رفض رئيس مجلس الشعب، الدكتور أحمد فتحي سرور (الأهالي ٢٩ يوليو) مناقشة ردنا (إيلاف ٢٢ يوليو) على كلامه، لأن ـ كما يقول ـ مثل هذه laquo;الأمور الدستورية والتاريخية لا مجال لبحثها في الصحف العادية التي يقرأها القراء العاديون تجنبا لإساءة إدراك المفاهيم القانونية وتأويلها علي غير المقصود فيهraquo; (!!) هذا علما بأن مقال سيادته الأصلي، الذي كان نقطة البداية في هذا laquo;السجالraquo;، كان قد نُشر في صحف laquo;عاديةraquo; مثل laquo;الأهرامraquo; (٢٠ و٢١ مايو) و laquo;الحياةraquo;! ليس هذا فقط، بل بعد أيام قلائل من تصريحه القاطع، وفي تزامن عجيب، سرعان ما laquo;اندفعraquo; بعض laquo;تلاميذهraquo; وأحبائه وlaquo;مواليهraquo; (وهم laquo;قبطraquo; من أساطين جماعة laquo;أنصار دوام الذميةraquo;) للكتابة في صحف (عادية!)، دفاعا عن آرائه ورجما لمن انتقدها.
وفضلا عن أن تلك الكتابات لا تزيد عن كونها تكرارا ببغاويا لمقولات سيادته وتنويعات على ألحانه وتبريرات لحججه، فإن كمّ الأخطاء المعلوماتية والمنهجية التي احتوتها يثير الدهشة والقلق: فلو قام طالب في كلية قانون (= حقوق) محترمة في دولة محترمة بكتابة ورقة على مثل هذا المستوى الفكري لكان راسبا لا محالة، بل لكان من المحتمل أن يواجه الفصل من الكلية بسبب اللجوء إلى أساليب laquo;ليست فوق مستوى الشبهاتraquo; في بنية الورقة.
ولذا يؤسفنا ألا نجد في مثل هذه المقالات ما يستحق النقاش ـ الجديّ أو غير الجدي. الاستثناء الوحيد هو ما اختتم به أحدهم مقاله (بمجلة laquo;قوميةraquo; وصحيفة للحزب الحاكم وأخرى laquo;مستقلةraquo;!) إذ كتب: laquo;لذلك في النهاية أقول عيب يا أستاذ عادل يا جنديrlm;!!rlm; إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظهاrlm;raquo;.
فبغض النظر عن التعييب واللعنات، وجدناه أمرا شيِّقا أن نُتَّهم بإيقاظ أحد من نومه، وهي تهمة laquo;طريفةraquo; توحي بأن المطلوب أن يكون الكل نياما منبطحين ومخدرين، درءا لأخطار اليقظة! ولكنها قد تكون أيضا تهمة تحريضية laquo;خطيرةraquo; إذا كان الأمر يتعلق ببث laquo;الفتنةraquo;..
***
ولذلك قررنا محاولة طرح السؤال على laquo;الفتنةraquo; شخصيا، لكي نسمع منها مباشرة إذا كان هناك فيما كتبناه شيءٌ يوقظها من نومها أو حتى يكدر راحتها. ثم بدأت رحلة البحث عن عنوانها حيث المفترض أنها laquo;نائمةraquo;. وأخيرا، وبعد جهد جهيد، اكتشفنا مقر سكنها ـ وهو في مكان لا يخطر على البال، نكتفي بالإشارة إلى أنه في أحد الأحياء الهامة بالقاهرة، ولكنا لن نبوح به لاعتبارات مختلفة...
اقتربنا من سكنها، وبعد عبور عدد من نقاط التفتيش المدقّقة (تشمل التفتيش الذاتي وأجهزة الكشف عن المعادن والمتفجرات !) ومواجهة الأسئلة عن سبب رغبتنا في لقاء laquo;فتنة هانمraquo;، قيل لنا أنها laquo;في مهمة رسميةraquo;. تكرر الأمر لأيام عديدة وأخيرا جاء الفرج وقيل لنا أنها (لحسن الحظ) موجودة. وصلنا إلى دارها الأنيق ثم دخلناه فالتقانا القائم على حراستها الشخصية، وهو أحد رجال الأمن الذي يبدو من مظهره أنه laquo;باشاraquo; كبير..
سألناه عنها وعما إذا أمكن لقاؤها. فقال أنها عادت من مهمة للتو، ودخلتْ غرفتها لاستراحة صغيرة...
ثم دار الحوار القصير التالي في انتظار انتهاء استراحتها:
ـ هل لنا أن نسأل سيادتك لماذا تهتم الدولة هذا الاهتمام الفائق والعجيب بحماية هذه السيدة برغم سمعتها التي يقال أنها سيئة؟
ـ (بحدة) أولا، هذه السيدة مواطنة مصرية أصيلة والدولة حريصة على حماية كل مواطنيها بغض النظر عن النوع أو العرق أو الدين أو....
ـ هذا كلام حقوقإنساني جديد يا سعادة الباشا...
ـ (مقاطعا) نعم، فنحن أصبحنا نأخذ laquo;دورات تدريبيةraquo; مكثفة في مثل هذا الكلام الفارغ لنعرف كيف نرد على الكلمنجية، (ثم مستطردا).. وثانيا، هي سيدة فاضلة تقوم بأعمال حيوية في خدمة البلاد. كما أنها ليست مجرد مواطن عادي، بل شخصية مسئولة وبارزة وفاعلة في المجتمع ومؤسسات الدولة.
ـ لم نكن نعرف، فكيف ذلك؟
ـ ألا تعلم أنها عضو قيادي في الحزب الحاكم وفي المجلس الأعلى للشئون التعليمية ومجلس اتحاد الإذاعة والتلفزيون والمجلس الأعلى للصحافة ومجالس تحرير الصحف laquo;القوميةraquo; والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس القومي لحقوق الإنسان وفي مصلحة الأحوال المدنية ومجالس النقابات المهنية وجهاز أمن الدولة وأجهزة الحكم المحلي على مختلف المستويات وفي عدد من الأجهزة القضائية والأحزاب والجمعيات وغيرها... أضف لذلك عضويتها في جهات وأجهزة أخرى عديدة لا أستطيع ذكرها... وهل تعرف أنها عضو قيادي بارز في مجلسي الشعب والشورى معا؟ بل هي العضو الوحيد فيهما، في نفس الوقت؛ وذلك عن العمال والفلاحين والفئات!
ـ ياللهول! كل هذا؟
ـ ألم أقل لك؟ ليس هذا فقط بل عليها القيام بنشاطاتها laquo;الروتينيةraquo; التي تتفاني فيها بإخلاص، عبر كافة محافظات ومدن وأحياء وقرى ونجوع وعزب وأرباع البلاد من أقصاها إلى أقصاها! لقد قامت في الأسابيع الأخيرة بزيارات عمل مكثفة لعدد من البلاد مثل أبو قرقاص وعين شمس والإسكندرية والمنيا وميت دمسيس وسمالوط والأقصر وغيرها، إضافة إلى عدد من القرى التي لم يكن يسمع بها أحد من قبل، مثل laquo;دير أبو حنسraquo; و laquo;عزبة بشرىraquo; و laquo;ميت القرشيraquo; و laquo;عزبة توماraquo; و laquo;عزبة باسيليوسraquo; الخ الخ.
ـ كان الله في عونها!
ـ وبعد ذلك يدّعون عليها ـ زورا وبهتانا ـ أنها نائمة! أناس عديمو التقدير والفهم حقا! كيف تنام المسكينة مع كل هذه المسئوليات التي ألقتها الدولة والمجتمع على عاتقها..
ـ ألا تستريح قط؟
ـ بلى، فهي تدخل مخدعها، لكن لفترات قصيرة جدا لتلتقط أنفاسها وربما تأخذ تعسيلة صغيرة في القيلولة أو بعد منتصف الليل، ثم تعاود نشاطها بهمة وتفان لا مثيل لهما. وإضافة لمبادراتها الشخصية، فإنها لا ترفض ـ بقدر المستطاع ـ طلبا لأحد مهما كان.
ـ ما هي إذن حكاية laquo;الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظهاraquo;؟!
ـ (ضاحكا) كانت ذات مرة قد دخلتْ غرفتها لاستراحة صغيرة كالعادة، وبعد دقائق قليلة طرق على بابها الزميل المكلف بالحراسة لاستدعائها لعملية عاجلة، كطلب جهة سيادية هامة، فقالت مداعبة: laquo;لم أغلق عيناي بعد وجئتَ لإيقاظي؟ روح يا شيخ منك للهraquo; فذهبت مقولتها مثلاً ـ بعد تحويرها قليلا لتأخذ ثوبا تاريخيا فخيما! ثم أن هناك من laquo;يستعبطونraquo; زاعمين أنها نائمة، فقط لكي يقوموا هم ببعض أدوارها ـ وذلك في محاولة لسرقة الأضواء وجذب الاهتمام، لكن هيهات أن تتفوق الصورة على الأصل!
ـ تقول ـ سيادتك ـ laquo;مُداعِبةraquo;؟ هل تعرف الهانمُ المداعَبة؟؟
ـ بكل تأكيد؛ فبرغم تعبها ودأبها ومجهوداتها الجبارة التي تفوق إمكانات البشر، هي تحب المداعبة والمشاغبة! وهي سيدة بشوش حتى في أكثر الأنشطة دموية. ولو كان المصريون يقومون بأعمالهم بمثل إتقان وتفاني هذه المرأة العظيمة، وفي نفس الوقت ببشاشتها وخفة ظلها، لكن الحال غير الحال..
ـ أشكر سعة صدر معاليك، لكن خطر في ذهني سؤالٌ محيّر: ماذا لو توفيت السيدة laquo;فتنةraquo;؟ من الذي سيقوم بمهامها؟
ـ فال الله ولا فالك، كيف تتفوه بمثل هذا الكلام؟ أليس لديك وطنية أو انتماء أو التزام بالثوابت؟ ألا تهتم ـ على الأقل ـ بالوحدة الوطنية؟
ـ لا... أقصد نعم. لكن ما علاقة هذا بالوحدة الوطنية؟
ـ (مندهشا) يظهر يا أستاذ أنه ينقصك الكثير من الفهم. هات رقم laquo;محمولكraquo; لأعطيه لسيادة العقيد (فلان) بمكتب الشئون الدينية بمباحث أمن الدولة، ليتصل بك قريبا لتشرب معه laquo;فنجان قهوةraquo; ويقوم باللازم ويشرح لك ما خفي عنك من مفاهيم..
ـ شكرا، ولو إني لست laquo;كييفاraquo; للقهوة؛ لكن هل يمكن ـ إذا تكرمت ـ العودة إلى سؤالي المحير؟
ـ ندعو الله ألا ينالها شرٌ أو يلمسها خدش. ومن جانبنا، نقوم بكل ما نستطيع للمحافظة عليها ورعايتها. ومن ناحيتها، فقد أعلنت عزمها على أداء مسؤلياتها لآخر نفس. أما إذا أراد الله ـ ولا راد لقضائه ـ أن يتوفاها، فلا داعي للقلق لأن ابنتها laquo;فتّوُنةraquo; هي أفضل من يرث مناصبها ومسئولياتها ومهماتها. وحتى لو لم تكن في البداية على نفس درجة الكفاءة المطلوبة، فمع الوقت وتراكم الخبرة لا شك أنها ستصل ـ بمعونة الله وبمساندة ومؤازرة أهل الخير ـ إلى المستوى المناسب سريعا، لتكون خير خلف لخير سلف.
ـ من هي laquo;فتّوُنةraquo; بالضبط؟ وهل تقوم بالاستعداد لوراثة الدور؟
ـ هي نموذج للشباب الواعي المثقف المثابر والمهتم بالعمل العام. وقد درست في أرقى المعاهد العالمية، مثل جامع laquo;فينسبيري باركraquo; بلندن، وجامعة laquo;وادي سواتraquo; في باكستان، وحاليا تستعد للحصول على الدكتوراه من كلية laquo;بوكو حرامraquo; بشمال نيجيريا.
ـ ما شاء الله. أنعم وأكرم. شكرا على المعلومات الهامة... لا أريد الإطالة عليك يا باشا، لكن ألم يحن الوقت لمحاولة الالتقاء بالهانم ومحاورتها؟
ـ سأدخل لأستطلع.
ـ شكرا... لكن ـ بدون مؤاخذة ـ كيف تدخل غرفة نومها وسيادتك ـ يعني ـ لست من المحارم؟
ـ (بحدة) قف عند حدك. هل ستعلمني قواعد الأخلاق يا سيد؟
ـ لم أقصد.. لكن..
ـ (مقاطعا بحدة): بدون لكن! فقط لعلمك، أنا وزملائي الذين يتناوبون حراستها والآخرون الذين تستدعي ظروفهم الاختلاء بها لمناقشة أمور حيوية أو الترتيب لعملياتها ولزياراتها الميدانية، كلنا أبناؤها.. فقد أرضعت كلاّ منا عشر رضعات، حتي لا يتجرأ السخفاء على تشويه سمعتها النقية مثل الكريستال التشيكي الأصلي..
***
دخل laquo;الباشاraquo; وأغلق الباب خلفه بحرص شديد. ثم عاد إلينا بعد أقل من دقيقتين ليقول:
ـ laquo;فتنة هانمraquo; تقول لك أنه ليس لديها وقت للتحاور، إذ هي على وشك الخروج بعد استدعائها لاجتماع عاجل؛ وهي ـ على أي حال ـ تؤمن أن الأفعال أبلغ من الأقوال. وقد أوصتني بإبلاغك أنها تحب الأقباط بالذات ولهم في قلبها مكانة عزيزة تجعلها مهتمة دائما بشئونهم، وترجوك ـ إن كانت لك صلة بهم ـ أن تحمل إليهم خالص تحياتها ومودتها، وإلى لقاء قريب.

[email protected]