كشفت دراسة لمعهد الطاقة البيئية في تركيا قيل اشهر ان انقرة تعتمد بنسبة (أربعين بالمائة) من حاجتها للطاقة على نفط اقليم كردستان، وبينت الدراسة ان سبب الاعتماد على النفط الكردي يعود لعاملين رئيسين، الاول هو انخفاض سعر البرميل وفق تسهيلات وامتيازات خاصة ممنوحة لانقرة من اربيل، والثاني هو قرب حقول الانتاج وسهولة الوصول الى داخل تركيا دون اعباء مالية لكلفة النقل.
وحسب هذا التقرير يتبين ان تركيا تمكنت من الحصول على نفط الاقليم وفق شروطها الخاصة المفروضة على سلطة الحكم في اربيل، وذلك عبر اتفاق سري غير معلن معقود بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس اقليم كردستان المنتهي ولايته مسعود البرزاني حسب مصادر اعلامية وبرلمانية، وبالرغم من الغموض الذي يحيط بالعلاقة النفطية والاتفاق الحاصل فان مشهد احداث المنطقة ومسار عمليات تسويق النفط الكردي ومعطيات حركة التجارة الاقليمية تبين ان الاقليم خاضع تماما للارادة التركية وهو بعيد كل البعد عن ارادته المستقلة وارادة السيادة الوطنية العراقية، ويرى المراقبون وبعض النواب ان الاقليم طرف خاسر كبير في المعادلة النفطية بين انقرة واربيل، ويبدو ان تلبية حاجات تركيا النفطية من قبل السيد البرزاني وجماعته الحاكمة تخضع كليا لتنفيذ رغبات وطلبات السيد اردوغان حسب اطار المعادلة والصفقة النفطية بين الطرفين، ويبدو ان الطرف التركي قد كسبت امتيازات كبيرة وكثيرة من الصفقة النفطية والتي تبدو انها بعيدة كل البعد عن مراعاة مصالح الاقليم والمصلحة العامة العراقية، وهذا الاتفاق يحسب كاعتداء صارخ على الحقوق السيادية والوطنية للشعب الكردي وللعراقيين عامة، وفوق هذا فان الاتفاق يبدو انه لا يستند الى قواعد القانون الدولي ولا يراعي المصالح المشتركة بين الطرفين ولا يعتمد على قاعدة الاحترام المتبادل بين دولتين جارتين.
ومن الحقائق المرة في مجال تسويق النفط الكردي والتي كشف عنها المسؤولون في الاقليم، هي ان اربيل تعرض نفطها امام الشركات بسعر اقل مقارنة باسعار النفط في الأسواق الدولية، ويبدو ان العراق ايضا يلجأ الى تقديم النفط باسعار اقل لضمان التسويق، وهذا الامر المعروض من قبل الطرفين هو لغرض تشجيع شراء النفط وضمان الاسواق لها، ولكن بالرغم من هذا وضمن هذا السياق لا يعرف كم هي نسبة الانخفاض المقدمة من قبل الاقليم الى تركيا لتصدير النفط الكردي بناءا على ارادة ورغبة وشروط انقرة التي تصل نسبتها الى 40% من الحاجة الكلية وهي نسبة كبيرة؟ وحسب معلومات شبه مؤكدة مستقاة من باحث أكاديمي واستنادا الى تقارير صحفية ونفطية أجنبية فان سعر الانخفاض المقدم على طبق من ذهب الى انقرة من قبل اربيل يصل الى نسبة (50%) وفق الامتيازات والتسهيلات الممنوحة طبقا للصفقة المعقودة بين الطرفين.
علما ان الامتيازات الكردية المقدمة الى تركيا لا تنحصر فقط بمسألة انخفاض سعر برميل النفط، وانما تمتد الى منح حصص نفطية كثيرة الى اطراف عديدة، وذلك من خلال تخصيص حصص بنسب معينة محددة الى جهات سياسية من الموقع الاول في الرئاسة التركية والى اطراف حكومية وحزبية وأمنية ومخابراتية ومصرفية وشركات خاصة للمسؤولين الاتراك، كما يقر بها بعض النواب الكرد.
والمحاصصة على النفط الكردي لا تنحصر فقط بالجانب التركي، بل تسبقها ومنذ زمن بعيد المحاصصة النفطية بين المسؤولين الكبار في الاقليم، ويشتبه بوجود اتفاق حزبي سري خاص بين الحزبين الحاكمين تم بموجبه تخصيص حصص وفق نسب محددة لمسؤولين كبار بالسلطة على مستوى الرئاسة وقيادات والمكاتب السياسية الحزبين، وهذه الحقيقة المرة اقرت من قبل نواب في برلمان كردستان، ويذهب نائب الى تحديد المحاصصة الحزبية على النفط الكردي وفق النسب التالية: نسبة محددة من قيمة سعر كل برميل مخصصة لحساب كل من مسعود البرزاني وعائلته الحاكمة وجلال الطالباني وعائلته، ونسبة معينة اخرى مخصصة لستة من كبار المسؤولين في قيادتي حزب البرزاني وحزب الطالباني، اضافة الى تخصيص نسبة للحزبين الرئيسين الحاكمين منذ ربع قرن من الزمن، ومع تخصيص حصة بنسبة محددة لمسؤول أمريكي بارز كان سفيرا لبلاده في السابق وهو يعتبر بمثابة العراب الدولي لانتاج وتسويق الن فط الكردي، وتخصيص نسبة اخرى لحزب كردي معارض لحكومة انقرة لضمان تأمين سلامة نقل النفط عبر اراضي الاقليم وتركيا.
ولغرض البيان أورد النائب النسب المشتبه بها والموزعة كمحاصصة محلية واقليمية ودولية على الاطراف الكردية والجهات التركية حسب تقديرات من باحث ومعنيين وكما يلي:
الحصص التركية: وتبدأ بحصة للمسؤول الرئاسي السيادي الاول وعائلته بنسبة 6% من كل برميل، وحصة للحزب الحاكم في انقرة بنسبة 5% من كل برميل، وحصة لرئيس الحزب الحاكم بنسبة 4% من كل برميل، وحصة لرئيس جهاز مخابراتي بنسبة 3% من كل برميل، ورسوم عن عبور النفط عبر الانبوب التركي بنسبة 4% من كل برميل.
الحصص الكردية: وتبدأ بحصة ونسبتها 6% لكل من عائلة البرزاني الحاكمة وعائلة الطالباني النافذة، وحصة لكل من ستة مسؤولين كبار في الحزبين الحاكمين ونسبتها 3% من كل برميل، وحصة لكل من الحزبين الحاكمين ونسبتها 5% من كل برميل.
الحصص الاخرى: وهي حصة للمسؤول الامريكي العراب ونسبتها 3% من كل برميل، وحصة بنسبة 3% من كل برميل لحزب كردي معارض لنظام الحكم في انقرة وذلك لضمان سلامة مرور النفط عبر اراضي الاقليم وتركيا ودون تعرض الانبوب الناقل الى عمليات عسكرية.
وعند حساب الكل يصل مجموع الاستقطاعات والحصص والنسب الموزعة بالمحاصصة بين الاطراف والجهات الكردية والتركية والامريكية تقريبا الى 68% من كل برميل، ومن النسبة الكلية تبلغ حصة الجهات التركية 22%، وحصة اطراف السلطة الكردية 40%، وحصة الاطراف الاخرى 6%، والنسبة الباقية 32% تذهب لتأمين الرواتب والمعاشات واحتياجات ومستلزمات ادارة السلطة الحاكمة بالاقليم، علما ان النسبة التي تذهب الى رواتب منتسبي الحكومة توزع بنسبة الربع راتب للاغلبية الساحقة من المنتسبين وتسمى بـ "برنامج الادخار" الجبري وهو الاجراء القمعي الذي جلب ورائه احتجاجات ومقاطعات مدنية كبيرة ومتواصلة للموظفين المدنيين في مدن كثيرة من الاقليم.
وبسبب هذه المحاصصة المقيتة على النفط الكردي، فقد صرح وزير الموارد الطبيعية للاقليم في ملتقى "ان سعر برميل النفط حتى لو وصل الى مائة دولار، وان انتاج الاقليم حتى لو وصل الى مليون برميل فان الحكومة غير قادرة على حل الازمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها الاقليم" وهذا دليل شبه مؤكد على ان المحاصصة المقسمة للنفط بين الاطراف المذكورة قد تكون اكبر من النسب التي ذكرت سابقا، ولهذا فان الموارد المتأتية من النفط الكردي قد لا تكفي لتلبية نسب المحاصصة وحاجات الرواتب واحتياجات ادارة الحكومة، فيا لهول الفساد والنهب الساري!؟.
* كاتب صحفي
التعليقات