على أثر تصريحات الشيخ القرضاوي حول ما أسماه (الإختراق الشيعي) لمناطق السنة ثار جدل كبير بين المسلمين، أقصد علماءهم ومفكريهم حول قضية الشيعة والسنة، ومن الأمر التي أثيرت في الأثناء بل كان ذلك جوهر الحوار والنقاش و(المهاترات) من طرف المسلمين السنة، إن هناك أفواجا من السنة تحولوا إلى المذهب الشيعي في مصر وسوريا وباكستان وماليزيا والمغرب! وفي الحقيقة إن إثارة هذه المسالة بلغة التخويف و التهديد يدل على ضعف الفكر الديني بشكل عام، والإسلامي بشكل خاص، بل لا معنى لها فيما إذا كان التحول من التشيع إلى التسنن أو بالعكس هو نتيجة قناعة شخصية، فلا غبار عليه ولا يحق للسني أو الشيعي أن يعترض على القناعات الشخصية، بل يحق له أن ينافشها بهدوء وعقلانية ومنطقية. إن الأمر الذي غاب على الشيخ الفاضل يوسف القرضاوي هو أن هناك آلاف من الشيعة تحولوا إلى التسنن، في إيران، حيث تقطن أقلية عربية شيعية صرفة تحول الكثير منهم إلى المهذب السني بل الوهابي، وقد صرحت بذلك بعض المنا بر الإعلامية السنية في دولة يحكمها سنة، وبالتالي، كان كلام الشيخ القرضاوي يحمل بعض المغالطة هنا.
السيد رشيد رضوان أحد منظري أو خبراء الإ سلام السياسي كان قد صرح بعبارة واضحة من أن كلام الشيخ القرضاوي مبالغ فيه، وفي الواقع هي مبالغة حقا، فإن التسنن هو الذي يقود العالم الإسلامي، ومساحة السنة الجغرافية أكبر بكثير وكثير من مساحة الشيعة الجغرافية، وأموال الإ سلام السني أكثر وأغنى من أ موال الإسلام الشيعي.
إن المفروض على الشيخ القرضاوي هو أن يدرس أ سباب التحول السني إلى التشيع، رغم إن كلمة التحول هنا مبالغ فيها كما أسلفت، ولكن لو كنت بدل الشيخ الفاضل لقمت بقراءة الأسباب بموضوعية وهدوء قبل أن أثيرها بهذه الطريقة التي تزيد من مشاكل الامة المسلمة وتعمق من الخلافات في تضا عيف هذه الامة الممزقة.
ولكن لأكون أكثر جراة هنا، لأقول للشيخ القرضاوي، باني لو كنت بدله لساهمت في تشجيع التوجه الجديد للتشيع الذي بدأت بذوره تثمر ولو ببطئ في كثير من البلادن الإسلامية الشيعية بدل هذه الإثارة المثيرة المؤذية للجميع.
ترى ما هي معالم هذا التشيع الجديد؟
يتداول كثير من الشيعة ضرورة تجديد التشيع، أو بالأحرى الرجوع بالتشيع إلى بذوره الأولى، أي تشيع أهل البيت عليهم السلام، والتشيع في جوهره هذا لا يتعدى أصلين رئيسيين مهمين : ـ
الأول : أخذ الفقه من أهل البيت عليهم السلام كما يأخذ الاخوة السنة الفقه من أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أساطين الفقه الإسلامي.
الثاني : الإيمان بالمهدي النتظر المولود من دون الإيغال بالتفاصيل.
إن التشيع بهذين الأصلين هو التشيع الذي تفصح عنه بكل وضوح وبكل إ شراق أحاديث أهل البيت الصحيحة، وليس لهذا التشيع علاقة أو صلة بالولاية التكوينية أو الصحابة أو الرجعة أو البداء أو علم الإئمة بالغيب، وغيرها من مفاهيم وتصورات لا تمت للإسلام بصلة ولا هي صا درة عن أهل البيت بإثر صحيح معتضد بالقرائن والادلة والبراهين.
وأجزم لو أن الشيعة أو بعض علمائهم ومفكريهم يلتفتون إلى هذه النقطة سوف (يعولمون) التشيع، فإن المسلمين كلهم يحبون أهل البيت، وكلهم يؤمنون بالمهدي أساسا، ولكن ما يخرب التشيع أو يساهم في جعله هدفا للسهام، ويجعل من أهله عرضة للذبح والتنكيل والتشريد هي هذه الزيادات الطارئة على التشيع كما تركه لنا علي والحسن والحسين وبقية أهل البيت عليهم السلام.
لا يرى دعاة التشيع الجديد أي سبب لإثارة موضوع الخلافة لانه صار جزءا من الماضي العتيد، ولا هناك أي سبب يدعو لإثارة مظلومية أهل البيت عليهم السلام إذ من ظلمهم قد درسه الدهر، وليس هناك ما يدعو لإثارة مسائل عقدية لا تؤثر على حياتنا الفكرية و العملية وهي ليست من أ صول المذهب. ليس هناك سوى نطقتين، أو أصلين، العودة بالفقه إلى أ هل البيت، والإيمان بالمهدي المنتظر، وفيما يُطرح التشيع بهذه البساطة سوف يعم الساحة الإسلامية كلها.
أعود لأقول إني لو كنت بدل الشيخ القرضاوي لدعمت هذا اللون من التشيع الذي بدأ يشع فكره بين كثير من شباب الشيعة في إيران و العراق وا لبحرين والكويت، بدل أن يثير مثل هذه الزوبعة التي تسببت له بالكثير من الضرر، ولو كنت معه لقلت مثلا : إ ن هناك تشيعا نحن ندعمه ونؤيده ونشجعه، هو التشيع الذي يدعو إلى فقه أهل البيت ويؤمن بالمهدي المنتظر، ويقول بأن القرآن كا مل، وإن زوجات النبي الكريم هن عرس النبي العزيز ولا يجوز المس بهن لا من قريب ولا من بعيد، وإن مجتمع الصحابة كما يقول الشهيد الصدر من أروع ما شهد التا ريخ، ولكن لا يمنع ذلك من نقد بعض مواقفهم وتصرفاتهم، وإن كل من شهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله هو مسلم، له ما للمسلمين ما لهم وعليه ما عليهم...
هذه هي صفحة التشيع الحقيقي، وهناك تحرك شبابي شيعي بهذا الاتجاه، يدعمه أن له بذورا في ا لتراث السني نفسه، وأجزم أن طرح التشيع بهذه البساطة يمهد الأرضية لانتشاره مثل النار بالهشيم، ولكن هذه الطروئات على التشيع، و التي هي من صناعات فارسية وهندية دخيلة، وبدعم وتشجيع رجال دين مشعوذين مستفيدين هو الذي يحول دون ذلك...
فهل سيبادر الشيخ القرضاوي إلى هذه المهمة الكبيرة؟
أم سوف يتمادى في إ ثارته بهذه الطريقة التي تحرق الأخضر بسد اليابس كما يقولون؟
فرصة رائعة أمام الشيخ القرضاوي لأن يتحول إلى أكبر مصلح إ سلامي في العالم، ذلك إن التشيع ا لبسيط، تشيع أهل البيت، بدأت بذرته تثمر....
التشيع الذي لا يتعدى إمامة أ هل البيت في الفقه، والإيمان بالمهدي المنتظر، وكلاهما يملكان رصيدا هائلا في التراث السني الكريم.
والله من ورا ء القصد.