كنتُ ملازماً لزميل وصديق عزيز، عرفته عن قرب وأقدّره وأجلّه كثيراً. هذه العلاقة استمرت بيننا لأكثر من أربعين ربيعاً، إلا أنني أجد - وللأسف - أنه يقف بعيداً عني أميالاً وأميال، دون أن أكون قد اقترفت ذنباً. كل ما فعلته أنني غادرت البلاد هرباً من واقع مؤلم، ومن حرب مدمّرة أتت على كل شيء. مع ذلك، لم أبخل يوماً في إعانته قدر المستطاع أو تقديم يد المساعدة له، وهو أيضاً لم يقصّر في تقديم يد العون.

أجدُ أنه من باب الاحترام والود، اللذين أعتبرهما وساماً على صدري، وما تعلمته من تجارب شخصية، أن أحافظ على هذه العلاقة مهما أصابها من فتور. بالرغم من أنَّ الجسور التي ربطتنا قد تقطعت، إلا أنني لا زلت أرى في هذه الصداقة مثار فخر واعتزاز.

لقد كان صديقي مثالاً يُحتذى في خدمة الناس، أكبيراً كان أم صغيراً. ينحدر من سلالة طيّبة وعرقٍ أصيل، ومن أخلاق كريمة لم تفصلني عنه يوماً، طيلة السنوات الماضية التي قضيناها معاً في ودّ وتراحم.

كان بالنسبة إليَّ، وما زال، مدرستي وموجهي الأول. تعلّمت منه الكثير عن الحياة ومعرفة الناس. كنت دائماً أشبهه بوزير خارجية، وهي صفة تليق به بجدارة. علاقاته الواسعة وخبرته في التعامل مع الناس، إضافة إلى دماثة أخلاقه وحسن تصرفه، جعلته شخصاً متزناً، وله مكانة رفيعة.

إقرأ أيضاً: الكاتبة القطرية هدى النعيمي لـ"إيلاف": عصا السلطة تعلو على صوت المثقف!

إنه إنسان واعٍ وذكي، يتميز بفطنته وحدسٍ مرهف. لم يكن يحمل أي ضغينة أو حقد، بل كان دوماً محبوباً. من كل قلبي، أقدّر وأجلّ هذا الصديق الذي عرفته طفلاً وشاباً.

وبالرغم من الفراق الذي أبعدنا عن بعضنا، فإنَّ محبته ستظل محفورة في قلبي ووجداني. حتى وإن بادر بقطع العلاقة التي كانت في أوجها، فأنا لا أزال أحاول مدّ جسور التواصل معه، إلا أنني كنت أواجه ذرائع لا يمكن التغاضي عنها.

إقرأ أيضاً: مباشر على فيسبوك

يبدو أنَّ صديقي اختار الاعتكاف والابتعاد عن الأصدقاء، وفضّل الاهتمام بنفسه وبأبنائه، وهذا حقّه بالطبع. مع ذلك، لا أظنّ أنني قصّرت في حقه يوماً، بل كنت دوماً الأقرب إليه محبّاً مخلصاً.

وبالرغم من كل هذا، أكنّ له كل المحبّة والود والإخلاص، لأنني أعرف أصالته وكرمه وطيبه. ويظل بالنسبة إليَّ شخصاً ذا فضلٍ كبير، وحبه سيبقى محفوراً في قلبي مهما فرّقت بيننا الأيام.