استجمع صديقي المثقف قواه بعد أن غاب عن الوعي لساعات في مكتبه، وألحّ عليّ بعد أن أفاق من غيبوبته بمتابعة برنامجي الصباحي، الذي سيكون فيه ضيفًا على جمهوري في بثّ حي ومباشر عبر "فيسبوك"، والذي أثار ضجة كبيرة في حلقة سابقة.

فكر صديقي حسان مع صديقه نعيم، اللذين كانا يتابعاني في الحلقة الماضية من البث المباشر، والتي كانت تجربة جديدة بالنسبة لي، تناولت فيها واقع الحياة في بلدي ومدى رضى الناس عما يجري هناك من أحداث وتردٍ في الواقع الاقتصادي المنهار، الذي أصبح يثير حفيظة الناس ويدهشهم ويؤرقهم. وقد أصرّ حسان على أن أعيد التجربة في حلقة جديدة.

كانت ردود الأفعال متباينة، وبالكاد تجد فيها ما يرضي الأصدقاء والمتابعين لما جاء في الحلقة. فقد انهالوا عليَّ بوابلٍ من السخط وعدم الرضا عما أثرته في برنامجي الجديد، الذي حاولت أن يكون بداية صرخة في عالم الميديا.

وهذه التجربة ليست جديدة تمامًا بالنسبة لي، إذ سبق لي أن خضتها قبل فترة، ولكنني لم أستمر فيها. إلا أن أحد الأصدقاء تواصل معي وأبدى إعجابه بما طرحته، وكذلك بالإطلالة التي ظهرت بها ـ حسب ما زعم ـ رغم أنني لم أقم بتحضير مضمون الحلقة بشكل كافٍ. فقد كانت رغبتي في الظهور فقط، بعد أن دبّت الحماسة في داخلي، وهذا ما دفعني إلى القبول، والأهم بالنسبة لي كان إرضاء المشاهد.

إقرأ أيضاً: الموسيقى ومعالجة مرضى الأعصاب

في الحلقة الثانية من برنامجي الجديد، قررت أن أستضيف ذلك المثقف المهتم بالشأن العام مرة أخرى، وأن أطرح عليه بعض الأسئلة آملًا أن أكون موفقًا في طرح المزيد مما تخبؤه حفيظتي من تساؤلات، والإجابة عليها من قبل صديقي الذي سيكون ضيف الحلقة الثانية. أحاول في هذه الحلقة أن أحيط بكل ما يهمّ المواطن، خاصة مشكلة الغلاء المستشري الذي يعاني منه أغلب الناس في بلدي، فضلًا عن الواقع الصحي المزري الذي جعل من المواطن أضحوكة على كل لسان في البحث عن الدواء، الذي لم يعد المواطن قادرًا على الحصول عليه إلا بشق الأنفس، بعدما كان متوافرًا في كل مكان وبسعر زهيد. أما اليوم، ورغم الدفع بكل ما لديه من قدرة شرائية، لم تعد تلبي الحاجة، أو حتى الحصول على علبة دواء واحدة وبسعر يفوق المعقول. أضف إلى ذلك تجاهل الأطباء، الذين أصبحوا أشبه بالجزارين في التعامل مع واقع الحال المزري والمؤلم الذي يعاني منه المرضى، وخاصة المصابين بإصابات لا يمكن الشفاء منها!

الآفاق ظلّت ضمن الطموح، والآمال كبيرة، ولكن؟ المواطن ما زال يأمل في النهوض بواقع ينهار يومًا بعد يوم، ويمضي سريعًا نحو استرخاء وانحدار مرعب!

كانت الأسئلة التي ترد إلى ضيفي من المتلقين ترصد كل صغيرة وكبيرة في بلد يتهاوى، وكان ردّ ضيفي عليها لافتًا للنظر بحنكته وخبرته المعروفة، فلم يترك قضية إلا وتناولها، وأبدى رأيه فيها.

كان ضيفي واثقًا من نفسه، وهو العارف بخفايا الأمور، وردّه على كل أسئلة المتابعين كان يبعث في النفس الفرحة، إذ كان يعرف كيف ومتى وعلى ماذا يرد، وبكل شفافية وهدوء واتزان ودقّة، مستسلمًا للمشاهدين الذين يتابعونه من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتسمّرون أمام شاشاتها.

إقرأ أيضاً: ما كان وما سيكون

فكرت جيدًا في إجابات ضيفي على الأصدقاء الذين كانوا يتابعونه، وبكل اهتمام ورويّة. وأكثر ما لفت انتباهي كان هندامه وأناقته، وهذا ما أسعدني وأسرّ المتابعين.

بعد متابعة مستفيضة، وتكرار بعض الأسئلة والاستفسارات، والإجابة عليها من قبل صديقي الضيف، أنهيت حديثي معه وشكرته، بكل لطف، على ما قدّمه من صور جمالية، وعلى إثرائه للحوار الذي دار بينه وبين الأصدقاء المتابعين بالرد على إجاباتهم بكل وعي وتفهّم. شكرني بدوره، وأبدى رغبته في المتابعة في حلقات قادمة إذا تطلب منه الحضور، وأنهى الحلقة بالاستئذان من جمهوره العريض، الذي استأنس اللقاء به وبحضوره الطيب، وطلب منهم طرح المزيد من الأسئلة وإرسالها إلى بريده الإلكتروني الخاص ليقوم بالإجابة عليها، بما في ذلك الرد عليها مباشرة في حلقات قادمة.