بعنوان متميز، لافت للنظر، وربما مستفز، يصدع قائلاً: «حكايات عربي محب لإنكلترا»، صدرت في يونيو (حزيران) الماضي، الطبعة الإنكليزية من كتاب فيصل عباس، الصحافي المجتهد بامتياز في مشواره المهني، بدءاً بأولى محطات الاحتراف في قناة «زين»، التابعة لتلفزيون «المستقبل»، مروراً بالانضمام إلى أسرة تحرير «الشرق الأوسط»، جريدة العرب الدولية، والعمل في مقرها الرئيسي بمنطقة «هولبورن» في لندن، غير بعيد عن «فليت ستريت»، مقر معظم صحف لندن- قبل أن تهجره إلى مناطق مختلفة- وصولاً إلى تسلم كرسي رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز» منذ السابع والعشرين لشهر سبتمبر (إيلول) من عام 2016 حتى الآن. الواقع أن كتاب «ANECDOTES OF AN ARAB ANGLOPHILE»، متميز العنوان لأنه مستفز، أو صادم، إنما الأهم فهو أننا أمام إنجاز سَردي مهم كونه ثري المضمون أيضاً.
أما استفزاز عنوان الكتاب للقراء، فيشرحه الكاتب نفسه عارضاً لثنائية الحب والكره التي اتسمت بها علاقة العرب، بشكل عام، مع الإنكليز كشعب، وخصوصاً مع بلادهم كإمبراطورية، بحكم ماضيها الاستعماري في منطقة المشرق العربي عموماً. وأما ثراء المضمون فيتجلى في تعدد الآفاق التي يحلّق المؤلف في فضاءاتها، حاملاً القراء إلى دروب مشاها، وتجارب عاشها، واختبارات مرّ بها. ولئن كانت مضامين حكايات فيصل عباس اللندنية، تحمل في طياتها نوادر وقفشات لطيفة، فإنها لم تخل من رسائل ودلالات عدة، بينها المفيد كمعلومات للجيل الحالي من شابات وشبان عرب بريطانيا، وبينها ما سوف يفيد جيل لاحق، إذا شاء أحدهم، أو إحداهن، إجراء بحث، أو دراسة تتوخى الغوص في أعماق المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب من خلال سيرة الشخص. وهذه- بالمناسبة- إحدى السمات التي ينبغي أن تتسم بها السيّر الذاتية للشخصيات المؤثرة، فهي حين تجمع بين العام والخاص، وتأثير كل منهما على الآخر، تكتسب صفة المرجع الموثوق الذي ربما يعين كل باحث يرجع إليه.
في تقديمه للكتاب، يلمس عثمان العمير، ذلك الجانب التوثيقي في كتاب فيصل عباس، فيرى أن الكتاب يرقص بأناقة بين فضاءات علوم الإنسان، والتاريخ، وفن الهجاء، وسيرة الشخص الذاتية، فيوفر للقراء مزيجاً من متعة القراءة والاستنارة. ينسجم مع التقييم ذاته، تقريباً، أليستير بيرت، وزير الدولة (سابقاً) لشؤون الشرق الأوسط، معتبراً أن الكتاب سلط الضوء على جوانب مهمة، سواء فيما يتعلق بتجربة تعامل شاب عربي مسلم مع صدمات بدء مشوار الاغتراب في المجتمع اللندني، أو، وهو الأهم، معايشة حدث إرهابي ضخم كما جريمة السابع من يوليو (تموز) عام 2005، إضافة إلى كيفية التعامل البريطاني مع قضايا خطيرة، مثل العِرق، والدين، والتاريخ. كذلك أيضاً يشيد بالكتاب كلٌ من كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي- البريطاني، «كابو»، وريتشارد كويست، نجم محطة «سي إنْ إنْ» المعروف، والكاتب إيد حسين، مؤلف «ذا إسلاميست»، أحد الكتب المدرجة في قوائم الأكثر مبيعا، ويرى كلٌ منهم إن في الكتاب جوانب عدة تستحق التوقف أمامها.
يبقى أنني مدينٌ بشكر شخصي للكاتب الصحافي الشاب فيصل عباس، فقد أرجعني كتاب «حكايات عربي محب لإنكلترا»، إلى سنوات شباب مشوار تغريبتي اللندنية، بدءاً من أواخر سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى خواتيم التسعينيات. حقاً، ثمة جوانب عدة تضمنها الكتاب، سبق لي أن عشتها، وكذلك معظم أتراب جيلي، من رفاق المشوار اللندني، رغم اختلاف وتباين الوسائل والأدوات، لذا أختم، كما بدأت، بالقول إن حكايات فيصل عباس اللندنية هي بالفعل ثرية برسائل ودلالات.
- آخر تحديث :
التعليقات