طوال تاريخه، لم يتوقف النظام الإيراني أبدًا عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، بغض النظر عن الظروف الاقتصادية أو عدم الاستقرار السياسي أو أوقات الحرب. وهذا التدخل مدفوع باعتبارات دبلوماسية وأولويات السياسة الخارجية. وحتى خلال السنوات الأربع والعشرين التي ادعت فيها ثلاث إدارات - في عهد الرؤساء هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وحسن روحاني - أنها تسعى إلى وقف التصعيد وتعزيز العلاقات الإيجابية مع الغرب، حافظ النظام على تدخله في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية. وهذا الواقع مدعوم بشكل جيد من خلال الأبحاث المكثفة التي أجرتها أجهزة الاستخبارات الغربية ومراكز الأبحاث.

وفي "المؤتمر الوطني الثاني لتنفيذ الدستور"، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قبل وفاته في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في 19 أيار (مايو) 2024، أن "دعمنا لغزة وفلسطين يتماشى تمامًا مع المبادئ الدستورية"، معتبرًا "أن دعمنا المظلومين واجب حاسم على الحكومة الإسلامية". وأكد أنه منذ انتصار الثورة الإسلامية، أصبح هذا المبدأ أساسياً في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. وبالرغم من التغيرات السياسية العالمية والتوجهات الإقليمية، فإنَّ هذا المبدأ لا يزال ثابتاً.

بالنسبة إلى نظام يبرر قمع المرأة بحجة "الزي الديني"، ويفرض الرقابة على الإنترنت تحت ستار "حماية المستخدم"، قد تبدو مثل هذه التصريحات مجرد خطاب سياسي. لكن هناك بعض الحقيقة في كلام رئيسي، فهو معروف بخداعه وازدواجيته الممنهجة.

ينطوي الحكم الثيوقراطي في إيران بطبيعته على دعم الإرهاب والجماعات المتطرفة. وكما قال روح الله الخميني، المرشد الأعلى السابق ومؤسس النظام، في عبارته الشهيرة: "إن الحفاظ على النظام هو الأولوية القصوى". وقد ردد خليفته علي خامنئي هذا الشعور قائلاً: "إذا لم نحارب الإرهابيين في سوريا أو العراق، فيتعين علينا أن نواجههم في شوارع همدان وكرمانشاه".

ولم يمتنع النظام الإيراني قط عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. وحتى في عهد إدارات رفسنجاني وخاتمي وروحاني، عندما كانت هناك ادعاءات بخفض التصعيد وتعزيز العلاقات الإيجابية مع الغرب، حافظ النظام على تدخله في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية.

على مدى العقود الأربعة الماضية، وبينما قام الغرب بتنويع استراتيجيته من خلال البحث عن "معتدلين" أو "عناصر عقلانية" في طهران، حافظ النظام الإيراني على نهج ثابت. قد يعتقد البعض في الغرب خطأً أن النظام الإيراني، بالرغم من تصنيفه بالدولة الرائدة في رعاية الإرهاب، لم يحصل على الحوافز أو الضغوط الكافية لإعادة تقييم سياساته الخارجية. لكنَّ هذا الاعتقاد يكشف عن عدم فهم النظام الإيراني، ربما بسبب مصادر غير دقيقة.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني لم يخدم القضية الفلسطينية

وعلى عكس الأنظمة الاستبدادية التقليدية، فإنَّ أجندات المغامرة للنظام الإيراني لا تنبع من القوة الكامنة فيه. ويفتقر هذا النظام إلى الأسس الحاسمة للسلطة الحقيقية، مثل البنية التحتية الاقتصادية القوية، والدعم الاجتماعي واسع النطاق، والقوة الإيديولوجية الموالية حقاً. بعد الحرب الإيرانية العراقية، عندما اكتسب النظام والمجتمع الدولي فهماً حقيقياً لقدرات إيران العسكرية الفعلية، امتنع النظام عن المغامرات العسكرية. ولا يشير ضبط النفس هذا إلى نوايا طهران السلمية، بل هو اعتراف بالروح المعنوية المتدهورة داخل قواتها الفاسدة، المتورطة في الرأسمالية والتي تدير نظامًا عسكريًا غير فعال.

وبالتالي، فإنَّ زعزعة الاستقرار خارج حدود إيران لا تشكل نفوذاً للقوة، ولكنها، كما ذكر خامنئي صراحة، استراتيجية دفاعية من أجل البقاء. فطوال أكثر من عقدين من المفاوضات النووية، كان النظام غير راغب في مناقشة خططه الإقليمية الطموحة، وفشلت الأطراف المتفاوضة الغربية في فهم الأسباب الكامنة وراء موقف النظام الثابت.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد وفاة إبراهيم رئيسي؟

وكان عدم فهم سلوك النظام الإيراني سبباً في تكبد المنطقة والعالم تكاليف باهظة، سواء من حيث الأرواح أو الموارد المالية. فالنظام لا يريد ولا يستطيع أن يتخلى عن سياساته المتطرفة، ولن يقنعه أي قدر من الحوافز أو الضغوط بالقيام بذلك.

وبحسب السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإنَّ النظام يقوم على ركيزتين: القمع الداخلي والإرهاب الخارجي. إنَّ إزالة أيّ من هذه الركائز سوف يعجل بسقوط النظام في طهران.