يتعرّض حكام كرة القدم في سوريا إلى ضغوطات كبيرة، وإلى التعدي بالضرب والتهديد المباشر من المسؤولين الكبار المعنيين بالإشراف على الأندية التي تلعب في صفوف أندية الدوري الممتاز. وما جرى مؤخراً في الدوري السوري يثير الكثير من الاستغراب والقلق، وبصورة خاصة الأحداث المؤسفة التي تلت مباراة جبلة، النادي المعروف بقيادته العسكرية التي تتبع النظام السوري، ويشرف عليه ضباط لهم مكانتهم، ويضغطون، وللأسف، على الحكام الذين تضطرهم ظروفهم إلى الخضوع لاشتراطاتهم وتعليماتهم على قاعدة "مكرهٌ أخاك لا بطل"، وإلا سيكون مصيرهم الضرب، إن لم يلجأ المسؤول، أو عضو مجلس الإدارة عن النادي إلى اتخاذ تدابير وتهديدات تخلّ بواقع الرياضة السورية، التي هي في الواقع تعيش أسوأ حالاتها، وباتت تعلن السقوط المدوّي!

الأحداث التي وقعت في أول جولتين من مرحلة الإياب، تكاد تكون مخجلة بالرغم من أنَّ اتحاد الكرة شدّد العقوبة على الحكام، وأن أي تهاون سيعرّض الحكم، في حال أنّه أخطأ خطأً مباشراً إلى الإيقاف.. وأن قرار الحكم شادي الشحف حيال الحالة الجدلية التي طالب بها نادي حطين بركلة الجزاء كان صائباً من قبل الحكم بعد احتساب الركلة لعدم صحتها، وأن معظم القرارات التي أقرّها الحكم، كما أكدها رئيس لجنة الحكام الرئيسية محمد كوسا، كانت صحيحة.

وفي تعليمات أشار رئيس لجنة الحكام الرئيسية في اتحاد الكرة إلى أن أي خطأ يصدر عن الحكم على أن يكون خطأ مؤثراً يتم توقيفه لمدة أسبوعين، كما حدث مع حكم التماس لمباراة الوحدة وحطين في الجولة الأولى في مرحلة الذهاب للدوري، وأكد رئيس لجنة الحكام أنّ مستوى التحكيم الكروي في سوريا في ترهّل واضح، ولا مشكلة لدينا في الاستعانة بطواقم تحكيم خارجية في حال اضطررنا إلى ذلك.

وكل ما يرجوه رئيس لجنة الحكام الرئيسية هو إعطاء الثقة للحكام، وإن لكل نادٍ ولاعب جمهوره الذي يُدافع عنه، واتحاد الكرة مطلوب منه إنصاف الحكم، ولا يمكن بحال إيقاف الأخطاء التحكيمية التي يقع بها الحكام، فهي أخطاء بشرية، فالحكم يمكن أن يخطئ، وهذا ليس بجديد على طواقم حكامنا، حتى إن أخطاء التحكيم لم يخلص منها حكام الفار، بالرغم من التقنيات الكبيرة المتوافرة.

والمشكلة المريرة التي تضاف إلى مهزلة التحكيم في سوريا، تلك القطيعة التي تثار مع بداية الموسم الكروي، وتنعكس نتائجها على لجنة الحكام الرئيسية في اتحاد الكرة، والتي يمكن إيجازها بثلاث مشكلات رئيسية، وأولها الثقة، التي تغيب عن الحكام الذين يُزجّ بهم في مباريات قوية وحساسة، فالحكم مطلوب منه أن يرضي عشرات الألوف من الجماهير، وقبل أن يرضي الإداريين القابعين وراء خط التماس الذين لهم تفسيراتهم الخاصة في ترجمة قرارات الحكام، وعلى المسؤولين منحه الثقة الكاملة، بقيادته في دوره كحكم نذر نفسه لهذا العمل تلك الثقة التي يُحاسبه عليه الضمير قبل الجماهير، وهذا ما يفتقده الحكام الذين يُزجّ بهم في تحكيم المباريات، وخاصة المصيرية منها. وهناك مشكلة اللياقة، التي تعتبر من أهم مميزات الحكم الناجح، فالحكم يجب أن يكون لائقاً طبياً وفنياً للمباراة ولا داعي للتوسع في هذا الموضوع، فقد نوقش أكثر من مرّة، وبأكثر من كلمة وهو لا يحتاج إلى تعليق.. فوضع الحكام في المباريات كفيل بالكشف عن هذه النقطة، ويكفي الإشارة إلى الدورة التي تضمنتها لجنة الحكام الرئيسية قبل بدء مباريات الدوري، وما ظهر في بعض المباريات من مستويات لياقة لبعض أو معظم الحكام.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الحكم الدولي في سوريا كان في الماضي القريب يتقاضى أجور تحكيم عن المباراة في الدوري 40000 ألف ليرة سورية، أي ما يوازي 12 دولاراً بحسب قرار اتحاد كرة القدم رقم 727 تاريخ 9 حزيران (يونيو) 2020.

ومن هذا المبلغ سيدفع نفقات السفر والإطعام، وقد يضطر للسفر قبل يوم، وكذلك للإقامة ليوم جديد في حال المباراة كانت في حلب أو غيرها من المدن البعيدة.

إنَّ قصص الفساد تظهر أنَّ الحكم هو الحلقة الأضعف في منظومة كرة القدم السورية، فالحكام معرّضون للابتزاز والتهديد والشتائم من قبل الجمهور والهجوم من الصحف الرياضية.

ويفتح الواقع الحالي للحكام التساؤل حول من الجهة المسؤولة والقادرة على حمايتهم من التهديدات، مع غياب أي تأمين صحي أو اجتماعي ضد الحوادث، وغياب الحماية من قبل اتحاد الكرة...

إقرأ أيضاً: تفاقم ظاهرة الطلاق!

ونتيجة الظروف القاهرة التي يعيشها المواطن في سوريا والوضع الاقتصادي الذي انحدر وبشكل مرعب، أعاد اتحاد اللعبة النظر في أجور التحكيم لتصل أجور تحكيم المباراة إلى نحو 20 دولاراً، أي ما يعادل 250 ألف ليرة سورية، وأدنى من ذلك لحكام الدرجة الثانية، مع إضافة 1500 ليرة سورية عن اليوم الأول في البطولة، وهذا ما يعني أنَّ الحكام استاؤوا من الأجور الزهيدة، ولجأ البعض منهم إلى التهرّب من تحكيم مباريات بعض الفرق وهذا ما صار ينطبق على الإداريين والمراقبين ومقيّمي الحكام، وينالون ما يناله الحكام، وبالرغم من ذلك، فالحكّام طالما يتعرّضون للضرب والإهانة في المباريات التي يقومون بتحكيمها، ومنها ما حدث مع الحكم حنا حطاب، الحكم الدولي في مباراة العربي مع المجد الدمشقي التي أقيمت في السويداء، حيث تعرّض الحكم الدولي إلى الضرب والإهانة.

وبمقارنة بسيطة مع ما يتقاضاه الحكّام في الدول المجاورة، ففي الأردن يتقاضى الحكم 150 دولاراً عن المباراة الواحدة، وفي لبنان 140 دولاراً، أما في العراق، فيتقاضى الحكم 250 دولاراً، وفي دول الخليج يتقاضى الحكم بين 300 إلى 400 دولار.

إقرأ أيضاً: ثروات خرافية

وعبر سنوات طويلة، شهدت كرة القدم السورية عشرات من قصص الفساد، منها ما بقي مخفياً وبعضها وصل إلى الإعلام، بما يشمل التهديد والابتزاز والضرب وتلقي الرشى، دون أي تحرّك حقيقي لحل هذا الملف الذي يؤثّر بشكل مباشر على الرياضة الأكثر شعبية، التي لم يحقق منتخبها أي إنجاز يُذكر منذ عقود طويلة.

وفي الإطار فقد مارست الأجهزة الأمنية والحزبية السورية على سلك التحكيم منذ عدّة عقود سلطتها، عن مباريات فُصّلت نتائجها على مقاس بعض الفرق!

هموم الكرة السورية ما زال تزداد تفاقماً، والحلول غير منصفة، تلك الهموم التي لا يمكن أن يغفر لها جمهورها العريض والمحب إلى ما آلت إليه من نتائج مخيّبة للآمال.

ويظل السؤال قائماً وهو من ينصف حكام كرة القدم في سوريا، والعمل على حمايتهم ورفع الحيف عنهم، فضلاً عن زيادة الأجور التي يتقاضونها إرضاء للضمير قبل كل شيء؟