انتهيتُ مؤخراً من قراءة كتاب Red Symphony (السيمفونية الحمراء) للكاتب جوزيف لاندوفسكي، الذي يشرح بالتفصيل التحقيق الذي أجرته المخابرات السوفيتية مع سفير الاتحاد السوفيتي في باريس، كريستيان راكوفسكي. تم التحقيق معه لمدة سبع ساعات كاملة، ابتداءً من الساعة 12 بعد منتصف الليل، في عام 1938.

يشرح الكتاب ما حدث في العالم من أحداث خلال القرون الثلاثة الماضية، ويضع يده على القوة الخفية التي حركت تلك الأحداث وأرعبت العالم خلال القرون الأخيرة.

تم القبض على السفير راكوفسكي بأمر مباشر من الزعيم جوزيف ستالين، وخلال التحقيق معه، أفضى بسر لم يُعلن عنه من قبل، إذ كشف عن انتمائه لتيار "النورانيين". عند ذكر هذا التيار، لا بد من الإشارة إلى المؤرخ اليهودي الألماني جاستين، الذي تتبع مركزية الحاخامات عند اليهود.

فجّر جاستين مفاجأة في أحد كتبه الضخمة، مفادها أنَّ مركزية الحاخامات في العالم كانت في دولة فلسطين. بعد غزو نبوخذ نصر لفلسطين في عام 587 قبل الميلاد وتدمير مملكة اليهود، نُقل مركز الحاخامات إلى بابل، ليعود بعدها إلى فلسطين، ثم ينتقل إلى قرطبة في الأندلس، ومن ثم إلى بولندا. انتهت مركزية الحاخامات اليهود في العالم عام 1777، بسبب تقسيم بولندا بين روسيا وألمانيا.

مع اختفاء مركزية اليهود، ظهرت حركة جديدة تُسمى "الهسكالا"، التي بدأت في عام 1775، داعيةً إلى التنوير وتحديث المجتمع اليهودي، وتأسست على يد الفيلسوف اليهودي موسى مندلسون. في عام 1776، ظهرت في فرانكفورت بألمانيا منظمة بقيادة آدم وايز هوت، أطلقت على نفسها اسم "النورانيين".

يرى المؤرخون أنَّ مركزية الحاخامات تحولت إلى العمل السري عبر تيارين، هما "الهسكالا" و"النورانيين"، بتأثير من المعتقدات الزردشتية المجوسية. تأثرت حركة "النورانيين" بالأحكام التلمودية اليهودية، حيث أسسها حوالى 13 حاخاماً من كبار الحاخامات، الذين يرأسون المجلس الكبير المكون من 300 شخصية بارزة من أغنى أغنياء أوروبا. رأى الكثير من المؤرخين أنَّ هذا المجلس هو من يحكم العالم ويحرك رؤساء الدول في شتى بقاع الأرض.

خلال التحقيق، كشف السفير راكوفسكي أن الثري اليهودي روتشيلد كان عضواً في "النورانيين"، ووضع خطة للسيطرة على العالم في العام 1776، لأنه كان يتحكم في أغلب ذهب العالم. وتم تكليف وايز هوت بوضع هذه الخطة، التي عُرفت فيما بعد باسم "بروتوكولات حكماء صهيون". استمر العمل على وضع هذه الخطة حتى عام 1786.

إقرأ أيضاً: العنز القرناء والكلب المسعور

أحد أهداف هذه الخطة كان إشعال الثورة الفرنسية ضد الملكية، لأنَّ "النورانيين" رأوا أنَّ فرنسا كانت أقوى دولة أوروبية في ذلك الوقت، وسقوطها يعني سقوط القارة الأوروبية. لكن الشرطة البافارية في جنوب ألمانيا كشفت المؤامرة من خلال منشورات عُثر عليها بحوزة أحد أعضاء الحركة.

الشرطة اكتشفت أن حركة "النورانيين" تهدف لهدم الدول وتحطيم الأديان، من أجل بناء دولة يهودية كبرى تكون عاصمتها القدس المحتلة. تم القبض على وايز هوت، لكنه ظل يعمل سراً بعد الإفراج عنه، وبدأ في اختراق المحافل الماسونية في أوروبا لتحقيق أهدافه.

إقرأ أيضاً: لماذا يهتم المتابع العربي بالسباق الرئاسي؟

تنبه بعض المفكرين الأوروبيين للمؤامرة، مثل جون روبنسون، الذي ألّف كتاب "البرهان على المؤامرة ضد الحكومات". أحد نتائج حركة "النورانيين" كانت "حركة اليعاقبة"، المتهمة بقتل 8 آلاف فرنسي خلال الثورة الفرنسية.

في الختام، إذا كان البعض يرى أن هذه الأحداث مجرد "نظرية مؤامرة"، فإن مراجعة الواقع الحالي تُظهر أن ما تم التخطيط له منذ 300 عام يتم تنفيذه الآن. ولكن، لدينا قناعة بالآية الكريمة: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).