة السياسة، ولكن ليس باسم الدين، وتحت غطاء الدين. أنطلق من الحقائق على الارض، وليس من ضمير الإنسان العالمي، تلك أمنية، ربما نصل إليها بعد أجيال وأجيال.
يقولون: أن الدولة المدنية فوق الطائفية، والفكرة جميلة، والشعار أجمل، ولكن هل حقا كل الدول التي تعتبر مدنية هي فوق الطائفية الدينية؟ حتى في تلك الدول التي تبدو أنها علمانية صارخة، حتى في الدول التي مات الدين ــكما يقولون ــ في ضمائر شعوبها وناسها وأفرادها، هل نجد مصداقا صارخا لذلك في أمريكا بين البروتستانت والكاثوليك فضلا عن بريطانيا حيث تشخص قضية الكاثوليك في أرلندا وملابساتها؟ هل نجد مصداق ذلك في فرنسا، روسيا؟
الشرق ترسانة طوائف، وترسانة قوميات وأقليات على حد تعبير هنري كسينجر في مذكراته، فهل ننسى أو نتغافل هذا الواقع المرير؟ لنقل: أن دولتنا المدنية هي دولة التوازن بين الطوائف وليس دولة فوق الطوائف، ليس حبا في منطق الطوائف بل تقديرا وحسابا دقيقا للواقع المرير، ليست دولة محاصصة طائفية بل دولة توازن، تراعي الى حد كبير حقوق الجميع،وترسي وا جبات الجميع، وبذلك نقضي على الطائفية، نخلق مجتمعا متوازنا، لا ندعو إلى دولة تتشخص فيها وزارات مقاسة طائفيا، تقوم على توزيع طائفي، بل الى دولة ترعى أبناء كل الطوائف، وبذلك يتحقق التوازن بين الطوائف، ليس التوازن هو توزيع وزارات طائفيا، بل توزيع الثروة بالعدل بين كل أبناء الشعب، وبهذا لا تنفرز طائفة حاكمة وطائفة محكومة، ومن هنا ننجز منطق التوازن بين الطوائف، وأنا أركز على كلمة (طوائف) هنا، لأن الانتماء الى طا ئفة تحول إلى هوية في عالمنا الإسلامي وا لعربي للاسف الشديد، وأصبح أحد بل أهم آليات التحليل السياسي في عالمنا الإسلامي والشرقي.
يقولون: إن الدولة المدنية هي دولة القانون وليس دولة العشائر، ولا دولة الرجال النافذين، ولا دولة الحزب الواحد ولا دولة القانون الخالد hellip;
تبرز هنا ذات المشكلة التي تتعلق بموقع الدين و التدين في الضمير الإسلامي والشرقي، فالسؤال القائم هنا هو: ترى ماهي النتيجة لو أردنا ألغاء العشيرة من الحياة السياسية اليوم في العراق أو في الأردن أو في اليمن ؟ بل هل هذا ممكن فضلا عن كونه مشروعا على طاولة التساؤل؟
إن الحل في تصوري هو أن يتحرَّك مثقفو العشائر صوب تحقيق المجتمع المدني، مجتمع السلم وا لعدل والحرية، وذلك في سياق تشريعات مدنية مرنة تتعامل مع موقع العشيرة كوجود وقيم بدقة وموازنة، وليس ممّا يتضاد مع فلسفة الدولة المدنية الاستفادة من الرجال النافذين في المجتمع، ذلك فن ذكي لإنشاء الكثير من الحقائق الموضوعية، خاصة إذا كان هؤلاء الرجال من ذوي التحصيل العلمي والثقافي الجيدين، لابد أن نستفيد من كل الممكنات المتاحة لبناء الدولة المدنية في العالم الإسلامي، والزعامات الروحية وا لمالية والعشائرية ممكنات ليست عصية على التجيير لصالح الدولة المدنية. ويبقى الكلام عن دولة الحزب الواحد، فإنها تتناقض بالصميم وبالجوهر مع مبادئ وفلسفة ومسيرة الدولة المدنية، ذلك خط أحمر، أو أحد الخطوط الحمر، كذلك منطق القانون الخالد.
التعليقات