لاشك أن نكتة منح السيد/ باراك أوباما جائزة نوبل للسلام هذا العام، هي أشد ما سمعنا من النكات في فترة الفترة الماضية سخافة. . وإذا كانت النكتة السخيفة تؤذي آذان وتعكر مزاج من يسمعها، إلا أنها ترتد أيضاً على من يلقيها، فتنقله في عيون مستمعيه، من خانة خفيف الدم، إلى خانة الثقلاء والمستظرفين. وهذا هو الأخطر في حالتنا هذه، أن تفقد جائزة نوبل ولجنتها الموقرة وقارهم، وتتحول لمجرد دعاية أو مجاملات سياسية، على نمط ما نعرفه في مصرنا المحروسة من جوائز، نتمتم على أثرها بأننا عالم ثالث، يتقدم حثيثاً ليصبح عالماً رابعاً وخامساً!!
كاتب هذه السطور بالطبع ليس واحداً من بين هؤلاء المائتين والخمسة مرشحين للحصول على الجائزة هذا العام، والذين أدارت لهم اللجنة العتيدة ظهرها، لتمنحها للرئيس الأمريكي المعجزة. هيئات ومنظمات وأفراد، لابد أنهم أنفقوا السنوات وأفنوا العمر بحثاً عن تحقيق السلام، على المستوى العالمي، أو داخل دوائر إقليمية. نفترض أيضاً أنهم لابد وقد حققوا إنجازات ولو يسيرة، مقارنة بما يحتاج إليه العالم من تقدم على طريق السلام. وأنهم من حقهم علينا أن ننحني أماهم انحناءة احترام وتقدير. كل هؤلاء قد وجهت لهم لجنة الجائزة بقرارها هذا رسالة واضحة، أعتقد أن لا رسالة سواها، يمكن أن نخرج بها من إلقاء الجائزة كورق ملون، في احتفالات أوباما الكلامية، واستعراضاته الرومانسية، كخفقات فراشة حول نيران مهلكة، تلتهم الأخضر واليابس في عالمنا المعاصر.. هي رسالة واحدة يمكن أن أفهمها، وقد يفهمها معي الكثيرون، وفي مقدمتهم من كانوا مرشحين لنيل جائزة، كنا نتطلع إليها بتقدير واحترام فائق. . وهي أن مجهودات السلام وإنجازاته، وإن كانت تعني لدى المشتغلين والمعنيين بها رسالة إنسانية مجيدة، إلا أنها لا ترقى في ترتيب اهتمامات أصحاب القرار في جائزة نوبل، إلى مستوى تفضيلها وتفضيلهم على (الشو) الإعلامي، وعلى أهمية لفت الانتباه العالمي، الذي لابد وأن يصاحب منح الجائزة للرئيس الأمنية والحلم للولايات المتحدة الأمريكية!!
عندما نسمع عن منح الرئيس الاميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام quot;لجهوده الاستثنائية من أجل تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوبquot;، وهو من لم يمر على تنصيبه عشرة أشهر، ولم ير من انتخبوه، ولم ير العالم كله منه حتى الآن غير الكلمات الرومانسية، المفارقة تماماً لكل ما يصرخ به الواقع من حقائق وموازين قوى وعلاقات، ما يجعل التخوف والتحسب مما يمكن أن يترتب على سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة من كوارث، قد لا تهدد السلام العالمي فقط، بل قد تؤدي إلى إطلاق العنان لمن نسميهم quot;المفسدون في الأرضquot;، لكي ينطلقوا في أداء رسالتهم غير المقدسة، غير هيابين من رادع، بل ومعتمدين بالأساس على سذاجة أو حتى بلاهة، من من المفترض فيه أن يكون بالصفوف الأولى لمواجهتهم. ألا يحق لنا عندها أن نتساءل، إن كانت الكلمات المعسولة وحدها، صارت كافية لكي يكافأ صاحبها بأرفع الجوائز والأوسمة، وإن كانت الأفعال والإنجازات المادية على أرض الواقع، صارت أمراً ثانوياً؟!!
هاهي طالبان تسيطر تدريجياً على أفغانستان، فهل سيفلح معها منهج أوباما وكلماته المعسولة، التي أطلقها من تركيا والقاهرة. هل سيقنعها خطابه المنقطع الصلة بسيكولوجية quot;المفدسين في الأرضquot;، وبشبكة العلاقات والمصالح، التي تمدهم بمقومات الاستمرار؟ هل تكفي دعوات أوباما للحوار، لتكف طالبان والقاعدة عن عملياتها الاستشهادية المقدسة، في أسواق كابول وسائر مدن أفغانستان وباكستان؟
أم سيضطر مستر أوباما (الحامل الآن لوسام نوبل للسلام) ليحقق إنجازاً حقيقياً على الأرض، لأن يلجأ إلى ما نعرفه نحن أشاوس الشرق quot;بالمنهج الإجرامي لبوشquot;؟!! هل سيدفع لأفغانستان بقوافل من الدعاة والمبشرين بمنهجه الحواري، ليقولوا لزعماء طالبان: quot;عيب كده ما يصحش، تعالوا نتحاور ونحب بعضنا زي الآولاد الطيبينquot;؟ أم سيدفع بمزيد من القوات الأمريكية، علها تنجح في استئصال الإرهاب المتأسلم من جذوره في باكستان وأفغانستان؟!!
هل ستكفي كلمات صاحب نوبل الطيبة لإقناع ملالي طهران وأراجوزهم أحمدي نجاد، بالكف عن سياساتهم التخريبية في المنطقة والعالم، والإسراع بالانضمام إلى موكب الحضارة العالمية، أم أنها العقوبات الرادعة وحدها، ومعها أيضاً التلويح الجدي بضربات عسكرية قاصمة، هل الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تردع هؤلاء؟!!
هذه بعض التساؤلات، التي علينا بصبر وتحسب وتخوف أن ننتظر إجابات لها على أرض الواقع. فإما أن تأتي تلك الإجابات مؤيدة لرؤية وتوقعات لجنة جائزة نوبل المسبقة والشاذة، إن ثبت أن الحوار والمداهنة الأوبامية قد حققت السلام العالمي الذي طال انتظاره. أو أن تثبت الوقائع أن الضرب بيد من حديد لمعاقل التخريب والإرهاب هو الحل الناجع الذي لا حل سواه، وهنا يكون على لجنة نوبل الموقرة، أن تسحب من صاحبها جائزته غير المستحقة، لتمنحها للرجل الذي كان بالفعل على مستوى الموقف والأحداث، وتحمّل في سبيل السلام العالمي ما لايتحمله إلا أشجع وأخلص الرجال. . أظننا جميعاً نعرف هذا الرجل، وإن كابر المكابرون، وكره الكارهون، من أصحاب المصلحة في تفشي الإرهاب والظلام!!
مصر- الإسكندرية
التعليقات