إثيوبيا دولة حبيسة، حيث لا تملك سواحل على البحار أو المحيطات، وتقع في منطقة القرن الإفريقي. تحدها ست دول: إريتريا من الشمال، جيبوتي والصومال من الشرق، كينيا من الجنوب، جنوب السودان من الغرب، والسودان من الشمال الغربي. بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا في عام 1993، أصبحت إثيوبيا دولة حبيسة، مما يعني أنها تعتمد على دول الجوار للحصول على منفذ بحري، مثل استخدام ميناء جيبوتي للوصول إلى البحر الأحمر. ومع ذلك، تتمتع بموقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي بحكم المساحة والامتداد القبلي. تقف إثيوبيا عند مفترق طرق حاسم في مسيرتها نحو الاستقرار والنهوض بعد تاريخ طويل من التحديات السياسية والاقتصادية، مع تعقيدات إضافية ناجمة عن الصراعات الداخلية والمواقف المتباينة على الساحة الدولية. وبينما تعلن الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد عن سعيها إلى تحقيق إصلاحات واسعة في مختلف القطاعات، تواجه إثيوبيا ضغوطاً هائلة تجعل مستقبلها محفوفاً بالمخاطر، ولكن في ذات الوقت مليئاً بالفرص.

منذ تسلم أبي أحمد السلطة في عام 2018، بدأت إثيوبيا في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي هدفت إلى تعزيز الديمقراطية، وتخفيف حدة التوترات العرقية، وفتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية. وقد لعبت جهوده في إنهاء النزاع مع إريتريا دوراً كبيراً في منحه جائزة نوبل للسلام. ومع ذلك، سرعان ما تكشفت التحديات الداخلية التي تعصف بوحدة البلاد واستقرارها، وعلى رأسها النزاع الدموي في إقليم تيغراي الملتهب. هذا الصراع الذي بدأ في 2020 أدى إلى انقسام عرقي وسياسي حاد بين الحكومة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، متسبباً في خسائر بشرية ومادية كبيرة ما زالت بعيدة عن الحصر والتقييم لصعوبة الحصول على معلومات دقيقة. ورغم محاولة الحكومة السيطرة على الأوضاع عبر التدخل العسكري، لا تزال تداعيات النزاع تلقي بظلالها على إثيوبيا، مما يهدد بإشعال المزيد من التوترات في مناطق أخرى من البلاد.

إضافة إلى التحديات السياسية، تعاني إثيوبيا من مشكلات اقتصادية متزايدة. فالنزاعات الداخلية، جنباً إلى جنب مع التداعيات العالمية لجائحة كورونا، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإثيوبي، حيث شهدت البلاد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة في معدلات التضخم والبطالة. مع عدد سكان يزيد عن 110 ملايين نسمة، تجد الحكومة الإثيوبية صعوبة في توفير فرص العمل وتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة. وللتعامل مع هذه الأزمات، لجأت الحكومة إلى برامج إصلاح اقتصادي تشمل جذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة الأعمال، لكنها تواجه تحدياً مستمراً في توفير بيئة مستقرة وجاذبة للمستثمرين في ظل التوترات السياسية المستمرة.

على الصعيد الدولي، يشكل سد النهضة الإثيوبي الكبير أحد أبرز القضايا المثيرة للجدل التي تؤثر على علاقات إثيوبيا مع جيرانها، خاصة مصر والسودان. رغم أن السد يُسوَّق على أنه يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال توليد الكهرباء وتطوير البنية التحتية، إلا أنه تسبب في توترات شديدة بين أديس أبابا من جهة، والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى. مصر، التي تعتمد بشكل كبير على مياه نهر النيل، ترى في السد تهديداً لأمنها المائي، مما أدى إلى تصاعد التوترات الدبلوماسية بين البلدين. ورغم المحاولات العديدة للتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، لا تزال المفاوضات تراوح مكانها، مما يعمق من حالة عدم الاستقرار الإقليمي.

في هذا السياق المعقد، يتعين على إثيوبيا أن تواجه تداعيات سياساتها الخارجية على جالياتها المنتشرة في دول مختلفة، لا سيما في دول تعارض مواقفها السياسية. على سبيل المثال، تعيش جالية إثيوبية كبيرة في مصر، وهي جالية تسهم بتحويلات مالية كبيرة تدعم الاقتصاد الإثيوبي. إلا أن التوترات بين أديس أبابا والقاهرة بسبب سد النهضة جعلت هذه الجالية مهددة في حال تطورت الأزمة. وهنا تجد الحكومة الإثيوبية نفسها أمام مسؤولية تأمين حقوق هذه الجاليات التي تمثل جزءاً مهماً من الدعم الاقتصادي لإثيوبيا.

على الرغم من هذه التحديات الهائلة، يبقى في الأفق فرص لتحقيق استقرار طويل الأمد في إثيوبيا. الإصلاحات السياسية، إذا ما أُحسن تطبيقها، قد تؤدي إلى تعزيز اللحمة الوطنية وتحقيق توافق بين مختلف الأطياف العرقية والسياسية. كما أن الجهود المبذولة لتطوير الاقتصاد من خلال مشروعات البنية التحتية، قد تؤتي ثمارها في تحسين مستوى المعيشة وتخفيف الفقر. ولكن لتحقيق هذه الأهداف، تحتاج إثيوبيا إلى استقرار داخلي وخارجي يتيح لها مواجهة التحديات الخارجية بمرونة وكفاءة.

يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت الحكومة الإثيوبية قادرة على التغلب على هذه التحديات المتشابكة. إذ أن الصراع المستمر في تيغراي، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والتوترات مع الدول المجاورة، يشكل عائقاً أمام أي محاولة لتحقيق التقدم. لا شك أن إثيوبيا بحاجة إلى استراتيجيات جديدة وشاملة تركز على حل النزاعات الداخلية وإدارة علاقاتها الخارجية بشكل أكثر حكمة وفعالية. الأهم من ذلك، تحتاج الحكومة إلى توجيه اهتمامها نحو حماية جالياتها في الخارج من التبعات السياسية للصراعات الإقليمية، وضمان عدم تأثير تلك التوترات على علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع المجتمع الدولي.

شخصياً، أعتقد أن خارطة طريق إثيوبيا نحو المستقبل هي مزيج من الفرص والمخاطر. النجاح في تجاوز هذه التحديات سيؤهل البلاد لتكون قوة إقليمية صاعدة، فيما سيؤدي الفشل إلى تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية. على حكومة إثيوبيا أن تركز على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال الحوار الشامل، وحل النزاعات العرقية والسياسية بطرق سلمية، وفي الوقت نفسه، تطوير الاقتصاد عبر تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات، مع الحفاظ على علاقات دبلوماسية متوازنة مع جيرانها لتحقيق الاستقرار الإقليمي.